القضية الفلسطينية.. الوضع الحالي ومسئوليتنا تجاه القدس

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (سورة الإسراء: 1).

هاجمت القوات الصهيونية في العشر الأواخر من رمضان، وفي ليلة القدر المصلين الأبرياء أثناء صلاة قيام الليل، حيث استشهد حوالي 7 مسلمين، ومنذ ذلك الحين يستمر العنف “الإسرائيلي” وأصيب حتى الآن حوالي 7000 شخص بجروح، وأضطر الآلاف إلى ترك بيوتهم، واستشهد العديد منهم مع أطفالهم الأبرياء. يشاهد العالم كله صامتًا. ونمارس الذلة والعار من طرفنا حتى سوف تستحي طيراً أبابيل علينا والكل يكتب عن قضية فلسطين علماً بأن هذا الوضع الحالي الذي نشاهده اليوم ولكن فلسطين في حالة حرب بصفة مستمرة منذ زمن بعيد ويمكن القول إنهم في ساحة المعركة منذ قرن.

في فلسطين حوالي 80٪ من الناس ليس لديهم محل أو مشروع ويعيشون على المعونات والبضائع المرسلة من السعودية وتركيا وقطر والكويت وماليزيا. وكما تجدر الإشارة إلى أن فلسطين ليس بها عملة، لأنه ولإبقاء العملة متداولة ومستمرة تحتاج الدولة إلى المال، ونحن نعرف الوضع الاقتصادي للفلسطينيين ولذلك تستخدم الآن العملة “الإسرائيلية” أو الدينار الأردني هناك. وأيضاً تجدر الإشارة إلى أن لدينا توقعات غير معقولة من الحكومات الإسلامية حيث كلهم دول ضعيفة جدا، لا يمتلكون القاعدة ولا أسلحة متطورة لديهم. وهذا صحيح أن كل الدول الإسلامية، بما فيها تركيا والمملكة العربية السعودية، يجب أن تلعب دورا عالميا ضد “إسرائيل” والولايات المتحدة التي تحميها وراعيها من كل طرف. ولا بد أن تقوم هذه الدول الإسلامية بإعداد نفسها لتضع نفسها في وضع يسمح لهم بالمنافسة القوية.

إحدى المآسي الكبرى

نعلم من خلال تاريخنا أن إحدى المآسي الكبرى التي واجهها العالم الإسلامي في القرن العشرين كانت انهيار الخلافة في عام 1923 وكنتيجة حتمية لذلك الانهيار قد تم تأسيس وإنشاء دولة “إسرائيلية” غير شرعية في عام 1948 في قلب العالم العربي. واستمرت القضية كمأساة كبيرة في خاصرة الإسلام على مدى السبعين عاما الماضية. إنها قصة مأساوية ونرى فيها مؤامرات اليهود، وعداوة الصليبيين للإسلام، وعدم كفاءة قادتنا، وخيانة بعض المسلمين، وهي مشاهد مأساوية مختلفة أدت إلى مئات المآسي، والمأساة الحالية أيضًا جزء من هذه القصة المروَعة حيث يمكنك مشاهدة دور كل الأشخاص الذين ذكرتهم آنفاً. لكن على الرغم من ذلك، قام الفلسطينيون بتسجيل تاريخاً جديداً من الصبر والعزم من خلال التضحية بحياتهم. بينما أصبح معظم قادة المسلمين فريسة وألعوبة لخداع أربابهم الغربيين في هذا الجشع وهذا كله لحماية مصالحهم الشخصية وسلطتهم الملوكية. وأحيانًا يخنقون إخوتهم الفلسطينيين. وهكذا، وبسبب اللامبالاة الكاملة للمسلمين والتعصب والإهمال في العالم الإسلامي، عانى الفلسطينيون حتى الآن من البكاء والدموع ومذابح الأطفال واغتصاب النساء وهتك كرامتها.

تشير الدراسات التاريخية إلى أنه عندما بدأت هذه المشكلة حاولت عناصر علمانية من المسلمين بتسميتها قضية عربية قومية وإقليمية، ولا تزال هناك عناصر حتى اليوم تحمل نفس الرأي تجاه قضية فلسطين. كان في أذهانهم عنصر قوي من القومية العربية ولم يرى أي شيء فوق هذه العنصرية. ومن وجهة نظري، وصف هذه القضية بأنها قضية عربية وطنية وإقليمية كان خطأً جوهرياً من طرف المسلمين وهكذا فشلنا في كل الجبهات والمجالات. وبينما في المقابل، اعتبرها اليهود مشكلة يهودية عالمية وقاموا بجمع اليهود من جميع أنحاء العالم تحت رايتها باسم دولتهم القومية والدينية. وقد تم إعداد خطة واسعة وقاموا بلعب دور جوهري ومحاولة كسب الرأي العام العالمي من خلال استخدام جميع هذه الطرق.

ولسوء الحظ أيضًا، أن لدينا علماء معاصرين يقولون علانية بأن أرض كنعان وأرض فلسطين لها الورثة الحقيقيون والمستحقون وهم أبناء إسرائيل. سمعت هذا الكلام يتردد في مقطع فيديو وكان من المؤسف والمؤلم جدًا سماع ذلك. كيف يضلل هذا العالم العلماني الناس الأبرياء مع سوء تفسير آيات القرآن، لا يجدر ذكر اسمه، ولكن حتى هؤلاء الأشخاص هم في الواقع ألعوبة وأدوات لخطة يهودية والتي يحكمهم بموجبها مثل هذا العنصر العلماني، ويستخدمهم ضد الذين يأخذون الإسلام كأسلوب حياة، وضد الذين يتكلمون في إنشاء دولة إسلامية وهكذا يقوم هؤلاء العلمانيون بفتاوى ضدهم.

قضية إسلامية بحتة

وأنا أستطيع أن أقول بكل ثقة وبعد دراسة مكثفة بأن قضية فلسطين قضية إسلامية بحتة. المسلمون هم الورثة الحقيقيون لهذه الأرض على أسس تاريخية وثقافية ودينية. وقد ثبت ذلك بوضوح في القرآن والحديث وتاريخ الإسلام. ومع ذلك، فإن مثل هذا الادعاء من قبل اليهود غير مقبول تاريخيًا. يسمي القرآن هذه الأرض أرضًا مباركة كما ذكر في القرآن قصة هجرة إبراهيم ولوط: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ} (سورة الأنبياء: 71).

كما ذكر في قصة سليمان عليه السلام. {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} (الأنبياء: 81).

وهكذا، في أماكن أخرى كثيرة، وُصفت أرض القدس بأنها أرض الخير والبركات. قيل في سورة سبا: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} (سبأ: 18). وفي سورة التين: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}، وفي الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. كما يسمي القرآن هذه الأرض الأرض المقدسة: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (سورة المائدة 21).

وكما نعرف فإن فلسطين هي أرض الأنبياء والمرسلين. يذكر القرآن 25 من هؤلاء الأنبياء، ومعظمهم من هذه المنطقة. منذ البدايات الأولى نزلت الخطى المباركة لأنبياء ورسل الله على هذه الأرض. هاجر أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام من العراق مع ابن أخيه لوط وزوجته سارة، وأتوا إلى هذه المنطقة واستقروا فيها، وبأمر الله، أسكن من ذريته في وادي مكة وهو غير ذي زرع. وبعد فترة، اصطحب إسماعيل معه وبنى الكعبة هناك.

وأسكن ابنه الثاني، إسحاق، في أرض كنعان، وبنى مسجداً في القدس، والذي وسّعه سليمان فيما بعد. وهي الأرض التي مات فيها إبراهيم عليه السلام، وما جرى مع يوسف عليه السلام ابن يعقوب عليه السلام الصغير من إخوته ثم أخرجته السيارة / القافلة من بئر كنعان ونقله إلى مصر، حيث بدأ صفحة جديدة من تاريخ بني إسرائيل. ثم أخرج موسى عليه السلام وهارون عليه السلام بني إسرائيل وقادهم إلى الأرض المقدسة، ولكن قبل دخولهما دعاهما الله إليه. ثم دخل يوشع بن نون، الخليفة الخاص لموسى، هذه الأرض بعد 40 عامًا مع بني إسرائيل. ثم أقام داود عليه السلام وسليمان عليه السلام مملكة عظيمة هناك. (القدس) كانت عاصمتها، وهنا قام سليمان عليه السلام بإعادة بناء وتوسيع المسجد الأقصى، وقد رفع الله عيسى ابن مريم إلى السماء من هذه الأرض المقدسة، وأخيراً قد نالت هذه الأرض المقدسة سعادة أن تكون مكاناً للإسراء والمعراج ومكان الصعود من الأرض إلى السماء وقيادة الأنبياء في حق آخر لبنة وسلسلة من قصر النبوة، محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء.

للاطلاع على مزيد من الأهمية لهذا المكان، يمكنك قراءة الكتب التي تم كتابتها خاصة من ناحية بركات هذا المكان في ضوء القرآن والسنة. ومنها الكتاب العربي “بيت المقدس في الكتاب والسنة” وهو كتاب للشيخ / محمد عبد الله محمد علي.

تاريخ نضالي مستمر

من مميزات وسمات الأمة الإسلامية أن لديها تاريخا مستمراً في النضال من أجل إثبات وتأييد الحق والإصلاح والتجديد، وقد أُثبتت في كثير من الأحاديث أن جماعة من الأمة المسلمة ستبقى على الحق، الذي سينجح ويكون منصوراً. وكما هو معلوم من رواية مسند أحمد أن هذه الجماعة تتواجد في القدس وما حولها. قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” وأخرجه أيضا الطبراني.

وقد ثبت من عدة أحاديث بأن الصلاة الواحدة تساوي خمسمائة صلاة (بعد المسجد الحرام وبعد المسجد النبوي) وهذا المسجد من المساجد التي يسمح شد الرحال إليه كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى. وبسبب هذه الآثار، اعتبر المسلمون المسجد الأقصى وكل مساحة فلسطين جزءًا من تاريخهم الديني والفكري والعلمي والثقافي الذي لا يمكن فصله عنهم أبدًا، وقد تشارك وتشمل تقاليدهم العلمية والثقافية مع هذه الأرض المقدسة بأعماق قلوبهم.

فمنذ نزلت خطوات الصحابة المباركة على هذه الأرض، أصبحت مركزًا للأنشطة العلمية والفكرية، وقد لعب فيها المسجد الأقصى دورًا خاصًا ومن هذه الناحية، كانت فلسطين منطقة خصبة جدًا للمسلمين. حيث ولد الإمام الشافعي رحمه الله بغزة إحدى مدنها. وقد نهض المحدث الشهير الإمام حجر عسقلاني من تراب مدينته عسقلان. وابن قدامة المقدسي النابلسي عالم معروف في الفقه الحنبلي نشأ في مدينة نابلس الفلسطينية الشهيرة ونحن لا ننسى موسى بن ناصر الذي رفع أصوات لا إله إلا الله في صحراء أفريقيا الحارقة فإنه من مدينة الخليل. ومن أشهر قادة الجيوش طارق بن زياد وهو من أرض فلسطين. أيها الأخوة المحترمون! يذكر التاريخ دائما الملك الهندي شاهجهان، صاحب بناء تاج محل، ولكن ينسى الآلاف من العمال الذين قاموا بدورهم لبنائه من خلال عملهم الشاق. من هذه الناحية كيف ننسى رجاء بن حيوة الكندي الذي أدت جهوده إلى نقل الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز، والتي أعتبرها أكثر وأكبر العهد الذهبي في تاريخ الأمويين؟ عبد الحميد بن يحيى الكاتب كاتب شهير وصاحب مقالات نثر عربي، كان من أشهر وأعظم الشخصيات الذين ينتمون إلى أرض فلسطين.

هذه هي العلاقة التي جعلت المسلمين في كل عصر يعتزون بهذه الأرض أكثر من حياتهم ويقدمون كل أنواع التضحيات لحمايتها وجعلها التجسيد الحقيقي لهذه القصيدة.

اے ارض پاک تيري حرمت پہ كٹ مرے ہم –     اب تک تري رگوں ميں ہے خون رواں ہمارا.

أيتها الأرض المقدسة، دعنا نموت في حماية حرمتك وقدسك.   حتى الآن دماؤنا في عروقك.

ولذلك، فإنها حقيقة كبرى بأن ليس هناك مثالاً لوجود أي بقعة في العالم وهي أكثر إراقة الدماء في تاريخ الإسلام من أرض فلسطين. فلما فتح المسلمون هذه المنطقة بقيادة أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد سيف الله وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة واستشهد عدد كبير من الصحابة والتابعين.

محطات مهمة

بعد القرن الرابع الهجري اضمحل وضعف العالم الإسلامي واحتل الصليبيون القدس عام 1099م. في هذه المأساة الأولى لسقوط فلسطين، أريقت دماء الملايين من أبناء التوحيد في هذه الأرض، وفي القدس وحدها ذبح في الحال 70 ألف رجل وامرأة وأطفال ومسنين وتحول المسجد الأقصى إلى بركة من الدماء. حيث تشتتت الأعضاء البشرية في أماكن مختلفة، ثم استيقظت روح الجهاد في الأمة مرة أخرى وصنع تاريخ جديد من الجهاد والتصميم من قبل عماد الدين زنكي إلى نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي. الآلاف من الموحدين ضحوا بحياتهم من أجل استعادة القدس. لكن القصة الأكثر مأساوية في التاريخ هي أنه بعد ذلك الفتح قد اضطر العالم الإسلامي إلى أن يواجه غزو التتار وفي هذه القيامة الصغرى كانت هناك عاصفة من النار والدم من بغداد إلى سوريا. تم ذبح الملايين من البشر بطريقة لا مثيل لها في التاريخ البشري حتى سجَل التاريخ الظالم جنكيز وهولاكو إلى الأبد في سجله للأعمال الوحشية. ثم قام سلطان مصر الشجاع وقائده العسكري العظيم سيف الدين قطز بكل شجاعة بمواجهة التتار في عين جالوت في فلسطين وألحق بهم هزيمة مذلة. في هذه المعركة أيضًا، قام أبناء الإسلام بتقديم دماءهم الدافئة دفاعاً للإسلام. ثم في العصر الحديث، قام نابليون بونابارت بمهاجمة فلسطين في عام 1799 ووصل إلى أسوار عكا، ولكن قوات المجاهدين، واحدة تلو الأخرى، ألقوا بأنفسهم في ساحة المعركة واضطروا نابليين في النهاية للعودة دون جدوى. وبسبب هذا التاريخ العظيم سميت فلسطين بأرض الشهداء. ومنذ الوجود غير الشرعي لدولة “إسرائيل”، ظل الفلسطينيون العزل والضعفاء يضحون بأرواحهم وممتلكاتهم من أجل استعادة القدس العربية.

ولذلك علاقة وارتباط العالم الإسلامي بأرض فلسطين في الحقيقة بهذه الأسباب لأنها أرض الأمة الإبراهيمية. كما نعرف بأن طالما استمرت النبوة والإمامة في ورثة إسحاق ونسله (بني إسرائيل) فبقي بنو إسرائيل هم الوارث الحقيقي لهذه الأرض، ولكن عندما أصبحوا من أنصار الشيطان وقاموا بمعارضة الحق واتخذوا شعارهم الوطني هو كتمان الحق وأثبتوا عدم كفاءتهم من كل ناحية، فعزلوا من منصب النبوة والإمامة، وجعل الإسماعيليون (العرب) والأمة الإسلامية جميعاً ورثة للأمة الإبراهيمية والكعبة والقدس  كما لاحظنا في تفسير سورة الإسراء أن أحد الأهداف العديدة للإسراء والمعراج التي ذكرها المفسرون هو أن المسجد الحرام والمسجد الأقصى هذين المركزين للتوحيد سيتم إعطاؤهما للمسلمين قريبًا. كما تم تجهيز بني إسماعيل لهذه المهمة لمدة 2500 عاماً. وقد تمت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم عندما أصبحت الصفات المطلوبة متوفرة، وكما أصبح الجنس البشري كله مستعداً وجاهزاً حتى تم أرسال آخر نبي ونزول آخر نسخة من دين الله كما تم نزول آخر كتاب الهداية في شكل القرآن. كما نعرف عن طريق القرآن بأن إبراهيم كان مسلمًا، لم يكن يهوديًا ولا مسيحيًا. وبدلاً من ذلك، كانت اليهودية والمسيحية هي الأشكال المشوهة والمنسوخة للإسلام في ذلك الوقت. فعليه ومن المنطقي أن ورثة أمة إبراهيم هم الذين يؤمنون بالكتاب الأخير، حيث يقول القرآن وأولئك الذين اتبعوا إبراهيم والذين آمنوا به أحقوا بميراث إبراهيم: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 68)، فإن قضية القدس لم تكن قضية محلية ووطنية للعالم الإسلامي قط، لكن المسلمين اعتبروها دائماً جزءًا أساسيًا من عقيدتهم وتقاليدهم المجيدة.

هذه المنطقة قد تم ضمها إلى الدولة الإسلامية خلال عهد الفاروق الأعظم رضي الله عنه. وبقيت كجزء مهم من العالم الإسلامي والعالم العربي منذ ذلك الحين، باستثناء فترة قصيرة. وإن دعوة اليهود بأن هذه أرض أجدادهم وأنهم ورثتها الأصليون ليس صحيحًا من ناحية التاريخ. علماً بأنه عندما فتح المسلمون القدس، كان دخول اليهود في القدس غير مسموح وحتى لا يُسمح لهم بالدخول في أرض القدس.

لأول مرة، سمح لهم المسلمون بالدخول والقيام هناك بشروط معينة. وفي هذا الصدد، كتب الشيخ المودودي رحمه الله في كتابه “اليهودية والمسيحية” وذكر في هذا الكتاب فيما يتعلق بالقدس وفلسطين، يجب أن تعلم أنه قبل المسيح بحوالي ثلاثة عشر مائة عام، دخل بنو إسرائيل المنطقة واحتلوها أخيرًا بعد قرنين من الصراع. لابد أن تعرف هذه الحقيقة، بأن اليهود لم يكونوا السكان الأصليين لهذه الأرض، بل كان السكان القدامى أناسًا آخرين، أسماء قبائلهم وأممهم. مذكورة بالتفصيل في كتاب البائبل نفسه ونعلم من وثائق التوراة بأن “الإسرائيليين” قاموا بذبح هذه الأمم واحتلوا هذه الأرض بنفس الطريقة التي قام بها الشعب الإنجليزي بقتل الهنود الأحمر وقاموا باحتلال الولايات المتحدة، بدعوى أن الله قد ورثهم عن هذه البلاد. لذلك، من واجبهم وحقهم إخلاء سكانها الأصليين.

كتب الدكتور ظفر الإسلام خان، وهو خبير معروف بشؤون فلسطين في شبه القارة الهندية وهو يكتب بأن اليهود قاموا بغزو أرض فلسطين قبل 1220 عاماً من الميلاد وأسسوا حكومتهم الخاصة، ولكن دولتهم كانت دولة ضعيفة باستثناء عهد الحكومة القوية لداود عليه السلام في 961 قبل الميلاد وسليمان عليه السلام وكانت محاطة بممالك بابل مصر وإيران القوية من جميع الجهات ويمكنك الاطلاع على مزيد من التفاصيل حول كيفية هزم حكومة بني إسرائيل بيد الملك الكلداني بخت نصر حوالي عام 587 قبل الميلاد، ثم عندما قام القائد الروماني تايتس بغزو القدس ودمرها بالكامل.

ومُنع اليهود من دخول المنطقة منذ ذلك الحين، ووفقًا لمصادر تاريخية يهودية، نالت سمة /إجازة الدخول في أرض فلسطين عندما قام المسلمون بالغزو على هذه الأرض في خلافة عمر فاروق وعلى الرغم من كل هذه الحقائق التاريخية، فإن اليهود يدّعون بأن فلسطين حق وراثي لهم، وأنهم يحلمون بتحويلها إلى دولتهم الوطنية والدينية، وأن يجعل القدس مركزًا يهوديًا عالميًا، والمسجد الأقصى، معبد سليمان، منذ قرون حتى كان علماؤهم وأحبارهم يقومون بتوصية أحفادهم لاستعادة فلسطين وينكرون تاريخ خروجهم من مصر واستيطانهم في فلسطين وقصة جعلهم سبايا في بابل وطردهم المتكرر من فلسطين بمناسبة الاحتفالات الدينية في منازل كل يهودي ويقومون بترسيخ هذه الفكرة منذ عشرين قرن في آذان أبنائهم بأن أرض فلسطين لهم حقً حقيقيً وهم الورثة الحقيقيون وهدفهم الأساسي هو استعادتها.

موسى بن مأمون من القرن الثاني عشر هو العالم والفيلسوف والطبيب اليهودي الشهير ويعتبر أعظم زعيم لليهودية بعد موسى في تاريخهم، وهو الطبيب الشخصي للسلطان صلاح الدين الأيوبي. أوضح في كتابه، قانون الشريعة اليهودية، أنه من واجب كل جيل يهودي إعادة واسترجاع بناء هيكل سليمان في القدس.

الحركة الصهيونية

كان ولسوء الحظ، يواجه العالم الإسلامي الانحطاط من شتى الجهات في أواخر القرن الثامن عشر، حتى ما كان العالم الإسلامي في وضع يستطيع مواجهة المؤامرات اليهودية، كما بدأت الحركة الصهيونية أيضاً، حين حاول هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية وقائدها الفكري، التفاوض على صفقة فلسطينية مع الدولة العثمانية، لكنه أصيب بالإحباط واليأس من النوايا القوية والقرار الحاسم من قبل السلطان عبد الحميد الثاني. لذلك اعتبروا الخلافة العثمانية حاجزًا وعائقا وحاولوا إنهاءها والتخلص منها، وهكذا في عام 1909 أطاحت الحركة القومية التركية بحكومة السلطان عبد الحميد، كما كان اليهود راسخين في أوروبا وكانت بريطانيا تقود أوروبا في ذلك الوقت، حيث كان اليهود يشغلون ويسيطرون على مناصب خارجية ودفاعية رئيسية في بريطانيا، وقاموا بنجاح في حصول واكتساب الدعم العام الدولي من خلال حملة دعائية قوية عن عدوان و فظائع هتلر في ألمانيا وبيان عدوانه بصورة مبالغة، حتى قاموا بأبرام الصفقة مع القوى الاستعمارية الغربية حيث تولت بريطانيا مسؤولية جعل 2٪ من اليهود سادة فلسطين وإقامة دولتهم الدينية الوطنية. وتم تأسيس دولة “إسرائيلية” في عام 1948 حيث ليس لها أساسا شرعياً وكما دعمتها الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة في جميع المجالات والخطوات الصهيونية، بل حافظت عليهم وحمتهم فعليًا وهكذا تم تحقيق الحلم اليهودي الذي كانوا يحلمون به منذ قرون، والآن تستمر “إسرائيل” بخطتها التالية وهي توسيع دولتها.

وفي هذا الصدد، فإن إحدى مقالات الشيخ مودي رحمه الله “وهي المرحلة الأخيرة من المشروع اليهودي الذي كتبه في كتابه: اليهودية في ضوء القرآن: فإنه كتب في هذا الكتاب الشهير: الآن، في الواقع، ما يواجهه العالم الإسلامي في الماضي القريب هو الخطة الرابعة والأخيرة لليهود، والتي كانوا يتوقون إليها ويتمنونها منذ ألفي عام، والتي كانوا يعملون من أجلها وفقًا لمخطط منتظم ومربوط منذ مدة 90 عامًا.

هناك نوعان من المكونات الرئيسية لهذا المشروع. إحداها أنه يجب هدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة وإعادة بناء معبد سليماني، لأنه لا يمكن بناؤه دون هدم هذين المكانين المقدسين. والثاني هو احتلال كامل الأراضي التي تعتبرها “إسرائيل” تراثًا لها. أريد من جميع المسلمين أن يفهموا هذين المكونين والجزأين من هذه الخطة.

أما بالنسبة للمكون / الجزء الأول، فقد أصبحت “إسرائيل” قادرة على تطبيقه عندما احتلت القدس (1967). لكن لم تكن بإنجازه فعلياً بسببين، كان متأملاً في هذا العمل حتى الآن. أحد الأسباب هو أنه هو وكل من والاها، خاصة الولايات المتحدة، يخشيان برد فعل عنيف من العالم الإسلامي والذي قد انتهى الآن كما أظن.

الجزء الثاني من خطتها هو الاستيلاء على “أرض التراث”. ما هو هذا التراث؟ فهي مكتوبة على جبين مبني البرلمان “الإسرائيلي” وهي عبارة “يا إسرائيل حدودك تمتد من النيل إلى الفرات”.

 “إسرائيل” هي الدولة الوحيدة في العالم التي أعلنت صراحة عن نيتها احتلال أراضي الدول الأخرى على مبنى برلمانها ولم يعرب أي بلد آخر علانية عن عدوانها بهذه الطريقة. وتفاصيل هذه الخطة واردة في الخريطة التي نشرتها الحركة الصهيونية. وتشمل المناطق التي تريد “إسرائيل” احتلالها مصر وكامل الأردن وسوريا ولبنان ومعظم علاقة العراق والمنطقة الجنوبية لتركيا وتسمع بكل دقة بأن كامل المنطقة العليا من الحجاز حتى المدينة المنورة تقع في خريطتها ولو يبقي العالم العربي ضعيفا كما هو اليوم، حتى كان رد فعل العالم الإسلامي بإذن الله على حريق المسجد الأقصى في عام 1969 لم تأثر ولم تكن أكثر فاعلية، فعندئذ سنضطر إلى المواجهة.

كما أنكم ترون، بأن اليهود وضعوا هدفاً وخططوا له وابتكروا استراتيجية ونفّذوا جزءاً كبيراً من خطتهم بنجاح، ولكننا على النقيض، فقد ارتكبت القيادة العربية الأخطاء في جميع خطواتها مراراً وتكراراً. جمال عبد الناصر والذي كان يدَعي بنفسه في ذلك الوقت أنه زعيم الوطن العربي كله، ورفع هتافات بأننا أبناء الفراعنة ووراء ستار هذه القومية العربية، تواصل القوى الغربية واليهودية العمل بكامل قوتها وصلاحيتها. فانظر إلى تاريخ ما يقرب من 80 عامًا منذ أن بدأت قضية فلسطين، سترى وتجد أخطاء في أخطائنا في كل مكان وخطة “إسرائيل” الأخرى هي الاستعمار الاقتصادي، ومن هذا المنطلق فهي لا تريد السلام في المنطقة ولن تكتفي بأراضيها أبداً.

من ناحية أخرى، إلى جانب القادة الدينية والزعماء الإسلاميين دائماً اعتبروها بأنها مشكلة المسلمين، وعرضوها من وجهة نظر إسلامية، وقالوا إن الحل الوحيد هو الوقوف ضد الظلم والعدوان وطرده بكل قوة. هناك عدد كثير من القادة لا يمكن إحصائه حيث يمكنك تسميتهم، ولكن لا أذكرهم هنا لما تقتضيه المصلحة. وكما اعتبرت الحركات الإسلامية في شبه القارة الهندية الباكستانية أنها قضية إسلامية بحتة، وقد حذر المفكر الإسلامي الشيخ المودودي العالم الإسلامي مرارًا وتكرارًا من الخطر الوشيك والمتوقع من قبل اليهود، عبر كتابه الشهير عن مأساة المسجد الأقصى حيث ذكر فيه أن أي اتفاق سلام مع “إسرائيل” لن يكون شرعياً. لأنه سيكون بمثابة الاعتراف بحق المغتصب في اغتصابه، وهو ضد كل التعاليم الإلهية والسماوية.

التأييد الغيبي

اليوم هناك ضجة في كل مكان للدعاء أن يوفق ويمد الله عن طريق الغيب حتى نالت “إسرائيل” الهزيمة وأهلك الله اليهود. ويقوم المسلمون بالدعاء في المسجد الحرام وجميع المساجد في جميع أنحاء الجزيرة العربية علماً بأن العون الغيبي لم يأت أثناء هزيمة المسلمين في إسبانيا، ولم تأت المساعدة الغيبية لإنقاذ الخلافة العثمانية، ولم تأت وقت قيام دولة “إسرائيلية”، ولم تأت لما تتعرض الكعبة للهجوم في عام 1979 ، لم يأت التأئيد الإلهي الغيبي وقت انهدام المسجد البابري ولا في مشكلة العراق ولا سوريا ولا في مجزرة المسلمين في ميانمار ولا في  غجرات، مع ذلك حتى الآن لا يزال صوت المساعدة الغيبية؟

جاءت المساعدة الغيبية قبل ولادة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن للناس في ذلك الوقت أي أسوة عملية للنبي. ثم جاءت المساعدة الغيبية في معركة بدر عندما استقام 313 صحابة مقابل 1000 مشركين من القريش. جاءت المساعدة الإلهية في غزوة الخندق عندما قام النبي صلى الله عليه وسلم بربط الحجرين على بطنه في تلك المعركة وشارك في حفر الخندق بنفسه، وجاءت المساعدة الغيبية في أفغانستان عندما قاتل المسلمون مع الأعداء مع أنهم جوعى وعطشى ومحرومين من البضائع والأسباب الظاهرية.

هل نبقى مكتوفي الأيدي ونتجول في سيارات لامعة وننتظر مساعدة إلهية؟ وهل نحن راضون عن نظام الطاغوت وننتظر مساعدة غيبية؟ الله أكبر هيهات هيهات! لا يأت التأييد الإلهي أبداً لا يأت إذا كنا في نفس الحالة. لدينا حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأسوته القيمة، فلماذا لا نتبعها. بلى كيف نتبع خطوات النبي صلى الله عليه وسلم لأننا نحب الدنيا ونكره الموت ولذلك الدعاء وفقط الدعاء لمن؟ لا بد للذين ليس لديهم حكومات. ولكن أولئك الذين لديهم حكومات هم يطالبون أيضًا للدعاء؟ أولئك الذين لديهم قوة عسكرية وسلاح وبعد كل هذا يعتمدون على الدعاء فقط.

فاتركوا الفلسطينيين على حالهم ومصيرهم الحالي، فهم يستشهدون كل يوم ويفلحون وينجحون عند الله وإنهم يسجَلون تاريخًا جديدًا كل يوم ضد الاضطهاد والعدوان وإنهم يعرضون أنفسهم كل يوم للسجن والحبس ولكنهم لا يسمحون أبدًا للوهن (حب الدنيا وكراهية الموت) للتغلب عليهم ولكن نعم، مؤرخ اليوم يكتب بالوضوح والتأكيد بأن هناك أكثر من 50 دولة تدَعي نفسها دولًا إسلامية وعلى الرغم من ذلك، فإن “إسرائيل” تبتلع فلسطين بقوة كبيرة. يتذكر مؤرخ اليوم هذا الطاغية على الرغم من ملايين شروره التي قام بهجوم شديد على حكومة راجا داهر تلبية بنداء امرأة مسلمة وحتى قام بهز حكومته واقلعها. اليوم يتذكر المؤرخ أيضًا الخليفة المعتصم بالله خليفة يحب دائماً العيش والعافية ولكن لبى نداء امرأة مسلمة لمساعدتها راكباً على خيوله.

في هذا الوقت المؤسف، أني لأرى المشهد الذي تقوم فيه “إسرائيل” بدمار كل الدول الإسلامية واحدة تلو الأخرى، وستبقى الحكومات الإسلامية صامتة كما هو اليوم رحم الله على حالنا وضعفنا.

أتمنى أن يرى المؤرخ في ذلك الوقت الضعف أملا في هذا الضباب ونورا في هذه الظلمات يا ليت بعض الأبطال الذين تناثر شعرهم ولكن وجوههم منوَرة بالإيمان والذين ملابسهم متلوثة ولكن أسلوبهم حتى يرتجف الأعداء وأسلحتهم فاسدة وقديمة لكن إيمانهم حتى اهتزت الجبال. هؤلاء هم الذين تذكر أوصافهم في سورة المؤمنون وهؤلاء هم الذين يذكر فيهم في سورة المدثر. هؤلاء كمثل الصقر، هم الذين يقاتلون كأنهم بنيان مرصوص ولكنهم رحماء بينهم وإشداء على الصهاينة وكالحديد في القوى. أتمنى أن يخلق الرب هؤلاء الصقور.

مؤرخ اليوم يمسك بقلمه متوقعا ومنتظراً بأنه إذا جاء هؤلاء الناس، فسأكمل كتابتي، وإلا لو أكتب تاريخ مسلمي اليوم، فعندها يمكن ستشعر الأجيال القادمة بالخجل من ذكر اسم أسلافهم.

فنحن في الوقت الحالي نقوم بدعاء في حق الفلسطينيين، ولو نقوم باتخاذ القرار الحاسم والشجيع، فيمكننا إلحاق الضرر بهم اقتصاديًا من خلال مقاطعة المنتجات “الإسرائيلية” والأمريكية، هل توجد منتجات بديلة للمنتجات “إسرائيلية” والأمريكية هذا سؤال وكلام لا جدوى له فعلينا أن نتحكم في فمنا وبطننا.

وفقنا الله في مواجهة الظلم والعدوان وهو المولى الوحيد ونعم المولي ونعم النصير!

 

Exit mobile version