لماذا سمح الله بهذا؟!

تعرضت لهذا السؤال عندما كنت في الخارج وفي تونس، وتذكرت في توارد خواطر في ظل انتشار فيروس كورونا ووفاة الكثير من الأقرباء والأصدقاء ممن تركوا أسرا فقيرة.. وكيف ضل الكثيرون بهذا السؤال وكفر آخرون وفارقوا الحياة دون العثور على جواب!

وقد حفلت كتب التراث وكتب الأقدمين بالعديد من الأمثلة كقصة موسى والخضر في سورة “الكهف”، أو ذلك الرضيع الذي بقي وحده في عرض البحر، بعد قبض روح أمه وهو يرضع ثم أصبح ملكاً يريد جنة على وجه الأرض فقبضت روحه وهو يهم بدخولها بعد تمامها.

لماذا سمح الله بهذا؟!

بعضهم رأى مشهد قط أو كلب يفرم تحت عجلات سكك الحديد، أو سيارة أو ما شابه، أو راعه أفعال بعض عناصر الاستخبارات وبعض المحسوبين على الأمنيين في بعض الدول ممن اغتصبوا الأطفال وكرروا جرائمهم، أو أفعال الإرهابيين كما تتناقله وسائل الإعلام.

ومن ذلك، لماذا سمح الله لستالين، وهوشي منه، وسلوبودان ميلوسوفيتش، والجنرال راتكو ملاديتش، والجنرال بن علي، والجنرال وغير الجنرال، ومن كان قبله، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟! وقائمة المجرمين تطول وتطول، والأسئلة لا تكف عن الاستفزاز.

اختلاف المقاييس

لقد غاب عن هؤلاء جميعاً أن مقاييس الله سبحانه وتعالى تختلف عن مقاييسنا، فلو سألنا أي شخص غير ملم بالأحكام أيهما أشد إثماً، الزنا أو الربا؛ لأجاب على الفور الزنا، ولكن مقاييس الله مختلفة؛ “الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا، أَيْسَرُهَا: مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا: عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ” (رواه الحاكم في “المستدرك على الصحيحين” (2/ 43) من حديث ابن مسعود)، ورواه ابن أبي شيبة في “المصنف” (6/561) من حديث أبي هريرة، بلفظ: “الرِّبَا سَبْعُونَ حَوْبًا، أَيْسَرُهَا نِكَاحُ الرَّجُلِ أُمَّهُ، وَأَرْبَى الرِّبَا: اسْتِطَالَةُ الرَّجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ”، ورواه الإمام أحمد في “المسند” (36/288) من حديث عبد الله بن حنظلة، بلفظ: “دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ، أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً”.

وهذا الحديث مشهور ومتداول بين الخطباء والوعاظ وطلبة العلم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة، ومن العلماء من حسن أو صحح بعض طرقه أو صححه بمجموعها.

فإذا استحضر المؤمن حقيقة اختلاف المقاييس بين الخالق والمخلوق عنّى له فهم أن الزمن الإلهي غير الزمن البشري، بل إن الزمن في الكواكب يختلف من مكان إلى مكان، إنها مجرد تسجيل لأجر أو لإثم مهما رآه الإنسان طويلاً أو بعيداً أو كبيراً.

سرعة الزمن

واختلاف الزمن دليل آخر على اختلاف المقاييس، (وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) (الحج: 47)، فكم مقدار الزمن عند حدوث الشيء الذي سمح به الله وغاض البعض أو أثار انزعاجهم في يوم من أيام الله، فضلاً عن الدهر كله؟

فالإنسان لا يلاحظ سرعة الزمن الإلهي ويقيسه بمقاييسه الموضوعية لديه، ولو أحال ما جرى ويجري على مقاييس الله لما وقع في الزلل.

وهم لا يفتنون!

كما إن استحضار أن الأصل في الحياة الابتلاء، وأن هناك جزاء على ذلك الفعل الشنيع الذي تعرض له الضحية، سواء عند تمكن قاضي الأرض من إنصافه، أو أبى الله أن يكون الوحيد القاضي في تلك المسألة عندما يقول: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) (غافر: 16)، ففي حديث طويل أخرجه الطبراني في الكبير من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة في الدين فلا تأخذوه، ولستم بتاركيه يمنعكم الفقر والحاجة، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم”، قالوا: يا رسول الله، كيف نصنع؟ قال: “كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله”. 

الخلاصة

الحياة قصيرة جداً، مقاييس الله مختلفة، الأصل في الحياة الابتلاء، قصة موسى مع الخضر تعلمنا اختلاف المقاييس، ولماذا سمح الله بموت قطة تحت عجلات السكك الحديد، أو رضي بفعل شنيع لمستبد ضد عبد من عباده سواء كانوا أطفالًا أو كبارا، أو تعرض شعب للقصف وحتى الإبادة؟ فجزاؤه للمعتدي والمعتدى عليه صفة من صفات الله “العدل”، وفي ذلك تفاصيل كثيرة وشُعب لا يتسع لها المقام.

Exit mobile version