المسألة الفلسطينية تفضح تناقضات العالم؟

تراجعت النمسا عن فضيحة رفع أعلام “إسرائيل” بعد انتقادات حول مجافاة هذا الموقف لمبادئ السياسة العالمية، ومن دون أن تصرّح لماذا فعلت ذلك!

أما ألمانيا التي أعلنت كذلك تضامنها مع «حق “إسرائيل” في الدفاع عن النفس» واتصلت زعيمتها أنغيلا ميركل برئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، فقد قرّرت، لإعادة موازنة الموقف، أن تبتعث وزير خارجيتها هايكو ماس لمقابلة المسؤولين “الإسرائيليين” والفلسطينيين.

وقائع كلّها تعني أن “إسرائيل” لم تعد تسحب من رصيد عالميّ لا يفرغ وأن التواطؤ مع الجرائم ضد الإنسانيّة مكلف سياسياً وأخلاقياً

فرنسا، التي كانت الدولة الأوروبية الكبرى الوحيدة التي منعت مظاهرات تأييد الفلسطينيين فقد قدّمت اقتراحاً، بالتنسيق مع مصر والأردن، لشركائها في مجلس الأمن الدولي لمشروع قرار يدعو لوقف إطلاق النار.

وتحدث رئيسها إيمانويل ماكرون مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي، والتونسي قيس سعيد، الذي تشغل بلاده حالياً مقعداً في مجلس الأمن، وطلب رئيس وزرائها، جان كاستكس، من “إسرائيل” «ضمان الوصول السريع وبدون عوائق للمساعدات إلى غزة».

أما الولايات المتحدة الأمريكية، التي منعت 3 مرات إصدار قرار لمجلس الأمن يدعو لوقف إطلاق النار، واتصل رئيسها جو بايدن عدة مرات مع نتنياهو منذ العدوان على غزة، فطالب رئيس الوزراء “الإسرائيلي” في اتصاله الرابع بأنه «يتوقع تهدئة كبيرة اليوم (أمس) في سبيل التوصل لوقف إطلاق النار».

ألمانيا أعلنت كذلك تضامنها مع «حق “إسرائيل” في الدفاع عن النفس» واتصلت ميركل بنتنياهو

امتدّ مسلسل التناقضات فيما يخصّ العدوان الصهيوني إلى البلاد العربية طبعاً، فقد عبّرت أغلب هذه الدول، صدقاً أو نفاقاً، عن تضامنها مع الفلسطينيين.

وكان لافتاً في هذا السياق إعلان الرئيس المصري عن تخصيص نصف مليار دولار لدعم إعادة إعمار البنية التحتية لقطاع غزة، لكن المواقف الرسميّة العربية لم تمنع انكشاف «خط الزلازل» الكبير في الموقف من قضية فلسطين بين الشعوب والحكام.

فما أن بدأ تفاعل الشعوب العربية التضامني مع أهالي القدس وغزة والفلسطينيين عموماً، حتى دبّ الرعب، على ما يظهر، في قلوب المسؤولين العرب، حتى تمّ منع المظاهرات والفعاليات التضامنية.

جاء تراجع بعض الحكومات الأوروبية عن الانحياز الفاضح لـ”إسرائيل” لأسباب عديدة، منها تزايد عدد الضحايا المدنيين الفلسطينيين، ومشاهد القصف المروّع لغزة، وتنامي الإحساس بالغضب لدى مواطنيها، وخصوصاً من أصول عربية وإسلامية.

النمسا تراجعت عن فضيحة رفع أعلام “إسرائيل” بعد انتقادات حول مجافاة هذا الموقف لمبادئ السياسة العالمية ودون أن تصرّح لماذا فعلت ذلك

فحتى لو كانت نخب السياسة الحاكمة في تلك البلدان الأوروبية تساوي ضمناً بين حركة «حماس» وسكان القطاع، فأين ستجد المسوّغ السياسي (ودعك من المسوّغ الأخلاقي) لقتل مئات المدنيين وأغلبهم من النساء والأطفال، وما هي مصلحتها في التغطية على جرائم الحرب الصهيونية (والمشاركة فيها عملياً)؟

من الصعب أن يرفض الفلسطينيون، باختلاف اتجاهاتهم السياسية، مبادرات أوروبا لوقف إطلاق النار، وإصدار قرار عن مجلس الأمن، ولا يمانعون بالتأكيد إعلاناً مصريّاً عن التبرّع لغزة بـ500 مليون دولار، ووساطات فرنسية – مصريّة – أردنية.

ومع معرفتهم بأن الولايات المتحدة منعت عدّة مرّات إصدار قرار أممي، وأقرّت صفقة أسلحة جديدة لـ”إسرائيل”، فإنهم يتلقون بسرور أخباراً من نوع مخاطبة جو بايدن لرشيدة طليب، أو انتقادات إلهان عمر الجريئة للمواقف الأمريكية المنحازة لـ”إسرائيل”.

و جمع ممثل مثل مارك رافالو لتواقيع تطالب بعقوبات على “إسرائيل”، فهذه الوقائع كلّها تعني أن “إسرائيل” لم تعد تسحب من رصيد عالميّ لا يفرغ، وأن التواطؤ مع الجرائم ضد الإنسانيّة مكلف سياسياً وأخلاقياً.

Exit mobile version