الصدقة من مال الصبي على أهل فلسطين

شاع في بعض الأوساط العلمية القول بمنع الصبيان من التصدق من مالهم، ولو كانت الصدقة على أهل فلسطين والمسجد الأقصى، وهو قول له مستند من اجتهاد الفقهاء بعيدا عن قضية فلسطين أو غيرها، والأصل في الحكم الشرعي أن يكون بعيدا عن العواطف والمشاعر، لأن الحكم الشرعي يبنى على الدليل، لا العاطفة والعقل.

والقول ببطلان صدقة الصبي سواء منه أو من وليه، مبنية على تصور حصول الضرر الواقع على الصبية واحترام ماله، وعدم إيقاع الضرر به، فإن تصدق الصبي من ماله؛ كان باطلا، ولا يجوز له ولو أذن له وليه.

كما أن الفقهاء يعتبرون الصبي من المحجور عليهم، والمحجور عليه لا يصح تصرفه، ولأنه ليس من أهل التصرف.

وفي مجلة الأحكام العدلية: ” فالصدقة والقرض وأمثالهما من التصرف، وإن كان فيه نفع أخروي، فليست بصحيحة؛ لما فيها من ضرر دنيوي”.

وفي( المغني لابن قدامة 5/ 51 ط مكتبة القاهرة ):” فأما الهبة من الصبي لغيره، فلا تصح، سواء أذن فيها الولي أو لم يأذن؛ لأنه محجور عليه لحظ نفسه، فلم يصح تبرعه”.

على أن أغلب الفقهاء حين يصدرون الفتوى في هذا الأمر يقدمونها كأنها رأي واحد مجمع عليه، والحق أن المسألة خلافية بين الفقهاء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالمسألة تحتاج إلى نقاش وتحليل.

المنع اجتهاد عقلي:

أول ما يلاحظ أن الفقهاء لم يستندوا إلى نص من القرآن أو السنة في المسألة، ولا من أدلة المنقول، بل كل ما ذكروه أدلة عقلية؛ قائمة على دفع الضرر عن الصبي في ماله، وتحقيق المصلحة المالية للصبي، باستثناء حديث: ” رفع القلم عن ثلاثة”، وهو ليس محل المسألة.

خلاف الفقهاء في التصرف المالي للصبي:

التصرف المالي من الصبي ليس ممنوعا في الجملة، بل المسألة محل خلاف بين الفقهاء، كما في حال الوصية، والوصية لا شك أنها أكبر من الصدقة، والحال كذلك في دفع الزكاة للصبي حتى يدفعها للفقير، وغير ذلك.

جاء في ( المنثور للزركشي 2 / 301 ط الشؤن الإسلامية بالكويت ):” لو دفع الزكاة إلى الصبي ليدفعها إلى المستحق، وعين المدفوع له؛ جاز، بخلاف ما إذا لم يعين، قاله البغوي في فتاويه، وقياسه في الحقوق المعينة من الديون والوصايا كذلك”.

وقد أجاز بعض الفقهاء صدقة الصبي إن أذن له وليه، كما عند بعض الحنابلة،

جاء في الإنصاف من كتب الحنابلة: ” المحجور عليه لحظِّه، وهو الصبيّ والمجنون والسفيه فلا يصح تصدقهم قبل الإذن، وهذا المذهب في الجملة وعليه الأصحاب”.

وجاء في فتاوى الشبكة الإسلامية، جوابا على سؤال حول هبة الصبي: ” وننبه إلى أن عدم صحة هبة الصبي تكون فيما إذا وهب الطفل ماله، أما لو أحضر الصبي لأحدٍ هدية وقال له: أرسلني أبي بهذه إليك صحت ما لم يقع في قلب الموهوب له أن هذا الصبي كاذب.

آثار السلف في جواز تصرف الصبي المالي:

 وقد وردت كثير من الآثار يفهم منها صحة التصرف المالي من الصبي، حكاها ابن حزم في المحلى بالآثار (8/ 375- 376)، رغم أنه لا يجيزها.

ومن ذلك:

ما ورد أن عمر بن الخطاب أجاز لها وصية غلام لم يحتلم ببئر جشم، قال عمرو بن سليم: فبعتها أنا بثلاثين ألف درهم.

ومن طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن ابن مسعود: أنه أجاز وصية الصبي، وقال: من أصاب الحق أجزنا، وروي – ولم يصح – عن أبان بن عثمان: أنه أجاز وصية جارية بنت تسع سنين بالثلث.

وعن جابر الجعفي عن الشعبي: من أصاب الحق – من صغير أو كبير – أجزنا وصيته.

وعن ابن سمعان عن الزهري: إذا عرف الصلاة جازت وصيته وإن لم يحتلم – الغلام والجارية سواء.

وصح عن شريح، وعبد الله بن عتبة بن مسعود، وإبراهيم النخعي: إجازة وصية الصغيرين إذا أصابا الحق. وقال الليث بن سعد كقول الزهري.

وأجاز مالك وصية من بلغ تسع سنين فصاعدا.

وقول آخر – صح عن عمر بن عبد العزيز: أن من لم يبلغ الحلم فإن وصيته تجوز في قرب الثلث، ولا نرى أن تبلغ الثلث.

وقول ثالث: قال القاضي عبيد الله بن الحسن العنبري: وهو أنه إذا بلغ الصغيران سنا من وسط ما يحتلم له الغلمان: جازت وصيتهما.

وقول رابع: وهو أن وصية من لم يحتلم لا تجوز، وكذلك المرأة ما لم تحتلم أو تحض .. عن عطاء عن ابن عباس: لا تجوز وصية الغلام حتى يحتلم – وصح هذا عن الحسن البصري، وإبراهيم النخعي أيضا – وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان، وأصحابهم. انتهى

وغالب الفقهاء يحتجون بحديث:” رفع القلم عن ثلاثة.. والصبي حتى يحتلم”.

وهذا الحديث في الوجوب، وليس في الاستحباب أو الجواز، ولم يقل أحد: إن صدقة الصبي واجبة؛ حتى يحتج بهذا الحديث.

ثم إن القاعدة العامة، هي أن كل طاعة من الصبي الذي لم يبلغ تصح منه ويثاب عليها، ولكنها ليست واجبة، كما لو صلى، فليست الصلاة واجبة عليه، لكنه يثاب عليها، ولو حج أو اعتمر؛ أثيب عليهما، وليس الحج أو العمرة بواجب عليه حتى يحتلم؛ لأنه ليس مكلفا، والتكليف يتعلق بالوجوب والحرمة.

الصبي مخاطب بفروع الشريعة:

وأما كون الصبي ليس مخاطبا بفروع الشريعة؛ فغير صحيح، لأن خطاب الله تعالى يتعلق بالوجوب والحرمة والكراهة والندب والجواز، وليس بالوجوب والحرمة وحدهما.

القياس على طاعات الصبي:

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى الأولياء بتدريب الأبناء على الطاعات، كالصلاة ونحوها، ومثلها الحجاب بالنسبة للفتاة التي لم تبلغ، فالتدريب على الزكاة في باب الصدقة؛ يكون من باب القياس.

وإذا كان بعض الفقهاء أجازوا الوصية من الصبي، حتى ثلث ماله، فإن الصدقة – غالبا- ما تكون أقل من الثلاثة؛ فهي بالجواز أولى.

الجهاد المالي للصبي:

هذا بشكل عام، ويزيد على ذلك تدريب الصبيان على الجهاد في سبيل الله تعالى، جهادا ماليا، فإنه من المحامد التي يجب أن نربي أبناءنا عليها، ونشجعهم على فعلها، سواء أكان من مالهم أو ندفع لهم من أموالنا، وإن كان الأولى أن يكون من أموالهم، حتى يتحقق معنى التدريب على الصدقة والزكاة والجهاد المالي في سبيل الله تعالى.

التصرف المالي للصبي في العرف:

على أن الهبة والصدقة مأذون بها عرفا، فقد يهب الصبي لصديق له لعبة لها قيمة، أو يهب له بعض أغراضه، وفرق بين أن نترك الصبي يهلك ماله، وبين أن ندربه على التدبير المالي والتدبر على إدارة بعض الشؤون المالية، ولو خسر.

ولا نجد في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم سندا قويا للتحريم، بل الأمر فيه سعة، خاصة إن كانت صدقة أو هبة الصبي فيها من المعاني التي يتربى عليها من العمل الصالح، فيما يتعلق بثواب الآخرة، أو حتى تدريبه على إدارة المال فيما يخص شؤون الدنيا.

Exit mobile version