دروس معركة “الأقصى”.. القدس هي البوصلة التي فضحت المطبعين

رغم هجوم جيش الاحتلال الجرار مرتين خلال يومين على المعتصمين والمصلين في المسجد الأقصى، والمتضامنين مع أهالي حي الشيخ جراح المطرودين من منازلهم ضمن مخطط التهويد، وإصابة 269 مصلياً، انهزمت قوات الاحتلال أمام صمود وصلابة أهل الرباط واستعدادهم للشهادة دفاعاً عن مقدساتهم.

تكبيرات عيد الفطر سمعها أهالي القدس وكافة العواصم العربية والعالمية مبكراً حين دخل المصلون المسجد الأقصى، يوم 26 رمضان بعد الاعتداء الأول عليهم، وهم يكبرون ويهللون “الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً”، رغم قنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي.

الاعتداءات على المصلين كانت مقصودة لإخلاء ساحة الأقصى منهم تمهيداً لدخول “جماعات الهيكل” الصهيونية للمسجد الأقصى وتدنيسه يوم 28 رمضان للاحتفال بذكرى الهيكل، والتمهيد أيضاً لإجلاء عشرات الفلسطينيين عن منازلهم في حي الشيخ جراح شرقي القدس.

أحداث القدس قد تسفر عن اندلاع حرب رابعة بين غزة والصهاينة

المستوطنون يستغلون مناسباتهم الدينية لأجل تكثيف اقتحامات الأقصى وتدنيس وتهويد هذا المكان المقدس، و”جماعات الهيكل” تُكثف دعواتها لتنظيم اقتحامات جماعية واسعة للمسجد الأقصى، ويقوم قطعانها بمسيرات يهودية يومية استفزازية في القدس استعداداً لهذا الاقتحام في ذكرى ما يسمى بـ”يوم توحيد القدس”.

الإستراتيجية الصهيونية تهدف من وراء هذه الاقتحامات لتطبيع وجودهم في المسجد حتى يصبح أمرًا طبيعيًا، في مسعى لاقتطاع جزء منه وبعدها تتوسع شيئًا فشيئًا، وصولًا إلى هدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه.

الجماعات الصهيونية المتطرفة قالت في دعوتها للاحتشاد في ساحة الأقصى يوم 28 رمضان، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعها المختلفة: “سنحتفل بمرور 54 عامًا على تحرير جبل الهيكل والعودة التاريخية لشعب “إسرائيل” في يوم القدس نصعد إلى الهيكل”.

28 منظمة وجمعية استيطانية، 21 منها مدعومة من أحزاب سياسية في الكنيست، والأخرى من اللوبي والجمعيات اليهودية حول العالم، أعلنت مشاركتها في مخطط وبرنامج إحياء ما يسمى “يوم القدس”.

شرطة الاحتلال كانت تُغلق برنامج الاقتحامات بالعشر الأواخر من رمضان في كل عام، لكنها خلال السنوات الأخيرة سمحت للمستوطنين بتنفيذ اقتحاماتهم عبر باب المغاربة، ما أدى لاندلاع مواجهات بين المصلين وقوات الاحتلال.

ولا يستبعد مدير المسجد الأقصى تراجع “منظمات الهيكل” عن دعواتها لاقتحام الأقصى أواخر رمضان، بعدما حدث في محيط باب العامود وانتصار المقدسيين في معركتهم ضد الاحتلال.

دروس المواجهة والصمود

غزة ظهرت كعادتها هي المنتصر بالفعل لا بالقول

ما جرى في الأقصى من اعتداء على المسجد وسعي لإخراج عائلات من بيوتها لصالح المستوطنين في حي الشيخ جراح أعاد قضية فلسطين للأضواء وفضح المطبعين العرب الذين احتالوا على الشعوب بدعاوى أن التطبيع هو لحماية الفلسطينيين ومنع ضم باقي أراضيهم للدولة الصهيونية.

ضاقت الأرض بالمطبعين الذين زعموا أن الفلسطينيين باعوا أرضهم وهم يرون النساء قبل الرجال يواجهن المحتل، وتواروا عن الأنظار وتركوا لجانهم الإلكترونية تهاجم أهالي القدس بدعاوى أن بينهم “إخواناً” يريدون تأجيج الصراع العربي الصهيوني!

فضحهم ركل جنود الاحتلال للمصلين بأقدامهم وهم على سجادة الصلاة، وتحطيم أبواب المصلي القبلي بالمسجد الأقصى، وإطلاق الرصاص المطاطي والغاز وقنابل الصوت في صحن المسجد، وصمود شباب القدس وهم يقفزون على جنود الاحتلال بأيديهم العارية للتصدي لعدوانهم.

رغم أن احتلال فلسطين بدأ عام 1948، وتوالت أجيال وراء أجيال، وسعى المطبعون العرب لفرض أمر واقع جديد بالاعتراف بـ”دولة إسرائيل”، قادت الأجيال الجديدة حملة التضامن مع أهلنا في الأرض المحتلة عبر مواقع التواصل.

دفع هذا الصهاينة للتحرك، ودفع مواقع التواصل الغربية للتواطؤ مع الاحتلال، فحظرت منصة “إنستجرام” هاشتاج “#الأقصى” ومنعت تداوله وتُوقف عدداً كبيراً من حسابات الناشطين الفلسطينيين بعدما بث الفلسطينيون عبرها مشاهد اقتحام المسجد، ما دفع النشطاء لمقاطعة بعضها أو إرسال رسائل احتجاج دفعت “إنستجرام” للاعتذار بدعاوى مشكلات فنية!

النشطاء الذين يبثون مباشرة على “إنستجرام” من خارج وداخل القدس تفوقوا على كل الإعلام العربي الذي لم يمنح القدس الحيز الذي تستحقه في نشراتهم

كل المليارات التي صرفها من سعوا لتمييع وقتل القضية الفلسطينية وغسيل عقول الأجيال على مدار سنوات على محطات تافهة تروج لبرامج مسابقات تافهة ذهبت سدى، وأثبتت فلسطين أنها لا تزال البوصلة في وجدان كل العرب والمسلمين وبكل اللهجات وكل اللغات.

“حماس” تسعى لتثبيت معادلة جديدة أمام “إسرائيل”

هذا هو الإرهاب الحقيقي

وسط ردود الفعل الرسمية العربية الباهتة، وغياب التصدي للممارسات الصهيونية، بزغ الأزهر كما أمل كثيرون للتصدي للاعتداءات والتأكيد أن هذا هو الإرهاب الحقيقي.

وقال شيخ الأزهر، في بيان: “إنَّ اقتحام ساحات المسجد الأقصى المبارك، وانتهاك حرمات الله بالاعتداء السافر على المصلين الآمِنين، ومن قَبلِها الاعتداء بالسلاح على التظاهرات السلمية بحي الشيخ جراح بالقدس وتهجير أهله؛ إرهابٌ صهيوني غاشم في ظل صمت عالمي مخزٍ”.

وشدد على أن الأزهر الشريف، علماء وطلاباً، ليتضامن كليًّا مع الشعب الفلسطيني المظلوم في وجه استبداد الكيان الصهيوني وطغيانه، داعيًا الله أن يحفظهم بحفظه، وينصرهم بنصره فهم أصحاب الحق والأرض والقضية العادلة.

وانتقدت دار الإفتاء المصرية “أهل الغدر الذين لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة، الذين استباحوا هذه الحرمات واقتحموا بيت الله ومسجده الأقصى ودنسوا قدسيته، وأرهبوا آمِّين الصلاة فيه، وأخرجوا الآمنين من بيوتهم، وشردوا ساكنيها”.

وكان محزناً انشغال الكثير من الجمعيات والتيارات السلفية في معركة “هل زكاة الفطر عينية أم مالية؟” وعدم التضامن مع القدس واقتحام المسجد الأقصى، بينما جاءت مواقف الاتحاد الأوربي والأحزاب المسيحية للتضامن مع أهالي القدس والتنديد بممارسات الصهاينة في المسجد الأقصى أكثر قوة.

غزة تنصر القدس

رغم ما هم فيه من بلاء كورونا وحصار خانق، ظهرت غزة كعادتها هي المنتصر بالفعل لا بالقول للقدس، وأصبح أهل القدس يرددون مقولات قادة “القسام” التي تهدد الاحتلال بالرد لو لم يتوقف الاعتداء على الأقصى وأهالي القدس.

وقرر الجيش “الإسرائيلي” رفع حالة التأهب والاستعداد لاحتمالات اندلاع تصعيد قريب، على خلفية تهديدات قائد “القسام” محمد الضيف، والأحداث الجارية بالشيخ جراح في مدينة القدس.

أحداث القدس قد تسفر عن اندلاع حرب رابعة بين غزة والصهاينة وتصعيد قريب مع بدء إطلاق بعض الصواريخ التحذيرية من غزة.

في أعقاب تهديدات قائد الذراع العسكري لحركة “حماس”، محمد الضيف، لـ”إسرائيل” بوقف العدوان على سكان الشيخ حراج بالقدس، قررت المنظومة الأمنية الصهيونية رفع حالة التأهب بالشرطة والجيش، والاستعداد لاحتمالات اندلاع موجة عمليات بالضفة، أو تجدد إطلاق الصواريخ من غزة.

في “إسرائيل” يعتبرون أن “حماس” أجلت الرد على تدخل “إسرائيل” وإلغاء الانتخابات بعدما قتل 45 صهيونياً في احتفال تلمودي، ولكن أمامها الآن فرصة جديدة للرد، بسبب القدس، وفي يوم القدس، ولذلك تشير التوقعات “الإسرائيلية” إلى اندلاع تصعيد جديد مع حركة “حماس” بغزة.

باحثون “إسرائيليون” يرون أن “حماس” تسعى لتثبيت معادلة جديدة أمام “إسرائيل”، وهي أنها سترد على أي قضية تخص السكان الفلسطينيين، سواء بالضفة أو القدس، وإنها تثق بقدراتها وجاهزيتها للرد على الأحداث في القدس وقد ترجمت ذلك عملياً قبل أيام بعد المظاهرات في باب العامود.

المشهد بالقدس ليس بعيداً عن أعين القيادة العسكرية لحركة “حماس”، فالهتافات المؤيدة لـ”حماس” تتردد في أرجاء المسجد، والمرابطون والمتظاهرون في “الأقصى” يطلبون من “القسام” ضرب تل أبيب، و”حماس” لن تتخلى عن سكان القدس.

Exit mobile version