هل تعتذر فرنسا عن جرائمها في الجزائر؟

أحيت الجزائر، أمس السبت، للمرة الأولى “اليوم الوطني للذاكرة”، تكريماً لضحايا جرائم فرنسا الدموية للتظاهرات المطالبة بالاستقلال في 8 مايو 1945، مجددة “تمسكها الشديد” بمطلب “اعتذار فرنسا عن جرائمها” إبان استعمارها للبلاد، خلال الفترة 1830-1962.

وشارك آلاف الأشخاص، في مسيرة بمدينة سطيف (شرق البلاد)، على المسار الذي سلكه، قبل 76 عاماً، متظاهرون، طالبوا باستقلال الجزائر.

وسار الحشد بقيادة عناصر من الكشافة إلى النصب التذكاري للراحل بوزيد سعال، الذي قُتل برصاص شرطي فرنسي عن عمر ناهز 22 عاماً، أثناء تظاهرة العام 1945، بعد رفضه إنزال العلم الجزائري من يده.

ووضع المشاركون إكليلاً من الزهور أسفل النصب التذكاري، بحضور مستشار الرئيس الجزائري لشؤون الذاكرة عبدالمجيد الشيخي.

ورشات ملفات الذاكرة

من جانبه، قال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في رسالة له بهذه المناسبة: إن “جودة العلاقات مع جمهورية فرنسا لن تأتي بدون مراعاة التاريخ ومعالجة ملفات الذاكرة، التي لا يمكن بأي حال أن يتم التنازل عنها مهما كانت المسوغات”.

ولفت تبون إلى أن ورشات ملفات الذاكرة مع فرنسا “ما زالت مفتوحة”، مشيراً إلى مواصلة استرجاع جماجم شهدائنا الأبرار، وملف المفقودين، واسترجاع الأرشيف، وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية.

وشدد الرئيس الجزائري على ضرورة معالجة هذه الملفات بـ”جدية ورصانة” من أجل توطيد العلاقات بين الجزائر وفرنسا على أسس صلبة.

وأردف يقول: “إذا كان النظر إلى المستقبل الواعد يعتبر الحلقة الأهم في توطيد وتثمين أواصر العلاقة بين الأمم، فإن هذا المستقبل يجب أن يكون أساسه صلباً خالياً من أي شوائب”.

كما أبرز تصميم الجزائر الدائم على تجاوز كل العقبات وتذليل كل الصعوبات نحو مستقبل أفضل، وتعزيز الشراكة الاستثنائية، لترتقي علاقاتها إلى المستوى الإستراتيجي إذا ما تهيأت الظروف الملائمة لذلك.

ونوه تبون إلى أن الشعبين الجزائري والفرنسي “يتطلعان إلى تحقيق قفزة نوعية نحو مستقبل أفضل تسوده الثقة والتفاهم، ويعود بالفائدة عليهما في إطار الاحترام المتبادل والتكافؤ الذي تُحفظ فيه مصالح البلدين”.

موقف مبدئي

من جهته، أكد وزير الاتصال (الإعلام) الجزائري الناطق باسم الحكومة عمار بلحيمر، في رسالة بتلك المناسبة، تمسك الجزائر “بمطلب التسوية الشاملة لملف الذاكرة، القائمة على اعتراف فرنسا النهائي والشامل بجرائمها في حق الشعب الجزائري وتقديم الاعتذار والتعويضات العادلة عنها”، مشدداً على أن ذلك “موقف مبدئي”.

كما تضمنت الرسالة تأكيداً على أن التسوية تشمل أيضاً “التكفل بمخلفات التفجيرات النووية، بما فيها الكشف عن خرائط مواقع النفايات الناتجة عن هذه التفجيرات”.

وأشار بلحيمر إلى أن اليوم الوطني للذاكرة اختير له شعار “الذاكرة تأبى النسيان”، وهو يلخص “موقف الجزائر الثابت في مطالبة فرنسا بتحمل مسؤولياتها كاملة عن الجرائم التي خلفت ملايين الضحايا طيلة قرن و32 سنة من الاستعمار”.

وأقر تبون عام 2020 “اليوم الوطني للذاكرة”، المصادف للذكرى 76 لمجازر 8 مايو 1945؛ حيث قمعت فرنسا حينها تظاهرات مطالبة باستقلال الجزائر شرقي البلاد، ما خلّف آلاف الضحايا.

وهذه هي المرة الأولى التي تحيي فيها الجزائر هذه المناسبة.

والشهر الماضي، طلبت الجزائر من فرنسا خرائط لأماكن التجارب النووية، التي أجريت بصحراء بلادها في ستينيات القرن الماضي، لتطهير المنطقة من الإشعاعات.

وأجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، في منطقة رقان ثم عين إيكر، وهذه القضية من بين أكثر الملفات الخلافية بين الجزائر وباريس.

دعوى قضائية ضد فرنسا

وقبل أيام، أعلنت جمعية 8 مايو 1945 (غير حكومية)، عزمها رفع دعوى قضائية ضد فرنسا، أمام الهيئات الدولية بتهمة “ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.

وبلغ عدد قتلى المجازر الفرنسية بحق التظاهرات، التي وقعت في مايو 1945 بمناطق سطيف وقالمة وخراطة (شرقي البلاد)، 45 ألف شخص، وفق تقديرات جزائرية رسمية.

وفي عام 2012، اعتُرف بقيام فرنسا بهذه المجازر للمرة الأولى من الرئيس السابق فرانسوا أولاند، خلال زيارته للجزائر، وملف الذاكرة هو في صلب العلاقات الجزائرية الفرنسية التي تشهد أحياناً كثيرة توتراً، فهل تعتذر فرنسا عن جرائمها في الجزائر؟

Exit mobile version