في كنف رحمة الله تعالى

الرحمة من صفات الله تعالى كما هو معلوم، والله تعالى له رحمة عامة تشمل كل الخلائق، وهناك رحمة خاصة لعباده المؤمنين.

أما العامة فهي ظاهرة في قوله سبحانه وتعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (الأعراف: 156)، ورحمته الخاصة للمؤمنين بيَّنها تعالى بقوله: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (الأحزاب: 43).

الرحمة كما هو معلوم رقة تقتضي الإحسان إلى المعنيّ بالرحمة من الرحمن الرحيم، وقد بيَّن الله تعالى لنا كيف يكون العبد في كنف رحمته جل وعلا، ليستلم العبد بإذن الله تعالى وثيقة الرحمة من الرحمن الرحيم، ولقد ذكر هذه الوسائل كثيراً في كتابه العظيم وفي عدة مواقع منه وتكاد لا تحصى.

من هذه الأسباب التي تجعل العبد في كنف رحمة الله تعالى الإصلاح بين الإخوة المسلمين، ولا شك الإصلاح بين الأرحام وذات البين، يقول تعالى مبيناً ذلك: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات: 10).

نلاحظ أن الله تعالى جمع في هذه الآية الكريمة سببين يهيئان العبد لاستلام وثيقته “رحمة الله تعالى”، ذكر التقوى، وذكر الإصلاح بين المسلمين.

فلذلك تقوى الله تعالى هي من الوسائل التي تهيئ العبد ليكون جديراً باستلام وثيقة تقول: “إنك في كنف رحمة ربك”.

ويقول الله تعالى مؤكداً ذلك في مواقع عديدة في كتابه العظيم؛ يقول تعالى: (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام: 155).

والتقوى محورها الخوف من الآخرة وكل ما فيها من أهوال، والحذر كل الحذر من فتن الدنيا، والسعي في اتقاء كل ما يغضب الله تعالى، والسعي ما استطاع العبد في كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى، والأمور كثيرة لتجعل الإنسان تحت رحمة الله وكنفه وعفوه ورضاه؛ حسن الخلق، الإصلاح بين الناس، سماع القرآن، الصدقة، الابتسامة وطلاقة الوجه.. إلخ، ما أكثرها! وما أسهلها! وهنيئاً لمن تغمده الله سبحانه وتعالى في رحمته ومن ثم كان يستحق هذه الوثيقة الرائعة “رحمة الله تعالى”.

هي أسباب سهلة ويسيرة جداً تعمل بها فتنال رحمة الرحمن الرحيم دنيا وآخرة، وإضافة إلى ما ذكرناه منها؛ رحمة العبد في مخلوقات الله تعالى بشراً كانوا أو غير ذلك من مخلوقات الله تعالى، فالرحمة أطلقها الله تعالى، أن العامل بها مرحوم وإن كانت رحمته أصابت بشراً أو حيواناً أو غير ذلك وإطلاقها ظاهر وبيّن في قوله صلى الله عليه وسلم: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.

ومن أعظم أسباب استلام وثيقة “الرحمة” الجهاد في سبيل الله تعالى، والجهاد هنا لم يكن المعنيّ به الجهاد الصلب والقتال ومواجهة العدو في ساحات القتال والسلاح، ولكن المعنيّ بها مواجهة كل الأعداء “النفس الأمارة بالسوء، الجهل، جهاد الشيطان بالطاعات لله تعالى، جهاد النفس في مقاومة مغريات المعاصي، والتوجه بالدعاء لله تعالى، ولا شك مواجهة العدو في ساحات القتال.. إلخ”.

السبل والطرق والمحاور كثيرة وسهلة وكأنها فصّلت للبشرية كل على حسب قدرته وقوته، فتنوعت، وهذا من عظيم رحمة الله تعالى في عباده وحبه لهم.

ربنا يا رحمن يا رحيم، وفقنا لذلك وكل من نحب، وآتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً، نسألك ربنا برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لنا وترحمنا إنك أنت الرحمن الرحيم العفو الغفور.

ووفقنا ربنا برحمتك يا أرحم الراحمين بالعمل بكتابك وسُنة نبيك عليه الصلاة والسلام، ووفقنا برحمتك بحسن الفرار منك إليك يا رحمن يا رحيم.

أختم في هذه الحادثة والمرأة التي التفتت لطفلتيها فالتفت لها جبار السماوات والأرض الرحمن الرحيم وكانت لها -طفلتاها- ستر من النار، كما قال الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم.

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ فأخبرته فقال: “من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار”.   

 

 

 

 

 

_______________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version