الكويت رمز نصرة القضية الفلسطينية ومناهضة “التطبيع”

باتت الأمور واضحة للعيان اليوم، فالهرولة إلى الكيان الصهيوني الغاصب لن تجني إلا الشوك، ولا تعدو كونها إعادة لتعريف العدو، وإخراج الكيان الاحتلالي منه، وحرف للصراع مع المحتل «الإسرائيلي» إلى الصراع مع عدو موهوم عربياً كان أو إسلامياً.

ونحن نتابع تطور خطوات التطبيع في المنطقة العربية عموماً وفي الخليج خصوصاً، نعتبر أن ما يجري خيانة واضحة لا لبس فيها للقضية الفلسطينية؛ القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية، وأن ثقتنا كانت وما زالت وستبقى بالإرادة الشعبية الحرة في رفض كل هذه الاتفاقيات التي لا تعبر عن حقيقة نبض الشعوب وتطلعاتها في التحرر من الاستعمار والعبودية والذل.

‏وإذا أردنا أن نطرح نموذجاً لنصرة القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع مع العدو «الإسرائيلي» كدولة ومؤسسات رسمية وأهلية، فإن النموذج الكويتي من أبرز هذه النماذج، فتاريخها المشرف ومواقفها الراسخة التي تأبى أن تتنكر لقيمها وثوابتها الأصيلة الداعمة للحق العربي الفلسطيني منذ اندلاع الصراع مع العصابات الصهيونية وعبر جميع المراحل، شاهد على ذلك.

وأكبر دليل على ذلك احتضان مقاومة الشعب الفلسطيني حين تأسيس كبريات حركاته على أرضها الطيبة كـ«فتح» و«حماس» وغيرهما؛ وذلك ينبع من أصالة الموقف الإنساني والقومي والديني للكويتيين، ومناهضة الكيان الصهيوني والتصدي لخطوات ومشاريع التطبيع معه، قد شكلت سمة أساسية في حراك قوى الشعب الكويتي وموقفها من طبيعة هذا الكيان الغاصب.

‏ويتأكد هذا الموقف النبيل والأصيل في تفاعل الأفراد والمؤسسات عبر وسائل عديدة يتخذونها ليعبروا عن ارتباطهم بالقضية الفلسطينية ودفاعهم عنها.

ففي الجانب التربوي، الذي كان متقدماً جداً؛ حيث يتبين به ارتباط الكويت والكويتيين بفلسطين في أول بعثة تعليمية في الكويت من المدرسين الفلسطينيين، حيث خاطب مجلس المعارف في أول تشكيل له بالكويت رئيس الهيئة العربية العليا الحاج أمين الحسيني في فلسطين، للمساعدة في إرسال مدرسين متخصصين ليساهموا في تطوير التعليم في الكويت، الذي كان مقتصراً على نظام الكتاتيب، وقد استجاب مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني لهذا الطلب، فتم تشكيل وفد مكون من أربعة معلمين عام 1936م (أحمد شهاب الدين، وخميس نجم، ومحمد المغربي، وجابر حسن حديد)، ولا نزال نذكر للمعلمين الفلسطينيين فضلهم علينا في تدريسنا وتعليمنا في شتى مراحل دراستنا.

خطوات التطبيع بالمنطقة العربية عموماً والخليج خصوصاً خيانة واضحة للقضية الفلسطينية

“بطولات” رياضية

أما الجانب الرياضي، فتجد المواقف المشرّفة من الرياضيين الكويتيين الذين رفضوا اللعب ضد أي رياضي من الكيان الصهيوني، معلنين انسحابهم، وهو بذاته موقف كل الاتحادات الرياضية الكويتية الرافضة بشكل قاطع الاعتراف بـما يسمى بـ«إسرائيل» ورياضييها.

ولا أتحدث عن بطولات عادية؛ بل أتحدث عن بطولات دولية، فعلى سبيل المثال لا الحصر: في عام 2012م انسحب اللاعب عوض الحربي من نصف نهائي بطولة رومانيا المفتوحة الدولية لتنس الطاولة للمعاقين رافضاً مواجهة منافسه من الكيان الصهيوني، وكذلك انسحب اللاعب الكويتي فهد البستكي من بطولة بيزا الدولية للمبارزة في إيطاليا، وانسحب اللاعب عبدالحميد محبوب من بطولة الفيتشرز العالمية، وأعلن كذلك لاعب ألعاب القوى صالح الحداد انسحابه من بطولة كأس فلندرز البلجيكي، كما رفض اللاعب عبدالعزيز الشطي مواجهة لاعب الكيان الصهيوني في بطولة العالم للمبارزة في سويسرا، وكذلك اللاعب عبدالله العنجري قرر الانسحاب من بطولة العالم في لعبة الجوجيتسو في أمريكا؛ رفضاً لنتائج القرعة التي وضعته في مواجهة لاعب من هذا الكيان الغاصب، وغيرهم الكثير.

هذه مواقف شباب الكويت الرافضة للتطبيع الرياضي، التي يسعى المحتل بمحاولة التقائه باللاعبين العرب لترسيخ تواجده عبر البطولات العالمية لتبدو المسألة طبيعية، ويروج لتقبل التعامل مع «الإسرائيليين»، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلاً.

أما في الجانب الثقافي، فإن الكويت تزخر بالندوات والمحاضرات والمؤتمرات والحلقات النقاشية التي تندد بالكيان الصهيوني، رافضة التطبيع معه، داعمة للحق الفلسطيني، وحق الأمة في الأرض المباركة، ويصعب حصر الضيوف من داخل دولة الكويت أو من خارجها الذين شاركوا في هذه الفعاليات على مدى سنوات عدة، حتى كانت الاستضافات والزيارات من أهلنا وأبطالنا في القدس وغزة والضفة للكويت للمشاركة في هذه الفعاليات، وأيضاً كان لطباعة الكتب والمنشورات التثقيفية والتعليمية النصيب الأكبر في نصرة القضية الفلسطينية، وإقامة الحملات الإعلامية والإعلانية في مختلف الوسائل كالتلفزيون والإذاعة والجرائد والمجلات ولوحات الشوارع وغيرها.

ومن الأمور المميزة التي قدمتها «رابطة شباب لأجل القدس العالمية»، ممثلة بفرعها بالكويت، «برنامج موسوعة الأقصى الإلكترونية ثلاثية الأبعاد»، وقد تكفلت «جمعية قوافل للإغاثة والتنمية» مشكورة بتمويله ودعمه ليكون متوافراً بشكل مجاني لكل العالم، وقد تجاوزت قيمته أكثر من 100 ألف دولار، ويتم تحميله من خلال كل المنصات الإلكترونية، وميزة هذا البرنامج التجول الحقيقي برسومات ثلاثية الأبعاد داخل المسجد الأقصى، متنقلاً بين قبة الصخرة إلى القبلي إلى المرواني وإلى المصاطب والمدارس وساحات المسجد الأقصى وغيرها، لينقلنا إلى مرحلة متقدمة من التعليم والتثقيف المقدسي متجاوزاً الطرق التقليدية للدورات المقدسية في تعليم شكل المسجد الأقصى وتاريخه.

وكذلك الجانب الشرعي، هو الآخر كان من ضمن الجوانب التي لها الدور المتقدم في مناهضة التطبيع ضد الكيان الصهيوني، فقد لوحظ في عام 2011م وما قبله حمى التطبيع قد بدأت تطال بعض الفعاليات في دول الخليج، فصدرت «فتوى بعدم جواز زيارة القدس والأراضي الفلسطينية ما دامت تحت ظل الاحتلال»، وهذه الفتوى من أعلى هيئة فتوى رسمية تابعة للحكومة الكويتية ممثلة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

وفي الجانب الإنساني والإغاثي والخيري، وهو الجانب المشرق والمضيء في مسيرة دولة الكويت بدعمها ومساندتها للقضية الفلسطينية، ولن نتمكن من حصرها وجمعها، ويكفي أن نعلم بأنه في عام 1932م استقبلت الكويت مفتي فلسطين رئيس الهيئة العربية العليا الحاج أمين الحسيني في إطار جولة عربية لجمع التبرعات لإعمار المسجد الأقصى.

ولا يخفى ما تقدمه الكويت من دعم مادي ومعنوي سواء كان رسمياً أو أهلياً، وفي هذا الإطار نذكر بأن أول مكتب للهلال الأحمر الفلسطيني تم تأسيسه كان في الكويت عام 1968م، ثم تأسست فروع له في الأردن وسورية ثم لبنان، وكانت فكرة تأسيسه لتقديم الخدمات اللازمة من رعاية طبية ومساعدات علاجية للقوات الفلسطينية، واستقبال الجرحى الفلسطينيين وعلاجهم بالتعاون مع زارة الصحة بدولة الكويت.

محطات سياسية

الكويت بتاريخها المشرف ومواقفها الراسخة من أبرز نماذج نصرة القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع

ويقود كل هذه الجوانب حقيقة، الجانب السياسي والرسمي للدولة: الذي عبرت عنه القيادة السياسية لدولة الكويت ممثلة بأميرها وحكومتها ومجلس الأمة ونوابه، وكذلك قوى الشعب وحراكه، ما يعبر عن مواقفهم الثابتة تجاه الحق الفلسطيني، فنرى مسؤولي دولة الكويت في خطاباتهم وحضورهم الإقليمي والدولي؛ ما يعبر بشكل واضح وملموس عن هذا الموقف الصلب، وفي محطات سريعة نوجزها بالتالي:

– في عام 1936م، قامت مجموعة من أبناء الشعب الكويتي بتشكيل أول لجنة لمناصرة الشعب الفلسطيني تحت اسم «لجنة أكتوبر»، التي تمكنت من جمع تبرعات بلغت 7500 روبية (آنذاك)، ودعت إلى اجتماع تضامني حضره 150 مواطناً كويتياً.

– في عام 1963م، أكد وزير الخارجية آنذاك الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (رحمه الله)، أمير دولة الكويت الخامس عشر، في الأمم المتحدة وفي أول حضور رسمي للكويت، أكد الحق الشرعي للشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه، وأن «سياسة الأمر الواقع لا يمكن أن تكون قاعدة ثابتة للسلام».

– في عام 1964م، كانت دولة الكويت أول دولة عربية تسمح للفلسطينيين بإجراء انتخابات لاختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الأول.

واستمرت الكويت في تأدية دورها في نصرة القضية الفلسطينية من خلال عضويتها في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

وكان تقديم مندوب الكويت في مجلس الأمن منصور العتيبي مشروعاً لحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية تأكيداً على خطها الواضح والجلي في دعم قضيتها المركزية، وحظي المشروع بموافقة دول مجلس الأمن، لكنه للأسف سقط بفعل «الفيتو» الأمريكي ضده، كذلك ساهمت دولة الكويت في إسقاط مشروع أمريكي مضاد لتأييد «إسرائيل»، وإسقاط بيان إدانة لتصريحات الرئيس الفلسطيني.

وفي ذات السياق، وتحت ظل قيادة حضرة صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، أمير دولة الكويت، أكد مجلس الوزراء مركزية القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى.

أدوار برلمانية

وعلى صعيد مجلس الأمة، فقد هاجم رئيس المجلس مرزوق علي الغانم وفد الكيان الصهيوني بشكل غير مسبوق في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي، وطالب بطرده من المؤتمر؛ وهو أمر لم يكن معهوداً من قِبَل الوفود الدبلوماسية الكويتية الخارجية من قبل، حيث أشاد سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (رحمه الله) بموقف الغانم وتصديه لوفد هذا الكيان، وفي برقية التهنئة التي أرسلها سموه للغانم حينها قال: إن هذا «الموقف يجسد جلياً موقف دولة الكويت الداعم للأشقاء الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم المشروعة ونصرة قضيتهم العادلة».

ومن جانب آخر، يؤكد رئيس الاتحاد البرلماني الدولي دوارتي باشيكو، بالدور «الفعَّال» الذي تضطلع به دولة الكويت في الدفاع عن الحق المشروع للقضية الفلسطينية، وهي لا تزال مستمرة بالدفاع عما تؤمن به في الوقت الذي لا يملك الناس صوتاً بالمجتمع الدولي.

ولا يزال مجلس الأمة الكويتي ثابتاً على مواقفه تجاه القضية الفلسطينية لا تؤثر به الأحداث أو التوازنات أو المصالح، ودائماً كان انحيازه قديماً وحديثاً للحق الفلسطيني انحيازاً كاملاً.

ولا غرابة حقيقة في هذه المواقف المتقدمة من دولة الكويت حينما نعلم بأن الكويت قد سنت القوانين اللازمة في شأن مقاطعة هذا الكيان الغاصب، أولها هو المرسوم الأميري الصادر في 26 مايو 1957م الخاص بمقاطعة البضائع «الإسرائيلية»، ثم تلاه القانون رقم (21) لسنة 1964م في شأن القانون الموحد لمقاطعة «إسرائيل»، ثم تلاه المرسوم الأميري بتاريخ 5 يونيو 1967م بإعلان قيام الحرب الدفاعية بين دولة الكويت والعصابات الصهيونية بفلسطين المحتلة.

لذلك، كان قرار أمير البلاد آنذاك الشيخ صباح السالم الصباح (رحمه الله) بإرسال «لواء اليرموك» بقيادة العميد صالح محمد الصباح، نائب رئيس أركان الجيش الكويتي، إلى مصر للمشاركة في حرب عام 1967م، واستمرت مشاركة الجيش الكويتي إلى دخوله حرب الاستنزاف مسانداً الجيش المصري في نفس العام، ثم كانت مشاركته في حرب أكتوبر 1973م وارتقى من الجيش الكويتي 42 شهيداً على الجبهة المصرية، وبهذه الحرب أيضاً شارك «لواء الجهراء» من الجيش الكويتي على جبهة الجولان السورية.

هذا هو موقف الكويت؛ حكومة وشعباً، المساند والمناصر للقضية الفلسطينية، والرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين العربية، وهو رسالة واضحة له وللمطبعين معه بأننا لن نخضع، ولن نركع، ولن نطبِّع، ولن نخون، ولن نعترف بـ«إسرائيل»، ولن ننسى الدم، ولن نتصالح مع القتلة المجرمين، حتى تحرر فلسطين كل فلسطين.

 

 

 

 

______________________________________

1- الموقع الرسمي لـ«وكالة الأنباء الكويتية» (كونا).

2- كتاب «فلسطين في عيون الكويت»، د. خالد الشطي.

 

(*) رئيس رابطة شباب لأجل القدس العالمية، عضو الهيئة العليا لتنسيقية مناهضة التطبيع.

Exit mobile version