تحيتهم يوم يلقونه سلام

العجيب والمخيف في هذه الآية {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} (الأحزاب: 44) أن من معانيها في التفسير: ملك الموت؛ لأنه لا يقبض روح المؤمن حتى يُسلم عليه، وهذا ما ورد عن البراء بن عازب رضي الله عنه في تفسيره لها، يعني تخيل معي بأن يدخل عليك فجأة رجل لا تعرفه تستغرب من تواجده في مكانك، تخيل مثلاً وأنت في سيارتك، ربما يجلس بجانبك في المقعد الأمامي، أو تنظر في مرآة السيارة وتجده جالساً خلفك، أو تدخل لمجلس الأسرة أو ديوانية أو مكتبك في العمل وتجده ينتظرك، ثم بدون مقدمات يسلم عليك ويلقي عليك التحية وتُصدم بأنه ملك الموت جاء ليقبض روحك!

وهذا ما روي أيضاً عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه كما جاء في تفسير البغوي أنه قال: إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام.

وقيل: من معاني تفسيرها كذلك بأن الملائكة تسلّم عليهم وتبشّرهم بالجنة، وجاءت في التفاسير معانٍ أخرى.

إن ما يحصل للمؤمن عند هذا اللقاء لا يحصل لغيره من المجرمين والظالمين في النهايات، فالملائكة الغلاظ الشداد سود الوجوه، مُرعِبون، تنخلع القلوب وترجف القوائم عند مشاهدتهم، وفوق ذلك المشهد المخيف لهؤلاء الملائكة، فإنهم آتون ومعهم السخط والغضب من الله تعالى، مبشرين فيه العصاة والظالمين بعذاب وخزي.

فشتّان بين ملك يأتيك يلقي عليك التحية والسلام، وملك يأتي بزجر وشدة وغلظة يُفزع من يشاهده وينزل الرعب في قلبه.

لذلك، فإن المؤمن القريب من الله عز وجل يعيش أجمل لحظاته في حياته وفي نهايته، فحياته اليومية مليئة بالسعادة والفرح والسرور والراحة القلبية وانشراح الصدر، وهو بعيد كل البعد عما يفسد ذلك.

حياته اليومية غير الفرائض والواجبات جميلة الرتابة، كل وقت يعيشه مع الله عز وجل، فإن كان في عبادات تجده محافظاً على السنن الرواتب والنوافل، لا يترك ركعات الضحى في النهار حتى وهو في عمله، ولا يترك إحياء ليله، حريصاً على القيام اليومي ولو ركعات قليلة، وفي السلوك تجده خير من يقتفي أدب وخلق النبي صلى الله عليه وسلم، فتجد البِشْر في وجهه، واسع فناء الصدر، عزيز الجانب، يسمو لمعالي الأمور ويترك سفاسفها، صاحب تضحية وإيثار لإخوانه المسلمين، يرى الناس بعين الرحمة، ولا يعاملهم إلا بالرفق.

وهو خير واصل لأرحامه، وجامع لهم ولكلمتهم في الحق، مربٍّ في بيته وعمله، قدوة في تصرفاته وتعاملاته، محب للعلم وأهله، يحضر حلق العلم ومجالس الذكر من أجل المغفرة والرحمة وليس فقط للعلم بذاته، لا يفارق ورده من كتاب الله، فإن لم يكن حافظاً له تجده قارئاً متدبراً مطلعاً عليه باستمرار يومياً له ورد، وقَّافاً عند آياته ليعمل بها، لسانه لا يفتر من ذكر الله تعالى.

هكذا هي حياة من يرد التحية على ربه بعد أن جاء الملك بها! فاللهم اجعلنا منهم.

اللهم إنا عصيناك وفرّطنا في جنبك وقصّرنا في حقوقك، فالطف بنا عند لقائك، واعفُ عنا وارحمنا برحمتك الواسعة التي أخّرتها لنا يوم القيامة.

Exit mobile version