خبراء يشككون في إقدام مصر على ضرب “سد النهضة” الإثيوبي

شكك عدد من الخبراء في إمكانية توجيه القيادة السياسية بمصر لأي ضربة عسكرية ضد “سد النهضة”، وأن ما يجري من تصريحات خشنة من قبيل “مياه النيل خط أحمر” وخلافه، هو من قبيل تهدئة الرأي العام بالداخل وليس التفعيل، وهو ما أكدته إثيوبيا، مستندة في صعوبة هذه الخطوة إلى “اتفاق المبادئ” ورفض المجتمع الدولي لأي إجراء عسكري.

وأضاف الخبراء لـ”المجتمع”: من وقَّع على “اتفاق المبادئ” هو من يتحمل مسؤوليه ما جرى، لافتين إلى أن ما يجري على الأرض لا يرسل رسائل بعمل عسكري أو اتخاذ خطوة جادة من قبيل عرض الاتفاق على مجلس النواب للتهديد بإلغائه أو استدعاء قوات الاحتياط أو أي خطوة في هذا الاتجاه.

وبعد تأزم الأمر وفشل المفاوضات وإصرار إثيوبيا على الملء الثاني، تعالت المطالب الشعبية بمصر بتوجيه ضربة إلى “سد النهضة”، وتزامن ذلك مع تهديدات القيادة المباشرة في الفترة الأخيرة واعتبار “مياه النيل خط أحمر”، فضلاً عن مناورات عسكرية مع السودان مؤخراً، وكذلك توقيع اتفاق لتبادل المعلومات العسكرية مع أوغندا.

رسائل للداخل وليس للخارج

فمن جانبه، قال خبير العلاقات الدولية د. سيد أبو الخير: لن تنجح الضغوط الشعبية في إقناع القيادة بتوجيه ضربة عسكرية للسد؛ لأنها لم تهتم يوماً بالشعب أصلاً ولا بردود فعله، فضلاً عن أن إثيوبيا تسير وفق “اتفاق المبادئ” الذي وقع عليه السيسي بمحض إرادته، خاصة أنه لا يوجد سند قانوني لتوجيه ضربة عسكرية، وكل ما تفعله القاهرة هو التسويف لتمرير عملية اكتمال إنشاء السد، وقد صرحت إثيوبيا بأن ما يصدر عن القاهرة موجَّه للداخل لتهدئته وليس للخارج، وهذا صحيح إلى حد كبير.

وأضاف د. أبو الخير  لـ”المجتمع”: عملياً ليس لدى مصر الجرأة ولا الشجاعة لعمل ذلك، ولا تمتلك مصر من الآليات العسكرية لإتمام مثل هذا العمل، كما أن القاهرة وافقت على بناء السد وغيره مقابل الاعتراف بالنظام السياسي والتنازل عن حكم المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب الذي أقر بعدم شرعية نظام الحكم في مصر لأنه انقلاب عسكري غير شرعي، كما أن دولاً كبرى مساهِمة في بناء السد لن تقبل بهدمه، وما يصدر عن القاهرة للاستهلاك المحلي فقط، ولن يكون للخارج أبداً؛ لأن نظام الحكم في مصر يقوم على الدعم الخارجي، وظهيره الداخلي ضعيف جداً، حتى لو أرادت مصر ضرب السد فلن تسمح القوى الكبرى بذلك.

تدخل صهيوني

ويتفق الخبير العسكري عادل الشريف مع ما ذهب إليه د. أبو الخير بالقول: إن القيادة في مصر لن توجّه أي ضربة، وأن كل ما يجري هو للاستهلاك الداخلي ودغدغة مشاعر الناس لا أكثر ومحاولة لتبريد مشاعر الغضب والتخوف على مستقبل مياه النيل بمصر الذي يمثل مصدر رعب للمصريين في ظل إصرار إثيوبيا على موقفها الحالي، لافتاً إلى أن “إسرائيل” ستتدخل في الوقت الحرج لتقليل كمية تخزين المياه إلى النصف خلال يوليو القادم، في محاولة لإقناع الشعبين المصري والسوداني بدورها في توفير المياه لهما؛ وبالتالي التعاطي مع  التطبيع، حسب الشريف. 

واتهم الشريف، في حديثه لـ”المجتمع”، السيسي بأنه هو من أغرى إثيوبيا لإتمام مشروع السد، وبالتالي يكون له الدور الأساسي فيما جرى، وعليه لا يمكن مناشدته بتوجيه ضربة عسكرية للحفاظ على أشياء أضاعها هو، مبدياً استغرابه من هذه المناشدات.

مأزق خطير

بدوره، أكد المحلل السياسي أحمد فراج أن ما يقال عبر التصريحات الرسمية المصرية شيء وما يمارَس على أرض الواقع شيء آخر، بمعني أن تصريحات الخط الأحمر وعدم المساس بمياه النيل يبدو شكلها جيداً ومتناغمة مع المشاعر الشعبية في هذا الاتجاه، ولكن المفروض هناك خطوات كثيرة يتم اتخاذها من جانب أي دولة لخلق أجواء تشير إلى أن هناك مواجهة بالفعل من قبيل إلغاء الاتفاق مثار الجدل والخلاف، وهو هنا “اتفاق المبادئ” لعام 2015، أو على الأقل عرضه على مجلس النواب لدراسته وإمكانية إعادة النظر فيه، كذلك استدعاء قوات الاحتياط مثلاً، وغيرها من الخطوات التي ترسل رسائل واضحة لأديس أبابا.

وأضاف فراج لـ”المجتمع”: لا أحد ينكر أن السلطة السياسية باتت في أزمة عنيفة ومأزق خطير بخصوص أزمة “سد النهضة”؛ لأن إثيوبيا أدخلته الشرنقة بتوقيع اتفاق المبادئ، ثم فعلت كل شيء واستغلال كل نقطة في الاتفاق لصالحها دون النظر لأي تفاوض أو تنازل، وهو ما وضع القيادة المصرية في مأزق ما بين ضغوط الداخل والمطالبات بضربة عسكرية، وتعنت إثيوبيا في المقابل، ومما يزيد من التأزم أن أي عمل عسكري ستكون فاتورته كبيرة بالتأكيد، وهو ما يجعل هناك قدر كبير من التردد وصعوبة الخيارات التي وضع النظام نفسه فيها.

Exit mobile version