“بني شنقول”.. هل تستفيد مصر من الاضطرابات وتدعمها لإعاقة “سد النهضة”؟

بالتزامن مع تصاعد أزمة سد النهضة، نجحت “جبهة تحرير بني شنقول”، في 22 أبريل الجاري، في السيطرة الكاملة على مقاطعة “سيدال” في منطقة “كماشي” بإقليم بني شنقول غرب إثيوبيا، المقام عليه السد.

الإقليم ذو أغلبية مسلمة (حوالي 50%) وأهله يتحدثون العربية، وكان جزءاً من مملكة الفُونج المسلمة في الفترة بين (1504-1821م)، ثم تابعاً لمصر والسودان حتى تنازل عنه الإنجليز لإثيوبيا عام 1902م، وأهله يحاربون للاستقلال أو العودة للانضمام للسودان.

إثيوبيا تشهد اضطرابات ومعارك عرقية منذ سنوات في مناطق إقليم الأورومو، أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، ومنطقة بني شنقول قماز التي تقع على الحدود مع السودان، وتمرد آخر للأمهرة منطقة تيجراي بشمال البلاد.

ولكن معارك تيجراي منذ نوفمبر 2020م هي التي استحوذت على الاهتمام الإعلامي، ونالت المعارك الدائرة منذ فترة في إقليم بني شنقول على تركيز إعلامي أضعف.

أهمية إقليم بني شنقول جموز، شمال غربي إثيوبيا وحاضرته أصوصا، الذي تقطنه 5 قوميات رئيسة (البرتا، جموز، شيناشا، الماو، وكومو)، أنه يحتضن مشروع “سد النهضة” على النيل الأزرق، على بعد نحو 40 كيلومتراً من الحدود السودانية.

كما أن الإقليم تقطنه قبائل لها امتدادات داخل الأراضي السودانية كقوميات البرتا والجموز ولا يزال سودانيون وأهالي من بني شنقول يطالبون باستعادته للعودة للانضمام للسودان.

ما يجري في إقليم “سد النهضة” ورغم أنه لا يؤثر على استمرار البناء حتى الآن، يطرح تساؤلات حول احتمالات اعتماد مصر النهج الاستخباري بإثارة الاضطرابات الداخلية في إثيوبيا لعرقلة بناء السد.

خبراء مصريون سبق أن طرحوا فكرة التحرك الاستخباري بتهديد أمن إثيوبيا من الداخل والخارج، سواء بإثارة قلاقل داخلية أو اللعب بورقة إرتيريا والمعارضة الإثيوبية، بدلاً من الحل العسكري.

دعوا لدعم المعارضة الإثيوبية من قوميات الأورومو والأمهرة وقبائل بني شنقول في إثيوبيا، التي يقع السد في نطاقها، لإحداث قلاقل داخلية.

هناك أدلة على تدخل مصر، إذ سبق أن اتهمتها الحكومة والمسؤولون الإثيوبيون بالتدخل لدعم حركات متمردة ومعارضة هناك.

في 1 يوليو 2020م، اتهم المتحدث باسم إقليم أورومو مصر بأنها متورطة في الاضطرابات التي اندلعت في الإقليم، وأكد رئيس الوزراء آبي أحمد أن الهدف منع إكمال بناء “سد النهضة”، واتهم جهات أجنبية ومحلية بالسعي لزعزعة استقرار بلاده ومنعها من إكمال السد.

أيضاً سبق لرئيس وزراء إثيوبيا الراحل ميليس زيناوي الكشف، عام 2010م، عن دعم مصر للأورومو، وتجدد الأمر في اضطرابات الأورومو التي شهدتها البلاد نهاية عام 2016م.

الصحفي والمذيع في قناة “الشرق” أحمد عطوان كتب يقول على “فيسبوك” “شهادة أمام الله”: “استمعت بأذني من أحد قيادات بني شنقول بأنهم تواصلوا مع الجانب المصري لدعمهم في تدمير سد النهضة المقام على أرضهم ولم تستجب لهم القيادة المصرية”، ويبدو أن مصر ربما حزمت أمرها بسبب مخاطر السد ورفض إثيوبيا أي اتفاق على إدارة مياه النيل.

نشطاء وصحفيون مصريون دعوا أيضاً على مواقع التواصل لدعم مصر والسودان لأهالي إقليم بني شنقول المقام عليه السد بعدما لم يعد من خيار أمامهما إلا تعطيل أو تدمير السد.

 https://www.facebook.com/drhamdyabdelrahman/posts/4410807888932504

إثيوبيا تعترف

كان لافتاً مسارعة إثيوبيا بإعلان فقدانها السيطرة على مناطق في الإقليم الذي يوجد به “سد النهضة”، وأن تعلن “لجنة حقوق الإنسان” المعينة من قبل الحكومة الإثيوبية سيطرة هذه الجماعة المسلحة على مقاطعة “سيدال ووريدو” بمنطقة “كاماشي” التابعة لإقليم بني شنقول، غربي إثيوبيا.

وقالت اللجنة: إن المقاطعة سقطت بشكل شبه كامل في يد المجموعة المسلحة منذ 19 أبريل، علماً أن مواطني المنطقة يعارضون بناء مشروع السد على أراضيهم.

إعلان إثيوبيا رسمياً فقدان المنطقة قد يفسر على أنه تنويه لخطورة الموقف ومن ثم حشد الشعب وراء الدفاع عن مشروع “سد النهضة” وترويج اتهامات لمصر والسودان بدعم ثوار بني شنقول كما فعلوا مع ثوار تيجراي.

تشهد إثيوبيا اشتباكات بين عرقيات مختلفة، مثل اشتباكات تيجراي والجيش الإثيوبي، واشتباكات أخرى بين عرقية الأورومو وعرقية الأمهرة، وهو ما تحاول الحكومة المركزية استغلاله للحديث عن “مؤامرات خارجية” لحشد الإثيوبيين خلفها.

العديد من المتظاهرين يتظاهرون في هذه المناطق وينددون برئيس الوزراء آبي أحمد الذي يُلقى عليه باللوم بشكل متزايد لفشله في إدارة البلاد، ويبدو أن آبي أحمد يسير على طريق مليء بالألغام، لهذا عادت حكومته لنغمة “المؤامرة الخارجية” كي تحاول حشد الإثيوبيين للدفاع عن “المشروع القومي” وهو بناء السد.

منطقة ميتيكل ببني شنقول حيث “سد النهضة”، سبق أن شهدت موجة من مذابح الإبادة الجماعية، ما تسبب في كارثة إنسانية خلّفت مئات الآلاف من النازحين، وقتل وجرح الآلاف، مع حرق منازلهم ودمار سبل عيشهم.

الاضطرابات بدأت عام 2019م، ولكن تسارعت المجازر في الأشهر الثلاثة الماضية من خلال هجمات وسقوط قتلى يومياً، حسب ما ورد في تقرير لموقع “Harvard politics”؛ ما يفسر خطورة الموقف الآن بالتزامن مع بدء الملء الثاني للسد الذي تعترض عليه مصر والسودان.

هل تدعم مصر الاضطرابات؟

بحسب موقع “Harvard politics 19″، في أبريل 2021م، تقدم الحكومة المصرية دعماً نقدياً وعسكرياً ودبلوماسياً لقوات المتمردين الإثيوبية المسلحة وغير المسلحة، للتحريض على عدم الاستقرار، ولكن الموقع لا يقدم دليلاً على ذلك.

ويؤيد هذا تقارير صحفية إثيوبية وأجنبية، ويشير له ويطالب به خبراء مصريون كإحدى أوراق الحل لمشكلة “سد النهضة” في ظل التعنت الإثيوبي.

وسبق لموقع “مدى مصر” المستقل أن ذكر، في 21 ديسمبر 2020م، أن السودان قد قاوم ضغوطاً مصرية لدعم جبهة تحرير تيجراي ضد الحكومة الإثيوبية، في الحرب التي وقعت شمال البلاد، في نوفمبر 2020م.

وفي مارس 2021م، اتهمت لجنة برلمانية إثيوبية السودان ومصر بـ”الوقوف خلف أعمال عنف في إقليم بني شنقول”، وقال بيان صادر عن البرلمان الإثيوبي: إن اللجنة التي شكلها البرلمان قدمت تقريراً بشأن مهمتها حول التحقيق بأعمال العنف بمنطقة ميتيكل، التي أسفرت عن مقتل المئات، أوضحت أن تلك الأعمال “تم دعمها من قبل السودان ومصر، وفق نتائج التحقيقات التي ذكرتها اللجنة”.

وأضاف أن التحقيقات التي أجروها بإقليم بني شنقول حول هذه الأعمال أثبتت أيضاً تلقي المسلحين المتورطين في أعمال عنف تدريبات وأسلحة غير مشروعة على الحدود السودانية.

وسبق لرئيس جامعة أفريقيا السابق د. حسن مكي تأكيده، في تصريحات سابقة، أن “بني شنقول الحل الوحيد أمام مصر في إثيوبيا”، مؤكداً أن أهالي «بني شنقول» هم من ثقافة العالم الإسلامي، وهم يريدون حل مشكلاتهم ومصر يمكن أن تساعدهم.

فهل بدأت مصر والسودان بالفعل خيار التدخل الاستخباري في إثيوبيا لإثارة الاضطرابات؟ وهل لذلك علاقة بزيارات مدير المخابرات المصرية المتعددة للسودان خلال الشهور الماضية؟ والأهم: هل يفلح هذا الحل في عرقلة ملء “سد النهضة” وفرضه كأمر واقع يجعل إثيوبيا تتحكم في مياه النيل؟

Exit mobile version