فرنسا.. اللوبي الأرمني يناصب الجاليات التركية والمسلمة العداء

يسعى الشتات الأرمني في فرنسا لممارسة دور في وضع سياسات مناهضة لتركيا والأتراك، من خلال مئات الجمعيات المسجلة في البلاد، التي تقوم بأنشطة ضغط ضد الجاليات التركية والمسلمة هناك.

يبلغ عدد الأرمن حول العالم نحو 10 ملايين نسمة، يعيش أكثر من 8 ملايين منهم خارج أراضي أرمينيا، ويشكل هذا الشتات القوة الدافعة الرئيسة لتغذية مزاعم أحداث عام 1915.

وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام تركيا بالاعتراف بما جرى خلال عملية التهجير عام 1915 على أنه “إبادة جماعية”، وبالتالي دفع تعويضات.

وتؤكد تركيا عدم إمكانية إطلاق “الإبادة الجماعية” على تلك الأحداث، بل تصفها بـ”المأساة” لكلا الطرفين، وتدعو إلى تناول الملف بعيداً عن الصراع السياسي وحل القضية بمنظور “الذاكرة العادلة” الذي يعني التخلي عن النظرة الأحادية إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لكل طرف.

8 ملايين من الأرمن يعيشون خارج أراضي أرمينيا

وبينما تستضيف روسيا أكبر عدد من الشتات الأرمني بما يقارب المليوني نسمة، إلا أن جماعات الضغط الأرمينية تنشط في الغالب في الولايات المتحدة وفرنسا.

وفي فرنسا، يبلغ عدد السكان من أصول أرمنية نحو 700 ألف نسمة، فيما تسعى جمعيات الشتات للاضطلاع دور مؤثر في صياغة سياسات معادية لتركيا والأتراك في السياسة الفرنسية.

بدأ الأرمن الذين شرعوا في الاستقرار بفرنسا عقب نهاية الحرب العالمية الأولى يشعرون بالخوف من الانصهار في بوتقة المجتمع الفرنسي والاندماج الكلي فيه.

ومنذ عام 1970، سعى الشتات الأرمني لاستخدام أحداث عام 1915 من أجل خلق تماسك داخله لمنع الانصهار في المجتمعات الأخرى والحفاظ على اللغة والثقافة الأرمنية، وبناء هوية أرمنية في الشتات من خلال التركيز على العداء لتركيا.

أدى الشتات دورًا بارزًا في استغلال المزاعم المتعلقة بأحداث عام 1915 لأغراض سياسية منذ سبعينيات القرن الماضي في فرنسا، ومصادقة البرلمان الفرنسي في 29 يناير 2011، على قانون يعتبر تلك المزاعم “إبادة جماعية”، حيث بدأ اللوبي الأرمني بالظهور بشكل أكبر في السياسة الفرنسية مع إقرار هذا القانون.

واعتبر القانون المذكور إنكار ما يسمى بـ”الإبادة الجماعية” جريمة تستوجب العقاب بالسجن لمدة عام وغرامة قدرها 45 ألف يورو، لكن المجلس الدستوري الفرنسي ألغى القانون، واعتبره مخالفًا لحرية التعبير، بعد ردود فعل صاخبة داخل المجتمع الفرنسي.

اللوبي الأرمني ظهر بالسياسة الفرنسية في أعقاب مصادقة البرلمان على قانون مزاعم “الإبادة الجماعية”

وبهذه الخطوة، فقد الشتات قوته، قبل أن يبرز مجددًا على الساحة السياسية خلال حرب “قره باغ” التي اندلعت العام الماضي بين أذربيجان وأرمينيا.

شنت أذربيجان عملية عسكرية في 27 سبتمبر 2020 لتحرير إقليم “قره باغ” والأراضي الأذربيجانية المحتلة الأخرى التي تحتلها أرمينيا منذ عام 1992.

تزامن ذلك مع دعوة وجهها مجلس الأمن الدولي للجانب الأرميني بضرورة انسحاب قواته من إقليم “قره باغ” الأذربيجاني.

فيما قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في مؤتمر صحفي بالمقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك: إن الأمم المتحدة لا تزال تعترف باحتلال أرمينيا لإقليم “قره باغ”؛ وذلك وفقاً لأربعة قرارات أصدرها مجلس الأمن الدولي عام 1993.

واعتبر دوجاريك الاحتلال الأرميني للأراضي الأذربيجانية “معاناة وعقبة أمام إحلال السلام في المنطقة”.

وبالتزامن مع بدء أذربيجان المدعومة تركيًا وبقرارات الأمم المتحدة في استعادة أراضيها المحتلة، بدأ الشتات الأرميني شن حملة تضليل تستهدف تركيا وأذربيجان في وسائل الإعلام الفرنسية.

وزعم الشتات خلال حملة التضليل أن المدنيين الأرمن في “قره باغ” يتعرضون للقتل والاستهداف، فيما قامت جمعيات الشتات بإزالة الأخبار المحايدة التي تتحدث عن قضية “قره باغ” وتطوراتها، والمنشورة على موقع قناة “TF1” الفرنسية وصفحاتها في وسائل التواصل الاجتماعي في 22 أكتوبر الماضي.

الشتات الأرمني برز مجددًا خلال حرب “قره باغ” التي جرت بين أذربيجان وأرمينيا

بالإضافة إلى ما سبق، شن فرانك مراد بابازيان، الرئيس المشارك لمجلس المنظمات الأرمنية الفرنسي (CCAF)، وهي المنظمة الجامعة للجمعيات الأرمنية في فرنسا، هجومًا عنيفًا على قناة “TF1” والصحفية ليسيرون بودول، التي حررت الخبر في القناة التلفزيونية.

كما أزالت جمعيات الشتات العديد من الأخبار في الصحافة الفرنسية التي تتحدث عن حقوق أذربيجان في أراضيها المحتلة والنابعة من القانون الدولي، فيما امتنعت “وكالة الأنباء الفرنسية” وصحيفة “لو فيغارو” عن نشر مقابلة مع رحمن مصطفاييف، سفير أذربيجان في باريس، حول قره باغ.

وبالتوازي مع ما سبق، ساهمت جمعيات الشتات الأرمني في دعم السياسات الفرنسية المناهضة لتركيا في شرق البحر المتوسط، وليبيا، وداخل حلف شمال الأطلسي.

وفي 28 أكتوبر 2020، قام أفراد من الشتات الأرمني بإغلاق العديد من الطرقات السريعة في فرنسا ورفع شعارات مؤيدة لأرمينيا ضد أذربيجان ومهاجمة مواطنين فرنسيين من أصول تركية أثناء ذهابهم إلى أعمالهم الاعتيادية، مما أدى إلى إصابة 4 أشخاص بجروح مختلفة.

وبعد تلك الحادثة، نظّم الأتراك في مدينتي ليون وديجون مسيرة ضد العنف الذي يقوم به الأرمن، لكن الشرطة تدخلت ضد الأتراك بالغاز المسيل للدموع وفرضت على المشاركين غرامات مادية.

وفي المقابل، غضت السلطات الفرنسية النظر عن مظاهرات قام بها الشتات الأرمني ضد تركيا، رفع فيها المتظاهرون صوراً وشعارات تابعة لمنظمة “بي كا كا”، التي يعترف بها الاتحاد الأوروبي بأنها منظمة إرهابية.

يوجد في فرنسا 575 جمعية مسجلة تابعة للشتات الأرمني

كما سارعت فرنسا إلى إلغاء جمعيات حركة “الذئاب الرمادية” (قومية تركية) بدعوى استهدافها الأرمن في الشتات وعلى أساس أنها “تحرض على الكراهية والتمييز وتدعو للعنف”، على الرغم من أنه لا يوجد في فرنسا جمعيات تابعة للحركة المذكورة.

وفي حين تغلق فرنسا جمعيات إسلامية وتركية بتهمة “الانفصالية”، يوجد 575 جمعية مسجلة تابعة للشتات الأرمني، الذي لا يفوت أي فرصة لاستهداف الجاليات التركية والمسلمة.

وضعت جمعيات الشتات، فرنسا التي يجب أن تكون وسيطًا بين طرفي النزاع في “قره باغ”، في موقف صعب على الساحة الدولية، وأظهرتها كبلد شريك لأرمينيا في نزاع قره باغ.

أعلنت جمعية “حركة الرؤية الوطنية” التابعة للجالية التركية في فرنسا، عن طرحها مشروعا لبناء مسجد في مدينة ستراسبورغ (شرق)، والحصول على مساعدات بلدية بقيمة 2.5 مليون يورو.

وبعد قرار البلدية تقديم المساعدة للجمعية، عقد ممثلو مجلس المنظمات الأرمنية الفرنسية اجتماعاً مع بلدية ستراسبورغ.

وعقب الاجتماع، طلب وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، في بيان عبر “تويتر”، في 23 مارس الماضي، من حاكم المنطقة إحالة قضية تقديم مساعدة لبناء مسجد إلى القضاء الفرنسي.

فيما أعلنت جمعية “حركة الرؤية الوطنية”، التي تعرضت للاستهداف والتشهير في الصحافة، تخليها عن مساعدة البلدية في بناء المسجد المذكور.

Exit mobile version