من حين لآخر تصدم الساحة التونسية أنباء عن حالات تطبيع ثقافي وأكاديمي وسياسي، وأخيراً تردد أنباء عن تطبيع اقتصادي، فقبل الثورة كان هناك مكتبا اتصال غير معلنين في كل من تونس و”تل أبيب”، ويُتهم أكاديميون بوجود علاقة لهم مع الكيان الصهيوني والمشاركة في بحوث مشتركة ولا سيما قبل الثورة، وأحيا فنانون تونسيون سهرات فنية في فلسطين المحتلة.
ويوم الإثنين 12 أبريل 2021، ترددت أنباء عن وجود شركات تونسية تصدّر منتوجاتها إلى الكيان الصهيوني عبر شركات فرنسية.
الغنوشي: القضية الفلسطينية مقدسة وتشكل حالة إجماع ولا جدال في رفض التطبيع مع الاحتلال
فتح تحقيق
وزير التجارة وتنمية الصادرات التونسي محمد بوسعيد، أكد يوم الإثنين، فتح تحقيق فوري للتحقق من معلومات حول قيام بعض الشركات التونسية بتعليب بعض المواد محلياً وتصديرها إلى الكيان الصهيوني عبر فرنسا.
وأضاف بوسعيد، أمام مجلس نواب الشعب، في رده على سؤال حول وجود معلومات تفيد بقيام بعض الشركات التونسية التي تعمل في مجال صناعة الغذاء وتصبير الهريسة (معجون الفلفل الأحمر مع البهارات) وتقوم بتصدير منتوجاتها إلى الكيان الصهيوني.
وشدد بوسعيد على أن هناك ثوابث لا يمكن التنازل عنها سواء التي أكدها الدستور التونسي بعد الثورة، أو في إطار الاتفاقيات العربية، وأنه لا تسامح مع ملف التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني.
التطبيع عبر فرنسا
وكشف العش أن من بين المؤسسات المطبعة إحدى الشركات وهي تعمل في مجال صناعة العجين تقوم بتصدير منتوجاتها إلى شركة فرنسية، كجسر إلى “إسرائيل” مع تحويل العائدات إلى جنات ضريبية.
ودعا العش، أمام البرلمان، لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي التونسي إلى فتح تحقيق في هذا الملف.
قضية مقدسة
وكان رئيس البرلمان زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي قد أكد، في وقت سابق، أن القضية الفلسطينية مقدسة في تونس، وتشكل حالة إجماع، ولا جدال بشأن رفض التطبيع مع الاحتلال “الإسرائيلي”.
وجاء موقف الغنوشي بعد حالات التطبيع في المنطقة، وما صرّح به وزير أملاك الدولة السابق حاتم العشي؛ “الكيان الصهيوني يطالب تونس بتعويضات عن أملاك اليهود الذين فروا من تونس عامي 1967 و1973، من أجل التطبيع”.
المشيشي: تطبيع علاقات تونس مع “إسرائيل” ليس مسألة مطروحة
وذكر بأن الكيان الصهيوني يريد التطبيع مع التعويض بعد انتهاء الخلاف أو التطبيع مقابل التنازل على التعويضات، وأنه يعتقد أن الكيان الصهيوني يرغب في التطبيع مقابل التنازل عن طلب التعويضات، وهو ما جعله محل اتهامات متعددة بأنه مطبّع ويتحدث بلغة العرابين.
ليست مسألة مطروحة
بدوره، شدّد رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي، في وقت سابق، على أن تطبيع علاقات تونس مع “إسرائيل” ليس مسألة مطروحة.
وأضاف: لكل بلد واقعه وحقيقته، ولكل بلد دبلوماسيته التي يرى أنها الأفضل لشعبه، كما أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي، في ذات التاريخ، أن تونس لم تخضع لأي ضغوطات في ملف التطبيع، والجميع يعلم أن تونس لا تخضع للضغوطات.
وأوضح الجرندي أنه لم يتم عرض مسألة التطبيع على تونس بتاتاً، مبرزاً موقف تونس الواضح من المسألة، وشدد وزير الخارجية آنذاك على أن تونس تحترم الشرعية الدولية وتخضع لها ولمقوماتها، وأنه لا مشكل لتونس مع أي دولة انتهجت منهجاً مغايراً لتونس بالتطبيع.
الجرندي: الجميع يعلم أن تونس لا تخضع للضغوطات
واقع التطبيع
رغم أن الموقف الرسمي حازم في قضية التطبيع، فإن الساحة التونسية تعودت على أنباء التطبيع الجانبية في كل المجالات، ففي بداية مارس الماضي، نشر الروائي التونسي مدير “بيت الرواية” كمال الرياحي، عبر صفحته بـ”فيسبوك”، مقالاً نشر في صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية يتحدث عن روايته “المشرط”، وعلّق عليه: “مقالة نقدية جميلة حول روايتي”.
وأثار “تفاخر” الرياحي زوبعة في أوساط المثقفين التونسيين، إذ استنكره كثيرون بشدّة، معتبرين أنه يدخل في خانة التطبيع الثقافي مع “إسرائيل”، خصوصاً بعد ترجمة روايته “المشرط” إلى اللغة العبرية.
وحادثة الرياحي لم تكن الأولى في تونس، إذ سبقتها حوادث أخرى لمحاولات التطبيع مع “إسرائيل”، لعل أبرزها مشاركة الفنان نعمان الشعري في عمل مع الفنان “الإسرائيلي” زيف يحزقيل بعنوان “سلام الجيران” (أواخر عام 2020).
إضافة إلى مشاركة عدد من الفنانين التونسيين في حفلات بـ”إسرائيل”، مثل قاسم كافي (2018)، ومحسن الشريف ومنصف عبلة (2019) وما خفي كان أعظم.
العش: لا تسامح مع ملف التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني
بيننا دم
ويؤكد أغلب التونسيين الذين نادوا في ثورتهم “الشعب يريد تحرير فلسطين” أن مشاعرهم الإسلامية تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين، والأخوية حيال أهلهم في فلسطين لا تزال جياشة، ويقولون: إن بينهم وبين الصهاينة دماً، ويتذكر التونسيون بمرارة سلسلة الاغتيالات التي قامت بها “إسرائيل” على التراب التونسي، فهو تاريخ لا يزال محفوراً في ذاكرة من عاصروا تلك الفترة بداية من حادثة حمام الشط أو “عملية الساق الخشبية”، عندما أغارت، في 1 أكتوبر 1985، طائرات صهيونية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس، مخلفة 68 شهيداً وأكثر من 100 جريح، واغتيال خليل الوزير (أبو جهاد)، المسؤول الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 بتونس، إلى جانب اغتيال “الموساد” للمهندس التونسي والعالم الشهيد محمد الزواري، في 15 ديسمبر 2016، في صفاقس.