كيف يصبح العالم الإسلامي شريكاً في القارة الأفريقية؟

يقول المفكر جمال حمدان عن أفريقيا: «هي جبهة زحف الإسلام واحتياطي توسعه في المستقبل»، وقد حان الوقت ليتوجه العالم الإسلامي لهذه الجبهة، وبعد التفكك والضعف الذي طال الدول الإسلامية أصبحت القارة الأفريقية مهمة أكثر من أي وقت مضى؛ لتوَفر جميع المقومات لإقامة شراكة رابحة معها، ونشير هنا إلى أننا لا نقصد العالم الإسلامي ككتلة واحدة، نظراً لحالة التفكك البيّنة، ولكن المقصود هي دول العالم الإسلامي فُرادى، ووضعها تحت مسمى «العالم الإسلامي» لأنها جزء منه فقط.

بعدما عرضنا، بالجزء الأول من التحقيق، أهمية تغيير نظرة الدول الإسلامية لأفريقيا، نتعرض هنا لضرورة التوجه للقارة، والمكاسب الاقتصادية والإستراتيجية والدينية التي سيجنيها العالم الإسلامي، وأخيراً خطوات مهمة يجب أن يتخذها العالم الإسلامي للتقارب من القارة الأفريقية.

هناك أسباب عديدة تدفع العالم الإسلامي للتوجه للقارة الأفريقية، فعلى المستوى الاقتصادي والإستراتيجي والديني، هناك مكاسب مضمونة وحاجة مُلِحة لهذه الشراكة، نذكر بعضها؛ فالجانب الاقتصادي يكتسب أهميته منطلقاً من الاحتياجات المتبادلة حالياً للطرفين الإسلامي والأفريقي، وفي هذا السياق، يتم تجاهل الحقائق الجديدة الممثلة في أن أفريقيا أضحت واحدة من أكثر وأسرع مناطق العالم نمواً.

فيقول الباحث السنغالي أستاذ القانون بجامعة إسطنبول جليشيم د. محمد بشير جوب، لـ»المجتمع»: إن القوى الغربية هدفت إلى فصل القارة عن العالم الإسلامي، عن طريق السيطرة الفكرية والثقافية، ومن ثم امتصاص الموارد الطبيعية في القارة، وقد نجح الغرب في هذا إلى حد كبير، فعلى سبيل المثال؛ تستورد فرنسا 80% من مادة اليورانيوم من الخارج لتأمين احتياجاتها في إدارة مفاعلات الطاقة النووية، و60% من هذه الكمية تستوردها من أفريقيا وتحديداً من دولة النيجر، التي يشكل عدد المسلمين فيها أكثر من 90%، الأمر الذي يعتبر نهباً لثروات القارة، ولو تم الأمر بشكل شفاف سينعكس ذلك على المستوى الاقتصادي لهذا البلد.

وأضاف جوب أن هذا الأمر يؤكد ضرورة انتقاء شريك صميم للقارة، انطلاقاً من بُعدها الديني، ويشكل العالم الإسلامي الشريك الأنسب لوجود قواسم مشتركة بين الطرفين يمكن أن تدفع إلى نجاح مثل هذه الشراكة.

إن الاحتياجات المتبادلة تمتد لمستويات أوسع وأشمل؛ خصوصاً في مجالات الاستثمارات الشاملة والتبادل التجاري، وهو الأمر الذي يساعد اقتصادات الدول الإسلامية على تحقيق مستوى أسرع من النمو، كما يحقق للجانب العربي والإسلامي مصداقيته في مسألة التفاعل الإستراتيجي مع أفريقيا.

أما عن الجانب الإستراتيجي، فإنه يحمل أهمية بالغة للعالم الإسلامي، تدفعه دفعاً للتوجه نحو أفريقيا، فيعتبر موقع القارة السمراء الأهم على الصعيد الجيوبوليتيكي؛ لأنها تتوسط الممرات الملاحية بين القارات الخمس، فهي تطل على: مضيق جبل طارق، قناة السويس، مضيق باب المندب، رأس الرجاء الصالح، ويحيط بها جزر تطل على المحيطين الأطلسي والهندي.

وهذا الموقع أهَّلها لأن تكون همزة الوصل بين قارات العالم، خصوصاً في جزئها الشمالي والشمالي الشرقي، التي تسيطر على حركة المواصلات العالمية بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، لذلك فإن لأفريقيا دوراً محورياً في الأمن الإقليمي والحراك السياسي والاقتصادي والثقافي للدول الكبرى في هذه القارات، وعليه؛ فإن وجود شراكة إستراتيجية بين دول إسلامية ودول أفريقية سيعزز من قوة هذه الدول الإسلامية على المستوى السياسي، وستشكل هذه الشراكة أداة ضغط في قضايا عديدة.

فيقول خبير العلاقات الدولية بتركيا د. محمد العادل، لـ»المجتمع»: إن العالم الإسلامي من مصلحته أن يتوجه إلى أفريقيا بنظرة المصلحة المشتركة، لأن دول أفريقيا غنية وثرية بالمعادن والنفط والغاز والغابات والزراعة وبالإنسان الأفريقي، وبالتالي فإن العالم الإسلامي والعربي المستفيد الأكبر، وسيجنون من هذا التوجه الخيرات الكثيرة، ولدى أفريقيا ما تعطيه لنا، ولدينا ما نعطيه لأفريقيا، فشراكة القوى الإسلامية ذات أبعاد إستراتيجية، ويجب أن تُبنى بهذه الرؤية والنية.

وأضاف العادل أنه يجب تصحيح الرؤية وننظر للأفارقة على أنهم شركاء حقيقيون في التنمية والحضارة الإنسانية والأمن والاستقرار الدولي، فنحن نذهب لأفريقيا لنساعد أنفسنا وننمي اقتصادنا، لكن في إطار الشراكة رابح رابح مع أفريقيا، وفي إطار الشراكة النِّدية.

وأشار العادل إلى أن تركيا، في العشرية الأخيرة، أصبحت تنظر لأفريقيا بعين الشريك وليس بعين الغرب، فهناك تجارب لمراكز دراسات تعنى بالتوجه لأفريقيا، ورجال أعمال بدؤوا بالتوجه لأفريقيا، وهذا بدعم من الدولة؛ لأن الدولة لديها رغبة سياسية لتكون شريكاً لكثير من الدول الأفريقية، وهذا بالتأكيد ليس كافياً، نريد أن تتوجه مصر والسعودية وإندونيسيا وماليزيا والمغرب العربي لتحقيق التوازن والمصالح المشتركة.

التهديد الخطير

تشير الدراسات إلى تصاعد اهتمام المؤسسات الكنسية على اختلاف مذاهبها وطوائفها، بدعم حركة التنصير في أفريقيا، لمواجهة ظاهرة الإحياء الإسلامي، والحيلولة دون البروز الجدي للمد الإسلامي في الساحة، عبر التضييق من الفضاء الاجتماعي أمام العمل الإسلامي في مختلف دول القارة، على نحو ما تشهد خبرة كل من موريتانيا وساحل العاج وسيراليون وليبيريا والكاميرون في الغرب، وكينيا وإثيوبيا وإريتريا وتنزانيا والسودان في الشرق.

هذا مع تقديم كافة سبل الدعم المادي والمعنوي لجهود التنصير للقيام برسالتها، واتخذت عمليات التنصير أشكالاً ووسائل جديدة تمثلت في الحرص على الاستتار خلف عامة إغاثية، تعليمية، ترفيهية، صحية، وعدم الاقتصار على العمل التبشيري المباشر، والحرص على أن يحمل عبء التنصير جماعة من أبناء المجتمع المستهدف؛ للتغلب على العقبات التي حالت طويلاً بين أبناء القارة والقساوسة من أوروبا.

يقول د. محمد بشير جوب، لـ»المجتمع»: يجب أن نعلم أن الإسلام ليس غريباً في القارة الأفريقية كما يعتقد كثيرون، فتاريخياً دخل الإسلام في القارة الأفريقية في وقت مبكر جداً عن طريق الهجرة الأولى إلى الحبشة، ومن هناك بدأ الاحتكاك الأول بين الإسلام والإنسان الأفريقي، ونجد أن سمة التدين في الإنسان الأفريقي أساسها الفطرة، وبالتالي وجد الدين الإسلامي تقبلاً واسعاً منه، فاحتضنته المجتمعات الأفريقية، وانتشرت القيم الإسلامية سريعاً في ربوع القارة.

وأردف جوب أنه مع اجتياح الاستعمار الغربي للقارة الأفريقية، بدأ التلوث الفكري والأيديولوجي والديني يتسرب في المجتمعات الأفريقية بطريقة ممنهجة؛ تارة عن طريق التنصير، وتارة أخرى عن طريق العولمة الثقافية؛ التي تهدف إلى استئصال القيم الفطرية وقيم الدين الإسلامي من المجتمعات الأفريقية، ومن هنا تأتي أهمية توجه القارة الأفريقية إلى بُعدها الإسلامي المتمثل في العالم الإسلامي؛ لمناهضة التيارات الدينية والفكرية التي تهدف إلى سلخ الوجود الإسلامي من القارة وإلى تغريب الإنسان الأفريقي.

على الرغم من التحديات التي تواجه الظاهرة الإسلامية في أفريقيا غير العربية، فإن الإسلام كجوهر لنظام حضاري ولمنظومة قيمية؛ لا يزال بمقدوره أن يمارس دوراً مهماً في عملية النهضة والتطور للشعوب الأفريقية، من خلال طرح أيديولوجية ملائمة تعبر عن الواقع المعاش للإنسان الأفريقي، كما أن القضية ليست قاصرة على الإحياء الديني فقط، ولكنها تشتمل على عملية نشر الدعوة، فالإسلام في مواجهته للمسيحية والديانات التقليدية قد أثبت نجاحاً هائلاً، من حيث التمسك به في الوعي والضمير الأفريقي.

لماذا سترحب أفريقيا بشراكة دول العالم الإسلامي؟

يعد الإسلام أحد المكونات الرئيسة للموروث الحضاري الأفريقي، وقد حسبه المفكر على مزروعي أحد الأبعاد التي تشكل الميراث الأفريقي، وعليه فإن التأكيد على الذات الحضارية الأفريقية يمثل خطوة واعية لوضع أفريقيا على طريق النهضة، والتعامل الصحيح مع متغيرات العالم من حولها.

تجدر الإشارة هنا إلى أن النظرة إلى الإسلام في الإدراك الأفريقي على أنه ليس ديناً أجنبياً، حيث إن كبار الدعاة للدين الإسلامي هم من الأفارقة، مثل: إبراهيم موسى، والإمام إبراهيم سوري من غينيا، وفتوحات عثمان بن فودى من سوكوتو، والحاج عمر في المنطقة الواقعة بين السنغال والنيجر، ومحمد أحمد المهدي في السودان، ومحمد عبدالله حسن خلال العقدين الأولين من القرن العشرين في الصومال؛ الأمر الذي جعل من الإسلام في أعين الأفارقة مجرد دعـوة ذاتية وداخلية.

يرى جوب أن شراكة دول العالم الإسلامي بأفريقيا تأثرت بعدة عوامل؛ منها ما حدث من تراجع كبير لدور الأمة منذ سقوط الخلافة الإسلامية، ثم تفكك الدول الإسلامية وغياب رؤية موحدة للعالم الإسلامي ككل، ولكن هذا لا يمنع إمكانية بناء شراكة قوية تأخذ في الاعتبار البعدين الديني والسياسي لتحقيق النجاح المنشود.

أضف إلى ذلك أن الإسلام هو دين الفطرة ويتميز بالبساطة واليسر وعدم التعقيد، واتفاق كثير من مبادئ الإسلام مع أسلوب الحياة التقليدية الأفريقية، وتأكيد الإسلام على قيم العدالة والمساواة، إذ لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح، ولا شك أن هذه القيم تتفق مع متطلبات الواقع الأفريقي.

وإذا كان الإسلام في جوهره بالنسبة للشعوب الأفريقية هو دين أفريقي انتشر بقوته الذاتية وخصائصه الدفينة، فإن المسيحية على الطرف الآخر مثلت الدين الاستعماري، وهي امتداد للغرب المتعصب صاحب مفاهيم الاستعلاء الحضاري.

فيقول د. محمد العادل، لـ»المجتمع»: إن شراكة العالم الإسلامي مع أفريقيا ستساعد أفريقيا للتخلص من الهيمنة الغربية، والتحرر من الرؤية الاستعمارية، وتساعدها على استعادة هويتها الأفريقية، لذلك هي مصلحة مشتركة ولا أحد يعطف على الآخر.

وأضاف العادل أنه كلما ساعدنا الأجيال الأفارقة على تبني هويتهم الأفريقية والاعتزاز بتراثهم وأرضهم وتاريخهم، سيدركون حينها مخاطر ومخلفات الاستعمار عليهم، على المستوى الإنساني والفكري والثقافي ومسخ الهوية، وعلى استغلال ثرواتهم دون التفكير في الإنسان الأفريقي، ودون التفكير في تنمية أفريقيا، ومستقبل الأفارقة.

ماذا بعـد؟

يتميز هذا التحقيق عن غيره بأنه يعرض الخطوات العملية لتقارب دول العالم الإسلامي من أفريقيا، نطرحها أمام الباحثين والسياسيين ورجال الأعمال والقادة؛ لينظروا لها بعين الجدية والتنفيذ.

وفي ذلك يصرح د. محمد بشير جوب بـ:

– أن النجاح في خلق تقارب بين أفريقيا والعالم الإسلامي يتوقف على تكثيف العلاقات الثقافية بين دول القارة الأفريقية ودول العالم الإسلامي، والاستفادة من العامل الديني الذي يعتبر الرابط القوي والمشترك بين الطرفين.

– تجاوز العلاقات التقليدية والباردة بين القارة والعالم الإسلامي، وللنجاح في هذه الخطوة المهمة لا بد من التخلي عن بعض التصورات الخاطئة من كلا الطرفين، فأفريقيا ليست فقيرة، بل هي قارة غنية ولها ما يكفيها لتتطور، بشرط أن يتواجد شريك نزيه معها.

– على دول العالم الإسلامي أن تدرك أن أفريقيا ليست بحاجة إلى مساعدات دورية ورمزية، بل تحتاج إلى من يساعدها في استغلال خيراتها وثرواتها ضمن علاقات ندية ومصالح مشتركة.

بينما يرى الباحث المصري محمد الزواوي، مشرف موقع «قراءات أفريقية» باللغة الإنجليزية:

– أنه لا بد من إصلاح البيت الإسلامي وعلى رأسه البيت العربي، فالجزيرة العربية هي التي تعتبر مركز الثروة والقوة، ومع تراجع القوى الكبرى مثل مصر والعراق وسورية، فأصبحت الدائرة الخليجية هي الدائرة الفاعلة فيما يتعلق بصناعة القرار داخل العالم العربي ومن ثم العالم الإسلامي، وهذه الدول ذات الملاءة الاقتصادية تستطيع أن تنشئ الكثير من المشروعات التنموية في أفريقيا، وأيضاً المراكز الإسلامية للحفاظ على القوة الناعمة للعالم الإسلامي.

– المُصالحة الخليجية كانت نقطة للأمام، وما يلوح في الأفق من مصالحة مع تركيا، ستكون خطوة جيدة، لمواجهة التحديات سواء ما يواجه العالم الإسلامي أو ما يواجه الدول العربية، ومن ثم يمكن إسقاط هذا على القارة الأفريقية.

– إعادة النظر في التحالفات داخل العالم الإسلامي، لتكوين تحالفات إسلامية قوية تستطيع أن تقف أمام قوى التنصير والاستنزاف الذي يهيمن على القارة الأفريقية، ومن ثم تمد يد العون وتقوم بشراكات طويلة الأمد مع أفريقيا.

– إعادة إدماج تركيا وإيران والسعودية ومصر وباكستان وماليزيا؛ لتكون قوة فاعلة من أجل نصرة قضايا الأقليات ودعم المسلمين الذين يتعرضون للتنصير، فيجب ألا يقف العالم الإسلامي مكتوف الأيدي تجاه ذلك، وأن يدعم الأفارقة لاختيار هويتهم وديانتهم، ودعم لغاتهم المحلية، وهذا دور كبير يجب أن تُقْدِم عليه الدول الإسلامية.

ويقول د. محمد العادل:

– يجب على الدول الإسلامية معالجة ملف العلاقات بأشقائها في أفريقيا، وأن يؤسس على أرضية صلبة، هذه الأرضية تبدأ بحوار مباشر، وبدون وسطاء غربيين.

– يجب صناعة خبراء في الشأن الأفريقي، وخبراء يتحدثون اللغات الأفريقية، وتأسيس مراكز دراسات مهتمة بالشأن الأفريقي، يجب فهم طموحات الإنسان الأفريقي بغض النظر عن دينه.

– شرط أساسي لبناء شراكة بين العالم الإسلامي وأفريقيا، أن تربط هذه المصالح بالعلم والمعرفة وبالدراسات الإستراتيجية، والاستناد إلى رؤية الخبراء ومراكز الدراسات، ولا تربط فقط بالمصالح التجارية الاقتصادية، على أهميتها.

– يجب مساعدة الشعوب الأفريقية على أن تستعيد هويتها الأفريقية، لكي يتم التعاون مع أفارقة معتزين بهويتهم الأفريقية، لا أفارقة منسلخين عن هويتهم ويتحدثون بلغة المستعمر.

– يجب البحث عن خطاب سياسي وإعلامي متقارب، إن لم يكن مشتركاً، لأن ذلك سيساعد على التحول لقوة اقتصادية حقيقية.

– لكي تكون هذه الشراكة دائمة؛ يتوجب فهم دقيق لطبيعة الثقافة والتراث وطموحات الإنسان الأفريقي، لأنها يمكن أن تهتز بتغيير أي نظام سياسي في الطرفين، بينما حين تربط هذه الشراكة بالعلم والمعرفة، وتُبنى على دراسات علمية ناضجة وعميقة سنضمن ديمومة هذه الشراكة.

وختاماً، فإننا بهذا التحقيق، المكون من جزأين، نضع دليلاً أمام دول العالم الإسلامي، وما بها من حكومات، نخب سياسية، رجال أعمال، باحثين ومتخصصين، جمعيات وجماعات فاعلة، مجتمع مدني، مؤسسات اقتصادية، شركات استثمارية، مؤسسات دعوية؛ لدخول بابٍ واسع، يضمن لها شراكة رابحة بكل المقاييس، ألا وهو القارة السمراء، فهل من مُجيب؟!

Exit mobile version