الوجود الإسلامي بالولايات المتحدة فوق صفيح ساخن.. ماضٍ غامض وحاضر قلق ومستقبل مبشِّر لكن بشروط

رغم اختلاف المؤرخين حول بداية الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، فمن المؤكد أنه كان منذ بداية اكتشافها وربما قبله، حسب كتاب «المخابرات في الدولة الإسلامية» للكاتب محمد هشام الشربيني، الذي أكد وجود دراسات تشير إلى أن المسلمين سبقوا «كريستوفر كولومبوس» في الوصول إلى أمريكا اللاتينية.

هناك دراسات تؤكد أن بحارة مسلمين من بقايا المماليك الأندلسية كانوا ضمن أفراد بعثة «كولومبوس» لتفوقهم في علوم الفلك والملاحة وصناعة السفن، بل إن هناك دلائل أثرية موجودة الآن في متاحف أمريكا اللاتينية تؤكد أن المسلمين هم من اكتشفوا قارة أمريكا قبل «كولومبوس».

«كولومبوس» نفسه أكد، في إحدى المخطوطات التي كتبها بيده، أن الأفارقة المسلمين سبقوه في الوصول إلى القارة الأمريكية، وأن سكان أمريكا الأصليين قد تعلموا كيفية إذابة وصهر الذهب ومزجه بالمعادن الأخرى منهم، من حيث هي طريقة أفريقية خالصة.

المفاجأة أنه جاء في كتاب «صدف غيَّرت التاريخ» للكاتب إبراهيم علي، أن بعض المؤرخين أكدوا أن العرب المسلمين وصلوا إلى أمريكا قبل «كولومبوس» بحوالي 500 سنة، مستنداً إلى المؤرخ الإدريسي في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر» المكتوب عام 956م، حيث حكى عن أحد المغامرين ويدعى «الخشخاش» الذي أبحر في رحلة مع أصحابه في طريق بحر اسمه بحر الظلمات عام 889م، وجد فيها غنائم ومعادن غالية، فكانت هي الأمريكتين.

الأسرع نمواً

رغم تأرجح الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة زيادة ونقصاناً في القرون التالية لاكتشافها، فإن الإسلام يعد الدين الأسرع انتشاراً، والمسلمين الأكثر نمواً بين السكان.

ووفقاً لآخر الإحصاءات، فسيحل المسلمون محل اليهود باعتبارهم ثاني أكبر مجموعة دينية في الولايات المتحدة بحلول عام 2040م، وفقاً لتوقعات مركز «بيو» للأبحاث.

ويتركز المسلمون بشكل كبير في الولايات الساحلية، مثل نيوجيرسي، ونيويورك، وسيكون نموهم فيها أكثر وضوحاً من غيرها من الولايات الأمريكية، كما يمثل الأمريكيون ذوو البشرة السمراء من أفريقيا وكذلك ذوو الأصول الآسيوية والعربية جزءاً لا يستهان به من عدد المسلمين.

تشهد بعض المراجع التاريخية بفظاعة تجربة استرقاق المسلمين وتحويل أسمائهم العربية إلى إنجليزية؛ وكذلك الأسماء القرآنية تحولت إلى شيء مشابه لما ورد في إنجيل نسخة الملك «جيمس»، فمثلاً «موسى» أصبح «موسس»، وكذلك «إبراهيم» أصبح «أبراهام»، وأيضاً «أيوب» أصبح «جايكوب»، و«داود» أصبح «دايفيد»، و«سليمان» أصبح «سولومون».

وقد أشارت الروائية توني موريسون للممارسات التي تعرضت لها الأسماء الإسلامية في روايتها «نشيد سليمان»، وأكد نفس الوقائع عالم الاجتماع الأمريكي نوبل بوكيت، في كتابه «أسماء سوداء في أمريكا: الأصول والاستخدام»، حيث رصد أكثر من 150 اسماً عربياً بين الأفارقة الأمريكيين الذين كان آباؤهم وأجدادهم مسلمين.

أحداث سبتمبر زادت عدد المسلمين.. ودعاة «الإسلاموفوبيا» في اطراد

أحداث 11 سبتمبر

بعد مرور عقدين من الزمان على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، لا يزال العديد من الأمريكيين يخشون جيرانهم المواطنين المسلمين، باعتبارهم إرهابيين أو إرهابيين محتملين أو متعاطفين مع الإرهاب والتطرف.

ويحاول الإعلام الأمريكي التكريس لهذا التوجس حول ذوي الأصول الإسلامية من القادة المسلمين وجميع المنظمات الإسلامية الأمريكية الرئيسة، ولهذا فإن كبار الدعاة يؤكدون للمسلمين أن أفعالهم النموذجية هي أفضل وسيلة لنشر دينهم، لمواجهة أوهام الحالمين بأن «يرفرف عَلَم الهلال فوق البيت الأبيض».

ويؤكد كثيرون من العالمين بطبيعة المجتمع الأمريكي أن سبب تلك الرؤية المتوجسة، بجانب دور الإعلام طبعاً، هو تصرفات بعض الوافدين، الذين يجهلون طبيعة المجتمع الأمريكي وأوضاعه السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية المعقدة، ويرتكبون أخطاء تضر الإسلام وتخدم أعداءه.

ولهذا يتحدثون عن حتمية إنضاج العمل المؤسسي الإسلامي، وأن يكون مرناً وواعياً بالقيم الأمريكية لمواجهة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي تعد من التحديات الحقيقية، خاصة أن هناك حالة من الارتباك لدى الأمريكي المسلم حول الولاء للدين والوطن وخاصة لدى المهاجرين.

وللأسف، فإن هذه الخلافات العرقية والإثنية والمذهبية أحد المعوقات الرئيسة في تاريخهم وواقعهم، والغريب أن أعداء الإسلام يحاولون إشعال تلك الصراعات للإساءة للإسلام، ويوظفون ذلك وفق مخططات معادية للإسلام مثلما تم مع «حركة أمة الإسلام» التي أسسها لويس فرخان.

رغم الاختلافات المذهبية والعرقية بين المسلمين، فإن مركز «بيو» للأبحاث يؤكد أهمية الدين في حياة كثير من المسلمين، حتى إن سبعة من بين كل عشرة من المسلمين في أمريكا أكدوا أن الدين «مهم جدًا» حتى ولو لم يكونوا حريصين على أداء كل الصلوات؛ لأن الثلث فقط يذهبون إلى المسجد للمشاركة في أنشطة اجتماعية أخرى غير العبادات الدينية المألوفة، وينضمون إلى المنظمات الأمريكية الإسلامية.

وأكد المركز أن هناك شريحة من المسلمين الأمريكيين رفضوا الدين، ولا يتصرفون وفقاً له بأي شكل، ويكتفون بتعريف أنفسهم على أساس أصولهم القومية، ويندمجون في الحياة الأمريكية ولا يلتزمون بتعاليم الشريعة حتى في الأحوال الشخصية.

ورصد المركز أيضاً حرص بعض المسلمين الأمريكيين على تأكيد هويتهم الدينية من خلال تزايد أعداد المدارس الإسلامية، وانخراط أطفالهم فيها؛ لأن الكثير من المهاجرين المسلمين لم يندمجوا تماماً في الثقافة الأمريكية الأوسع.

وتضم الولايات المتحدة الكثير من مؤسسات تزعم تمثيل المسلمين فيها، وللأسف فإن بعض هذه المؤسسات تفتقد القدرة على صياغة الأجندة الإسلامية الأمريكية، إلا أنها تتواجد في الحوارات مع النخب غير المسلمة في وسائل الإعلام والحكومة والأكاديميات، رغم وجود خلاف بين قادة وأعضاء هذه المنظمات لاختلافاتهم الأيديولوجية والعرقية والمذهبية، ما أعطى أعداء الوجود الإسلامي فرصة لتسميتها «القلاع الإسلامية»، التي يجب إلغاؤها أو الحد من نفوذها والسيطرة عليها وجعلها موضع اتهام دائم.

وقد تسببت التدخلات الأمريكية في شؤون العالمين العربي والإسلامي بحدوث الكثير من الصراعات في صفوف المسلمين الأمريكيين، مثل حرب الخليج الثانية وغزو العراق للكويت، وكذلك الحرب على أفغانستان والخلاف حول وجود مجندين مسلمين في صفوف الجيوش الأمريكية، ومشروعية قتلهم لإخوانهم العرب والمسلمين.

الصراعات القومية والمذهبية كارثة بين مسلمي أمريكا وتكوين «لوبي» حلم صعب المنال

«لوبي» إسلامي

كما يلاحظ فشل القادة المسلمين في تكوين «لوبي» إسلامي يخدم مصالح المسلمين، ويكون قادراً على جعلهم رقماً في المعادلة الأمريكية، خاصة في أوقات الانتخابات، على اعتبار أنها الحلقة الأهم في صياغة السياسات الأمريكية، وإن كان لهم دور لا يمكن إغفاله في ترجيح كفة «بايدن» في بعض الولايات بالانتخابات الأخيرة، وهو ما يجب الانطلاق منه والبناء عليه في المستقبل ليكون لصوتهم ثمن لصالح قضاياهم؛ وهو ما لا يتحقق إلا بوجود «لوبي» بما تعنيه الكلمة وليس مجرد أصوات فردية.

وبعيداً عن تحميل المسلمين الأمريكيين مسؤولية عدم قدرتهم على صناعة هذا «اللوبي»، فإن كثيرين يتحدثون عن معاناة يفرضها عليهم «لوبيات» كثيرة هناك، ليبقوا في مربع الدفاع دوماً ولا يغادروه؛ حيث يؤكدون أنه رغم أن المادة الأولى من الدستور الأمريكي تنص على «حماية الحرية الدينية»، فبعد 11 سبتمبر 2001م ارتفعت أصوات في الولايات المتحدة تطالب باستثناء الإسلام من هذه الحماية الدستورية، ويعارض أصحاب نظرية الاستثناء هذه أي مشروع لبناء مسجد جديد.

لكن رغم هذه المعارضات أشار تقرير «المسجد الأمريكي 2011» إلى أنَّ عدد المساجد ارتفع من 1209 في العام 2000 إلى 2106 في العام 2011م، وهو العقد الذي يبدأ بأحداث 11 سبتمبر التي كان لها تأثيرها في إقبال الناس للتعرف على الإسلام فزاد عدد الداخلين فيه.

ومع ذلك، كان 54% من الأمريكيين في عام 2000م يتهمون الإسلام بأنه دين معاد، ورغم أن هذه النسبة انخفضت الآن إلى 25%، فإن الذين يعتبرون الإسلام معادياً زادت نسبتهم في الولايات الجنوبية التي تعرف بـ«الحزام الإنجيلي»، لدرجة أن استحدثت الشرطة فِرقاً خاصة تجيد كل لغات العرب والمسلمين لمراقبتهم والتجسس عليهم وإعداد تقارير دورية عنهم!

Exit mobile version