قرار تبون وضع حد لـ”الأعمال التحريضية” خلال مسيرات الحراك يثير جدلاً بالجزائر

خلفت توجيهات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، أمس الثلاثاء، بوضع حد لـ”الأعمال التحريضية والانحرافات الخطيرة” من قبل “أوساط انفصالية وحركات غير شرعية ذات مرجعية قريبة من الإرهاب” تستغل المسيرات الأسبوعية للحراك الشعبي، تبايناً حول خلفيات هذه القرارات.

ورأى متابعون أن تصريحات تبون خلال اجتماع المجلس الأعلى للأمن، مساء أمس، كان يقصد بها حركة “الماك” التي تطالب بالحكم الذاتي في منطقة القبائل، وتنظيم “رشاد” الذي ينشط في صفوفه مناضلو “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” المحظورة.

وجاء في بيان رئاسة الجمهورية أن الدولة لن تتسامح مع هذه الانحرافات التي لا تمت بصلة للديمقراطية وحقوق الإنسان، وأمر بالتطبيق الفوري والصارم للقانون ووضع حد لهذه النشاطات غير البريئة والتجاوزات غير المسبوقة، خاصة تجاه مؤسسات الدولة ورموزها والتي تحاول عرقلة المسار الديمقراطي والتنموي في الجزائر.

وتعتبر هذه الإجراءات مرحلة جديدة تدخلها السلطة في الجزائر في تعاطيها مع الحراك أو مع مكونات منه، كما يرى مراقبون، إذ سبق ذلك بأن قدمت مشروع قانون لسحب الجنسية من المواطنين المقيمين في الخارج الذين يهددون أمن الدولة أو يتعاونون مع دول تعتبرها الجزائر عدوة، قبل أن يعلن الرئيس تبون عن سحبه للقرار بسبب الجدل الذي رافقه.

وأصدر القضاء الجزائري، الشهر الماضي، أوامر بالقبض الدولي ضد 4 معارضين في الخارج، ويتعلق الأمر بكل من الدبلوماسي السابق محمد زيتوت، الذي يعد أحد قادة حركة رشاد الإسلامي المحظور في الجزائر، وينشط في صفوفها عناصر الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلولة، حسب السلطات الجزائرية، والضابط السابق في المخابرات هشام عبود، المقيم بفرنسا الذي حكم عليه القضاء الجزائر بالسجن سبع سنوات غيابياً، الشهر الماضي، وكان قد خرج من الجزائر في عام 2013 بعدما كان ممنوعاً من السفر، والمدون أمير بوخرص المعروف بـأمير دي زد والمقيم أيضاً بفرنسا، ومحمد عبدالله، الدركي السابق، وجهت لهم تهم في قضية جنائية خطيرة تمس بالنظام العام وأمن الدولة واستقرارها.

وكانت السلطة قد عبرت في أكثر من مرة عن امتعاضها من الشعارات التي ترفع خلال مسيرات الحراك خاصة تلك التي تقول: إنها تستهدف مؤسسة الجيش، ووصف مقال صدر بمجلة “الجيش”، الشهر الماضي، شعار دولة مدنية وليس عسكرية، بأنه شعار أحمق وظفته العصابة بخبث للتلاعب بعقول المواطنين.

وفي قراءته لتوجيهات تبون يعتقد الإعلامي محمد سيدمو أن هذه التصريحات لا تخرج عن سياق الموقف الذي اتخذته السلطات من مسيرات الحراك الشعبي بعد أن فاجأتها عودته القوية منذ الذكرى الثانية للحراك في فبراير الماضي.

وقال سيدمو، المختص في الشأن السياسي الجزائري، في تصريح لـ”القدس العربي”: إن هناك نوعاً من الحرب النفسية الموجهة ضد المتظاهرين، من أجل دفعهم للانسحاب من الشارع والتوجه نحو الأطر التي رسمتها السلطة لممارسة السياسة، خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية.

وبحسب سيدمو، فإن القراءة التي تدعي سيطرة حركة “الماك” الانفصالية، أو حركة “رشاد” المكونة من أعضاء سابقين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، غير صحيحة تماماً؛ لأنه وفق تقديره غالبية المتظاهرين لا يظهرون توجهات سياسية أيديولوجية، وهم أوفياء لمطالب الحراك الشعبي في نسخته الأولى قبل وقف المظاهرات، المركزة على مسألة تمدين نظام الحكم وشرعية المؤسسات المستمدة من الإرادة الشعبية.

ويرى المتحدث أن هناك نوعاً من التصادم الفكري الحاد، بين نظرة الحراك الشعبي ونظرة السلطة، لذلك تنحو المواقف للراديكالية، التي تبرز في بعض الشعارات الحادة من جانب المتظاهرين، أو من الاتهامات غير الواقعية من جهة السلطة للمتظاهرين.

في المقابل، قال الإعلامي رياض هويلي، رئيس تحرير جريدة “أخبار الوطن”، في تصريح لـ”القدس العربي”: إن البيان الصادر عن المجلس الأعلى للأمن بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون يبين أن المعطيات المتوفرة لدى الأجهزة الأمنية مخيفة، من حيث وجود أطراف راديكالية تحاول استغلال المسيرات الشعبية وجرها إلى التصادم مع قوات الأمن سواء من خلال استفزاز عناصر الشرطة بالسب والشتم أو بشعارات قاسية تتهم الجيش والمخابرات، أو باستخدام القصر في ادعاءات لتشويه المؤسسات.

وشدد رياض هويلي، في سياق قراءته لبيان رئاسة الجمهورية، على أن حراك الجزائريين سلمي ويهدف إلى تكريس دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية وقيم الديمقراطية، لكن بعيداً عن التصادم والعنف.

وذهب رئيس تحرير جريدة “أخبار الوطن” إلى بقاء الحراك دون تمثيل أو على الأقل لم تنبثق عنه قيادات جعل الطرف الراديكالي داخل الحراك يحاول الاستفراد به وتوجيهه إلى غايات ليست هي غايات الجزائريين ويختم المتحدث بالقول: إن الحوار يبقى اليوم مفتاحاً لكل المشكلات العالقة.

Exit mobile version