ترسيم الحدود مع سورية.. “قنبلة” لبنانية موقوتة

تشغل مسألة ترسيم الحدود البحرية الرأي العام اللبناني مجدداً، وهذه المرّة من الجهّة الشماليّة للحدود، أي مع سورية التي وقّعت، مطلع مارس الماضي، عقداً مع شركة “كابيتال” الروسيّة للقيام بعملية مسح وتنقيب عن النفط.

وبموجب العقد الموقع بين الطرفين، يمنح النظام السوري الشركة الروسية حقاً حصرياً في التنقيب عن البترول.

وتبيّن من خلال العقد الموقع بين الطرفين أنّ الحدود البحريّة التي حدّدتها الدولة السوريّة، وخصوصاً في “بلوك رقم1” مُتداخلة مع “بلوك رقم1″، و”بلوك رقم 2” من الجهّة اللبنانيّة، أي ما يُقارب 750 كيلومتراً مربعاً داخل الحدود اللبنانيّة.

الخلاف الحدودي عاد إلى الواجهة مجدداً وهذه المرّة بين بيروت ودمشق

هذه القضية المستجدة على الساحة اللبنانية دفعت رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الاتصال برئيس النظام السوري بشار الأسد للبحث في ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، حسب ما كشف وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية شربل وهبة، أمس الثلاثاء.

وقال وهبة، في حديث إلى قناة “أم تي في” اللبنانية: إن ميشال عون أكد، خلال الاتصال، أن “لبنان لن يقبل الانتقاص من سيادته بالمياه”، مؤكداً أن بلاده “تتمسك بترسيم الحدود، وتدعو الجانب السوري للتفاوض”.

وشدد وهبة على أن “آخر الدواء هو اللجوء إلى المحاكم الدولية، لكننا لسنا اليوم في وارد الهجوم على سورية”.

وتعود قضية ترسيم الحدود اللبنانية مع سورية إلى عام 2011، عندما أصدرت الحكومة اللبنانية مرسوماً برقم (6433)، الذي رسّم من جانب واحد حدود لبنان البحرية الشمالية والجنوبية والغربية، قبل أن تودعه في الأمم المتحدة لحفظ حقوق بلادها، حينها، جرَت مراسلة الدولة السورية من جانب وزارة الخارجية اللبنانية.

وحُرِّك الملف لاحقاً، مع إطلاق دورة التراخيص للتنقيب عن النفط، لكن الملف “نامَ في الأدراج”، بسبب التطورات الأمنية والعسكرية والسياسية في سورية، وتمسك لبنان بسياسة “النأي بالنفس”.

وعاد الملف إلى الواجهة مجدداً مع توقيع عقد بين وزارة النفط والثروة المعدنية السورية وشركة “كابيتال” الروسية للتنقيب عن البترول في البلوك رقم (1) (السوري) في محاذاة الحدود مع لبنان.

وبهذا الخصوص، أوضحت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط، خبيرة سياسات النفط، لوري هايتيان، أن “العقد الذي أبرم (بين الجانبين السوري والروسي) تبيّن أنّه وقع منذ عام، إلّا أنّ المستجد، في مطلع مارس الماضي، أن البرلمان السوري وافق على العقد وبات نافذاً عبر القانون”.

عون للأسد: لبنان لن يقبل الانتقاص من سيادته بالمياه

وفي تصريح لـ”الأناضول”، قالت هايتيان: “هذا يدل على أن هناك مشكلة فعليّة مع الجانب السوري، لأنه ليس هناك ترسيم حدودي (للبنان) مع سورية”، مُردفةً: “لا نعلم إن كانت الحكومة اللبنانية على دراية بموضوع إبرام العقد أم لا”.

وتابعت: “باتت هذه المسألة معلومة الآن، وعلى الحكومة اللبنانية أن تصدر موقفاً ما، لأنّ الجوهر الأساسي في المسألة أنّنا لم نقم بترسيم حدود بحريّة مع سورية رسميّاً”.

وأشارت إلى أن “لبنان رسم (من جانب واحد) حدوده عام 2011، ولكنّ عندما فتحت الحكومة اللبنانية باب التراخيص الأولى عام 2013، كان البلوك الأوّل من الجانب اللبناني مفتوحاً للتلزيم (منح حق التنقيب)، غير أنّ الجانب السوري قدّم اعتراضه على الأمر للأمم المتحدة، حتى بعدما أبلغ الجانب اللبناني الطرف السوري بأنّه يجب التشاور في المسألة”.

وأضافت: “اليوم بتنا في وضع مغاير تماماً، إذ عمدت سورية إلى تلزيم البلوك رقم (1) لشركة روسية، ونحن علينا كدولة لبنانية -كما فعلت سورية سابقاً عام 2013- أن نعترض على هذه الخطوة”.

وعن تداعيات المسألة على الجانب اللبناني، قالت هايتيان: “بحسب البند، فإنه فور السير بالعقد ستضع الشركة خطة عمل للمباشرة بها، وتكمن المشكلة في أن هناك منطقة متداخلة بين البلوك (1) السوري والبلوك (1) و(2) اللبناني، وبمساحة 750 كيلومتراً مربعاً”.

وزير الخارجية اللبناني: آخر الدواء هو اللجوء إلى المحاكم الدولية ولسنا في وارد الهجوم على سورية

ورأت أنّ “على الحكومة اللبنانية أن تراسل الجانب السوري وتستوضح منه عما يحصل، وعليها التدخل فوراً للحفاظ على حقّنا”.

وختمت: “إما أن تمتنع الشركة عن الدخول إلى البلوك (1) و(2) داخل الحدود اللبنانية، وإما نتجه نحو مفاوضات مباشرة مع الطرف السوري، وإن كان هناك مشكلة في المفاوضات المباشرة، فبإمكان الجانب الروسي أن يقوم بهذا الأمر”.

وفي هذا السياق، لفت النائب وهبة قاطيشا (عميد متقاعد في الجيش اللبناني) إلى أنّ “الحكومة اللبنانية غائبة عن الوعي، ومنظومة الحكم ألغت الوضع اللبناني حيال سورية وجميع الدول”.

وفي تصريح لـ”الأناضول”، قال قطيشا: “نحن لا ننتظر أن يكون هناك أي تحرك فعلي للمطالبة بحقوق لبنان بشكل رسمي”.

وتابع: “علينا أن نضغط على الخارجية اللبنانية لترسل تنبيهاً إلى الأمم المتحدة والجانب السوري، كما إلى الشركة الروسية”.

الخبيرة في سياسات النفط هايتيان: هناك مشكلة فعلية وعلى الحكومة أن تصدر موقفاً من المسألة

وأعرب النائب عن أسفه من أنّ “تكون المنظومة الحاكمة في البلاد باعت لبنان للجانب السوري”، معتبرًا أنّ “الجانب اللبناني يخاف من الجانب السوري، أي نظام الأسد” (من دون تفاصيل).

وعلى الصعيد القانوني، قال أستاذ القانون الدولي أنطوان سعد: “بالنسبة إلى الاعتداء السوري على المياه اللبنانية، واستناداً إلى اتفاقية “مونتيغو باي” (اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار)، إمّا أن يلجأ لبنان إلى محكمة قانون البحار، وإمّا الذهاب إلى لجنة تحكيمية بحيث تختار سوريا محكّمين، ولبنان أيضاً محكّمين”.

وتابع سعد، في حديثه لـ”الأناضول”: “وعندها يختارون طرفاً خامساً ليشكلوا هيئة تحكيمية، وغالباً ما تتخذ الهيئة مركز إقامة في الخارج مقراً لعملها، بعيداً عن الجغرافيا اللبنانية أو السورية”.

وأوضح أنّه “يمكن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة”، معتبرًا أن “الاعتداء ليس فقط بسبب سورية، وإنما أيضاً على الشركة التي تمارس التنقيب، لكونها تدرك جيداً أنه لا يمكن أن تقترب من مساحة متنازع عليها”.

النائب قاطيشا: الحكومة غائبة عن الوعي والمنظومة الحاكمة باعت لبنان للجانب السوري

والخميس، بحثت وزيرة الدفاع اللبنانية زينة عكر، مع كل من وزير الخارجية شربل وهبة والقاضي جان قزي، مستجدات ملف حدود لبنان البحرية شمالاً (مع سورية) وجنوباً (مع “إسرائيل”)، وتوافقوا على متابعة التطورات، وفق بيان لوزارة الدفاع.

وحول سبب صمت الجانب اللبناني، اعتبر المحلل السياسي طوني بولس، في حديث لـ”الأناضول” أنّ “الصمت اللبناني على الانتهاك السيادي من الجانب اللبناني يأتي نتيجة هيمنة “حزب الله”، حليف النظام السوري، على السلطة اللبنانية”.

وقال بولس: “يجب العلم أن أيديولوجيا الحزب هي نزع الحدود بين الدول، وبالأساس، فإن الحزب أزال الحدود بين لبنان وسورية من خلال المعابر غير الشرعية، وكذلك المقاتلين التابعين للحزب الذين يذهبون إلى سورية لمساندة النظام”.

ويشارك “حزب الله” منذ عام 2013 في القتال إلى جانب النظام السوري، وأدخل (عبر الحدود البرية) آلاف المقاتلين التابعين له إلى عدد من المحافظات السورية لمساندة حليفه الأسد بغية إبقائه في السلطة.

Exit mobile version