العلاقات التركية المصرية.. إلى أين؟ ولماذا؟ رؤية سياسية

– أردوغان يدير مخاطر جغرافية وسياسية واقتصادية في مشهد دولي متحرك، ذي ديناميكية سياسية شديدة وسريعة التغيير، فهو لا ينام ويصحو على مبادئ أخرى، بل يستيقظ على متغيرات سياسية تطلب منه التعامل معها بعقلية سياسية تكون في صالح الأمن القومي التركي ومستقبله. 

– مصر غدرت بها اليونان وقبرص و”تل أبيب” في معادلة مصالح البحر المتوسط الحساسة، والمحيط الدولي والخليجي يتحول حولها وتدخل في عزلة، خصوصاً بعد تغيير المشهد السياسي الدولي، وانسحاب الدور الإماراتي من المنطقة الأفريقية، وأيضًا لغة الخطاب الأمريكي تجاه السعودية، في حين تصاعد الدور التركي في المنطقة، وأيضًا كونها شريكاً في حلف شمال الأطلسي، وصعودها كقوة إقليمية صناعية عسكرية، فهي تفيد مصر كشريك سياسي عسكري اقتصادي. 

– ترسيم الحدود والمتوسط أولوية تركية حاسمة وأبعد زمنياً ومبدئياً من العلاقة مع السيسي أو أي رئيس سيذهب أو سيأتي، فمعركة المتوسط والغاز أولوية كبرى للإدارة التركية.

– على أرض الواقع: المعارضة المصرية علاقتها بمصر باتت مسألة حقوق إنسان وحريات سياسية نسبية، تدار في المشهد العالمي مؤخراً بضغط أمريكي وأوروبي، وهذا مؤثر أكثر من الدور التركي الذي يفضل أن يبتعد قليلاً سياسياً حتى لا يساعد السيسي في تغطية عورته بتحفيز الاستقطاب الدولي الأيديولوجي ضد أردوغان، وأيضاً تدرك الإدارة التركية ضعف المعارضة وعدم توحدها إلى الآن رغم التمويلات والقنوات الإعلامية، فهي غير قادرة سياسيًا وتفتقد الرؤية والتحول والتغيير، بل أصبحت معركة المعارضة بكافة مسمياتها هي معركة تمويلات ومكاسب ضيقة، فلذلك أصبحت عبئاً على النظام التركي، وتجعله يخسر حلفاء وأسواقاً تجارية مهمة في ظل محاربة الأقطاب الدولية للاقتصاد التركي، فلذلك شرع النظام التركي في إعادة رؤيته تجاه المعارضة الموجودة على أرضه، بل سيعمل على تحجيمها، مع ضمان دور لها في المستقبل في أوطانها، وفقًا للاتفاقيات والمفاوضات السارية حاليًا بين مصر وتركيا من جهة، وتركيا والمملكة العربية السعودية من جهة، فالمعارضة الحالية ليس لها تأثير على الشارع، ولم تنجح في توحيد صفوفها ولا قيادتها إلى الآن ولا حتى برامجها ورؤيتها السياسية، فمن هنا يسهل استبدالها إلى “السوشيال ميديا” إذا أراد النظام التركي ذلك في أي وقت، فلذلك أصبح الأتراك باتوا يعون مبالغة قادة المعارضات العربية في قدراتهم على تغيير المشهد في دولهم بسرعة، مع تمحور فئات منهم خلف همومهم الشخصية كالتجنس والاستثمار والتعليم.

– نجد في مصفوفة إدارة سياسة المخاطر؛ “ترتب أولوياتك حسب شدة أثر المخاطر واحتمال وقوعها والإجراءات الممكن اتخاذها وتكاليفها”، من هنا تعمل الإدارة التركية بمثل هذه المصفوفات وترتب أولوياتها الآن حسب التغييرات السريعة للسياسة الدولية، ومتطلبات التغيير وفقًا لمكاسب تركيا ودورها المستقبلي. 

– أردوغان لديه معركة داخلية حاسمة كشفت عنها بالخصوص أحداث الجامعة، هناك اختراق يجب معه إعادة رص الصف الداخلي ولو مؤقتاً إلى حين التخلص من العلمانية.

– أرى أن هناك اتفاقية سرية بين النظام التركي والأمريكي في ظل اشتعال حرب باردة شديدة بين أمريكا وحلفائها من جهة، وروسيا والصين وكوريا الشمالية من جهة أخرى، فهذا الضمان الأمريكي لتركيا يتضمن الحفاظ على تركيا كقوة إقليمية، وأيضًا الحفاظ على التيار الإسلامي، وحماية حقوق الإنسان في مصر وعودة الأحزاب، وتغيير في آلية إدارة النظام المصري الحالي، بل من الممكن تغييره على مدى متدرج، فسنجد إفراجات بالجملة، عودة القنوات المعارضة، عودة التيار الإسلامي في مصر وبعض الدول العربية بزيّ وشكل جديد، فأمريكا تريد إدارة الشرق عن طريق حليف قوي متمثل في تركيا، وذلك لصعود توترات الحرب الباردة من جديد وستنشغل بها عن كثير من قضايا الشرق. 

– فهناك رؤية تقول: “قد تقبل بخطورة ما أو ترفضها لتقبل دفع ثمنها أو تقلل حدتها أو تنقلها لغيرك إن كان ممكناً”، فلنطبق هذا على ترسيم الحدود والتحالفات والاقتصاد والإعلام وسنفهم كيف ولماذا!

فمن هنا أطرح عليك سؤالاً عزيزي القارئ وهو: مصر وتركيا إلى أين من وجهة نظرك؟

 

 

_________________________________

(*) باحث في التاريخ السياسي- جامعة أولوداغ. 

Exit mobile version