مستجدات الحرب في اليمن.. لماذا يستميت الحوثيون للسيطرة على مأرب؟

أصبحت محافظة مأرب اليمنية من أكثر ساحات المواجهة إثارة عسكرياً والأكثر اهتماماً في الأوساط السياسية، والمتابعة من المراقبين للشأن اليمني، ولا يزال الهجوم والحشد والضغط العسكري والزحف لجماعة الحوثي المتمردة في اليمن على مدينة مأرب شرقي البلاد، متواصلاً منذ نحو شهر ونصف شهر، في محاولة للسيطرة على المحافظة الإستراتيجية، وسط عجز حكومي وتجاهل دولي، وهو ما يهدد بنزوح نحو مليوني نازح بسبب الصراع المستميت والقتال الدائرة في المدينة.

قتال عنيف

وعلى مدار 6 سنوات مضت لم تتوقف جماعة الحوثي عن افتعال المعارك في عدة مدن يمنية وتوقفها بين الحين والآخر، لكن مع مأرب القتال مستمر، ولكن بشكل متفاوت بين اشتباكات محدودة وقتال عنيف يصل إلى المواجهة من نقطة صفر.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الأسباب التي تقف إصرار جماعة الحوثي على السيطرة على المدينة، في هذا التقرير نكشف ونناقش هذه الأسباب.

6 سنوات من المحاولة

تحاول جماعة الحوثي منذ نحو 6 سنوات السيطرة على المدينة التي تقع تحت سيطرة القوات الحكومية اليمنية، لكنهم كثفوا هجماتهم مؤخراً بكل قوتهم، قبل الدخول في أي محادثات جديدة مع الحكومة المعترف بها خصوصاً في ظل ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للدفع باتجاه الحل السياسي.

على مدار 6 سنوات لم يتوقف الحوثي عن القتال للسيطرة على مأرب

توقيت التصعيد

والمتابع لمجريات ومستجدات الحرب في اليمن يجد أن الحوثيين بعد أن أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مطلع فبراير، إلغاء تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية (طرحته إدارة ترمب)، بدؤوا بشن هجماتهم على مأرب، مستغلين الضغوط الأمريكية على السعودية، التي كان من بينها وقف بيع الأسلحة للرياض.

وحقق الحوثيون تقدماً في بعض المناطق باتجاه مدينة مأرب، وسط مقاومة كبيرة من قوات الجيش اليمني والقبائل، ودعم جوي محدود من التحالف العربي الذي تقوده السعودية.

وحشد الحوثيون قواتهم الموجودة في عدة جبهات داخل اليمن إلى مأرب، للسيطرة عليها، وهو ما انعكس على خسارتهم لمواقع في تعز التي حققت فيها قوات الجيش تقدماً كبيراً، وهو ما يعني أن المليشيا مصممة على السيطرة على المدينة الغنية بالنفط والغاز، حتى وإن خسرت مواقع في مدن أخرى.

السيطرة قبل الحوار

من الواضح أن الحوثيين يسعون من خلال ضغطهم المستمر باتجاه مدينة مأرب إلى السيطرة على المدينة قبل الدخول في أي محادثات جديدة مع الحكومة المعترف بها دولياً، تزامناً مع تحركات أمريكية يقودها تيموثي ليندر كينغ، المبعوث الخاص بالرئيس الأمريكي إلى اليمن، للدفع باتجاه الحل السياسي.

وينظر الحوثيون إلى مأرب باعتبارها آخر مدينة شمالية تسيطر عليها الحكومة الشرعية، خصوصاً بعد سقوط معظم مناطق محافظة الجوف الحدودية مع مأرب والسعودية بأيديهم.

النفط والمقاومة

جدير بالذكر أن مأرب مدينة غنية بالنفط والغاز يصل إنتاجها إلى 20 ألف برميل يومياً نصفها للإنتاج المحلي، كما تضم مصفاة “صافر”، إحدى مصفاتَي النفط في اليمن، في وقت لا تخضع لسيطرة الحوثيين أي منطقة نفطية.

علاوة على ذلك، فإن السيطرة على مأرب تعني القضاء على أي مقاومة ضدهم؛ لكون مأرب المدينة الوحيدة شمالاً التي لم تسقط بيد الحوثيين منذ أن سيطروا على الحكم في اليمن في سبتمبر 2014.

كما أن لهجوم الحوثي الراهن على مأرب تفسيرات عدة، أبرزها أن إيران تريد بعد تعيينها حسن إيرلو سفيراً لها في صنعاء أن تكون لها اليد الطولى في البلاد، وأن التصعيد قد يدفع إلى تحسين موقف إيران بشأن ملفها النووي.

مليشيا الحوثي مصممة على السيطرة على المدينة الغنية بالنفط والغاز

مأرب ومشروع الحوثي

وفيما يبدو أن الحوثيين يعتقدون أن السيطرة على مأرب بمثابة إحكام سيطرتهم على شمال اليمن، باعتبار مأرب العقبة الكبيرة التي تقف في طريق مشروعهم لا سيما أن السيطرة على مأرب وهي آخر المعاقل القوية للحكومة، يعتبر حسماً لسعيهم نحو التهام السلطة، أما السيطرة على الجنوب فهو تحصيل حاصل، فالانتقالي جاهز للانقضاض على الحكومة، وسيجري الطرفان تفاهمات واتفاقات هناك.

كذلك من الواضح أن هدف الحوثيين تحسين موقفهم التفاوضي، لكن ذلك لا يعني أنهم لن يتخلوا عن فكرة التقدم أكثر ربما نحو شبوة وحضرموت وهي مدن تهم الحوثي في الموارد النفطية.

الموقف الحكومي

الملاحظ أن الموقف الحكومي اليمني الغاضب من المجتمع الدولي كان واضحاً، ففي 4 مارس 2021 حيث قال رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك: “إن الموقف الدولي المتراخي في التعامل مع مليشيا الحوثي يدفعها لتحدي جهود إحلال السلام ويشجعها على ممارسة المزيد من جرائمها وإيغالها في دماء اليمنيين ومضاعفتها للأعمال المهددة لأمن اليمن وجيرانه ومحيطه الإقليمي والعالمي”.

وانتقد نائب الرئيس اليمني علي محسن صالح، الموقف الدولي من جماعة الحوثي، عندما بدأت المعارك بمأرب مطلع فبراير، ووصفه بـ”المتردد وغير الحازم، في التعامل مع جماعة الحوثي كجماعة إرهابية عنصرية”.

مأرب مدينة غنية بالنفط والغاز يصل إنتاجها إلى 20 ألف برميل يومياً

موقف دولي متخاذل

لم تحظَ مأرب بالتحرك الدولي اللازم كما كان في المعارك في مدينة الحديدة قبل عدة أعوام، فالموقف الدولي اقتصر على بيانات محدودة، يصفها اليمنيون بالمتخاذلة فقد خرجت الأمم المتحدة وأمريكا والاتحاد الأوروبي ببيانات تدعو إلى وقف الحرب في مأرب، والمضي نحو سلام دائم ينهي مأساة اليمن ويخفف من آثار الحرب الإنسانية، على عكس معارك الحديدة منتصف 2018، التي سارعت الأمم المتحدة لوقف الحرب عبر اتفاق “إستوكهولم”، بعدما كادت القوات الحكومية والتحالف على مشارف المدينة.

Exit mobile version