الكيِّس الفطن.. والشدائد

الشدائد تنبّه الكيّس الفطن ذا العقل الواعي المتحفز للخير والنجاح دائمًا؛ وتُنعش قلب المؤمن الراقي؛ لأنها ترفع رصيده في حسن الظن بالله تعالى، لعلمه أنها -الشدائد- تمحو بفضل الله تعالى الذنوب، وهي مدعاة ومحفز لالتفات الصالحين من إخوانك بالدعاء لك والتعاطف معك، ومن ثم كشف معادن الإخوة والرجال والأحباب، وهي مؤشر (ترمومتر) لقياس الصبر والاحتساب، والحمد والشكر لله، وهي من أصول ارتفاع الإيمان للمؤمن الحق، واطمئنانه ورضاه بأقدار الله تعالى؛ ومن ثم رضا الله سبحانه وتعالى عنه، كما بيَّن ذلك الله تعالى في كتابه العظيم: (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) (التوبة: 100).

الشدائد والمحن.. الكيس الفطن محسن الظن بربه جل وعلا يجعل منها بحرًا من رضا الله تعالى لا يحده حد، ولا عد له ولا قياس، فهو بحر العفو والمغفرة والرحمة فهو الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى.

والتقرب له بها -المحن- صبرًا وشكرًا مع بذل الأسباب والتوكل عليه، فهي لا شك بها تتلاشى الذنوب، وتنكسر النفوس المتعالية، وينتفي الكبر والعُجب في النفس والعمل، فهي بوصلة الرجوع إلى الله تعالى، والدليل الحق إلى صواب الطريق للصراط المستقيم.

نعم، البوصلة التي لا خطأ فيها، والسير عليها هو الصواب والدليل الحق، لا خطأ فيه ولا ضياع حين المسير عليها ما بين الصبر والشكر وحسن الظن بالله تعالى.

بالشدائد نتذكر يوم الجمع الذي يقول الله تعالى في بيانه: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (آل عمران: 9).

هو ميعاد ووعد وسيتم بأقدار الله تعالى وبعلمه جل جلاله، وهذا يجعلنا بالشدائد نطمئن لعدالة الله تعالى، ونزداد يقينًا بحسن ظننا في ربنا، فمن صبر هنا أفلح هناك في الآخرة، ومن ترفع عن الحزن هنا أسعده الله تعالى هناك، ولا يرى أحزانًا، ومن ظُلم هنا من ظالم، سعد بالعدل والعدالة يوم اللقاء العظيم، يوم جمع الخلائق في يوم الدين.

فالصبر الصبر إخواني، والشكر الشكر أحبابي، والحمد الحمد للمحمود المعبود الذي يحمد ويشكر على كل حال وأي حال سبحانه وتعالى، خلق كل شيء، وقدر الأرزاق والأقدار لكل ما هو خير.

نحمد الله ونشكره؛ فالخير فيما يختاره الله تعالى، ولا ينبغي أن نفكر فيما فات، يجب أن نعمل اليوم ليومنا، وإذا فكرنا مستقبلًا فكرنا في الأعمال التي يحبها الله ربنا العظيم رب السماوات والأرض ومالك يوم الدين، ولا ننظر إلا فيما نحن فيه، ومحورها تلك الأعمال التفاؤل بالخير والنجاح، وإن خاصمنا خصماً استباقًا، فلنضع رضا الله تعالى نصب أعيننا لا رضا العباد، فإن كان من خاصمنا يرعى الله فإنه لا يفجر، وإن كان من أهل المكر، فكن أنت من هؤلاء: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران: 173).

نعم أخي في الله، فإن فاتك ما فات فاعلم أن الله تعالى اختار ذلك والخيرة ما اختاره الله تعالى.

لا ترجع تفكيرًا إلى الوراء وفيما فات ومن ثم تتوقف أو تتردد بإنجازك الحالي؛ وتصاب بالتسويف والغفلة عن حمد الله تعالى وشكره، اعمل اليوم بالمتاح وابذل كل الأسباب والجهد وتوكل على الله تعالى ولا تتردد، ولا تتخوف من المستقبل والصورة السلبية الاستباقية مستقبلًا! اسعَ بكل ما تستطيع لتنجح اليوم، فالتفكير في الماضي وإخفاقاته والخوف من المستقبل وكبواته من المؤكد مجلبة الحزن والتسويف والتوقف، وهو دليل على أن هذا الإنسان لا يجيد استغلال ما يملك من قدرات وخيرات منحه الله إياها، ولا يجيد العمل بها وفيها إيجابًا!

نعم، التفكير في الماضي المخيف يؤدي إلى التوقف والتسويف، ويؤدي إلى الخوف مستقبلًا، فأنت مؤمن بالله تعالى الذي منَّ عليك بالعقل والقوة، وترك لك الإرادة وتقدير الموقف لتعمل ليومك وتتغلب على هواجس النفس الأمارة بالسوء وتداعياتها، فهذه النفس وظلالها السلبية لا تؤدي إلا إلى الهلاك دنيا وآخرة.

نسأل الله تعالى السلامة والعفو والعافية.

 

 

__________________

إعلامي كويتي.

Exit mobile version