كيف تنسج “إسرائيل” شباكها لتجنيد الشباب العربي؟

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الحسابات، بعضها باسم حسناوات، وأخرى بأسماء صحفيين وموظفين وحتى عسكريين «إسرائيليين»، يروجون لدولتهم، وفي الوقت ذاته ينسجون الشباك للشباب العربي والمثقفين لغسيل المخ وتغييب الوعي واللعب في عقول العرب.

يواكب العدو الصهيوني التطورات بالعالم العربي من خلال رصد مواقع التواصل الاجتماعي، ويسعى من خلال وحدات خاصة إلى التأثير على الرأي العام العربي لصالحه، ويقوم باستغلال نجومية نساء «إسرائيليات» للتمهيد للتطبيع والتواصل مع الشباب في دول عربية مختلفة.

ساعد على هذا هوجة التطبيع العربي الأخيرة، التي جعلت الصهاينة يقسمون أنفسهم قسمين؛ أحدهما يستمر في اللعب على عقول الشباب الرافض للتطبيع، والآخر يسعى لغسيل مخ كامل لمن يقبلون التطبيع، ويفتح معهم حوارات مباشرة.

بسبب التطبيع العربي، وصل الأمر بالناطق باسم جيش الاحتلال الصهيوني للإعلام العربي «أفيخاي أدرعي» لإطلاق حساب له على موقع «تيك توك»، يخاطب الجيل الجديد وهو يستمع إلى أغاني المهرجانات ويستخدم هاشتاج (وسم) «إسرائيلي وأفتخر»!

نساء لتسويق التطبيع!

ويؤكد موقع «ماكور ريشون الإسرائيلي» أنه قبل أن تقلع الطائرة «الإسرائيلية» الأولى إلى دبي عقب اتفاقية التطبيع، بدأت مجموعة من النساء «الإسرائيليات» التسويق للتطبيع بين «إسرائيل» والدول العربية من خلال حساباتهن المشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن «نجمات التواصل» سعين من خلال بث فيديوهات وتدوينات ذات علاقة بالطعام والموسيقى والفن والملابس لتهيئة الأرضية لدى الشعوب العربية لتقبل التطبيع.

وحسب الموقع، نجحت «النجمات» في فرض نقاش واسع على مواقع التواصل حول «إسرائيل» والعرب، واستطعن التواصل مع الكثير من العرب الذين تقبلوا الفكرة، وأرادوا التواصل مع «الإسرائيليين»، كما سعين لخلق روابط جديدة بين العرب واليهود ومحاربة الخطاب المناوئ للاحتلال.

على سبيل المثال، قامت الجندية الصهيونية «مارون طال»، التي يقول موقع «ماكور ريشون»: إنها تعد إحدى نجمات مواقع التواصل الصهيونية، قامت ببث الكثير من أغاني أم كلثوم، وفريد الأطرش، وفايزة أحمد، على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل جذب المزيد من المتابعين العرب! وتقول: إنها نجحت عن طريق ذلك في جذب متابعين من دبي والكويت والعراق والبحرين، «حتى إنني صرت أحظى بمتابعة سياسيين وسفراء عرب وأحاول تصحيح الكثير من المعلومات المسبقة لديهم»!

الأخطر (والهدف الصهيوني من هذا التواصل) هو ما كشفته الصهيونية «سميدار إلعيني» التي تقول: «لا يتوقف عمل نجمات مواقع التواصل «الإسرائيليات» على تمهيد الطريق أمام التطبيع وتقبُّل «إسرائيل» لدى العرب، ولكن أيضاً التواصل مع العرب للانضمام إلى جهاز «الموساد» الاستخباراتي»!

وتؤكد: «صفحات مواقع التواصل «الإسرائيلية» حققت إنجازات مهمة جداً، والتطبيع مع السودان والبحرين والإمارات جاء بسبب نشاطنا باللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ نجحنا في تسويق «إسرائيل» التي كان اسمها مرتبطاً بالماضي بالاحتلال، وفجأة صارت دولة أخرى تحظى باحترام دول عربية».

وتشير التقديرات الصهيونية، مثل صحيفة «معاريف»، إلى أن النساء يمثلن حوالي %40 من القوى العاملة في المهام التمهيدية والتكتيكية ‏داخل «الموساد»، وأن النساء في جهاز «الموساد» يقمن بدور رئيس في المجموعات الاستخبارية التي تقوم بتنفيذ العمليات داخل وخارج «إسرائيل»، ووصل بعضهن إلى مناصب عليا في هذا الجهاز.

وأن أدوار «نساء الموساد» اللاتي يطلق عليهن اسم «مصائد العسل»، لا تقتصر على الإغراء والإغواء والمراقبة، لكن أيضاً المشاركة في عمليات الاغتيال والقتل المُنظّم، ومؤخراً الإغواء عبر الإنترنت وتجنيد العرب.

استُخدمْن للتطبيع

وقد كشف تحقيق بثته «القناة العبرية الثانية» عن أدوار كثيرة مارستها نساء جهاز «الموساد» على أصعدة مختلفة، أهمها تمهيد الأرضية للتطبيع بين «إسرائيل» ودول أخرى، إضافة إلى إجهاض ما قالت: إنها «أخطار أمنية».

التقرير الذي جاء تحت عنوان «لمحة عن عالم نساء المخابرات الإسرائيلية»، أشار إلى دور نساء «الموساد» في تمهيد الأرضية للتطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية مؤخراً.

وأوضح أن بعض خبايا دور نساء «الموساد» في التطبيع كُشف في ديسمبر 2020م، عندما قدّم رئيس الدولة الصهيونية «رؤوفين ريفلين»، ورئيس جهاز «الموساد» «يوسي كوهن»، شهادات تفوق لثمانية عناصر وأربع نساء، وقبل ذلك بنحو عام كرّم «ريفلين» عدداً من نساء «الموساد» أيضاً، وقال خلال حفل التكريم: «في قاموس «الموساد» لا يوجد معنى لكلمة مستحيل».

وأوضح التحقيق أن «حياة نساء «الموساد» سريّة بشكل مطلق ومختلطة بالكثير من الإثارة الممزوجة بكثير من الخطر على حياتهن في بعض الأحايين، حتى أبناء عائلاتهن لا يعرفون تماماً ماذا تفعل الأم أو الزوجة؛ حيث يختفين من المنازل، ويسافرن إلى أنحاء العالم بهويات مختلفة، ويختلطن بالأعداء ويقتربن من التهديد، تارة في دولة أوروبية وتارة في قلب دولة عربية، لذلك فإن الخطر على حياتهن مستمر دائماً».

ويروي التقرير قصصاً أخرى عن اختراق «الموساد» لمصر خلال ستينيات القرن الماضي، فقد ساهمت «عليزا ماغين» في إجهاض صفقة صواريخ بين ألمانيا ومصر.

ويشير إلى أن «الموساد» اكتشف مساعي ألمانية لتزويد مصر بصواريخ أرض-أرض، لكن «ماغين» التي كانت جزءاً من خلية «إسرائيلية» خاصة لمتابعة تطورات الصفقة، نجحت في إقناع أحد الألمان المشاركين فيها بإطلاع «إسرائيل» على تفاصيل الصفقة.

وكشفت القناة عن دور قامت به إحدى نساء «الموساد» وتدعى حركياً باسم «أريكا تسمبرس» في تصفية القيادي الفلسطيني علي حسن سلامة الذي كان مطلوباً لـ»إسرائيل»، إذ سافرت «تسمبرس»، حسب القناة، إلى بيروت للالتحاق بعناصر «موساد» آخرين، واستأجرت شقة استطاعت من خلالها مراقبة الشارع الذي دأب سلامة على المرور منه، وهي مَنْ ضغطت على زر التحكم بالمتفجرات يوم اغتياله.

توظيف الإنترنت لصالحهم

هذا الأمر قد يكون معلوماً لبعض الباحثين والمختصين العرب، لكن دراسة لـ«مركز أبحاث الأمن القومي» الصهيوني حول آليات توظيف «السايبر» في التأثير على الوعي الجمعي لـ«جمهور العدو» نشرت في العدد الأخير من مجلة «السايبر، الأمن والاستخبارات» الصادرة عن المركز، أكدت هذا، وشرحت كيف يسعون للسيطرة على العقول العربية عبر «السايبر».

توضح هذه الدراسة الصهيونية أن الكثير من الردود والتعليقات التي يتفاعل معها الفلسطينيون والعرب في «فيسبوك»، و«تويتر» ومواقع التواصل الأخرى تعود لضباط مخابرات «إسرائيليين» يعتمدون وضع تعريفات زائفة لهم، ومن هؤلاء «إيدي كوهين» الذي ينتحل صفة صحفي وينشر تعليقات تخدع العرب، ومع هذا ينقل عنهم صحفيون ومثقفون عرب.

تنبه الدراسة إلى أن ما يساعد على نجاح عمليات التأثير عبر «السايبر» حقيقة أن التواصل والعلاقات بين الناس باتت تتم حالياً بواسطة أدوات رقمية، سيما مواقع التواصل الاجتماعي («فيسبوك»، «إنستجرام»، «واتساب»، «تليجرام»)، وهذا يمكن من التواصل ومشاركة المنشورات والصور والفيديوهات بين البشر.

بحسب معد الدراسة «ديفيد تيوري»، فإن «ضمان تحقيق تأثير على وعي جمهور العدو بواسطة «السايبر» يتطلب توظيف محتوى ومضامين وعرض قضايا، وتعميم رسائل؛ بحيث تسهم في إحداث تحول على اتجاهات الرأي العام لهذه الجماهير بما يخدم مصالح الدولة التي بادرت إلى شن هذه العمليات».

وحسب الدراسة، فإن عمليات التأثير بواسطة «السايبر» يمكن أن تمثل وسيلة لممارسة الحرب النفسية والمس بمعنويات العدو، وهز الثقة بقدرة نظام حكم في بلد ما على السيطرة على الأوضاع، وضمانة تواصل أنماط الحياة بشكل اعتيادي.

ومعظم هذه العمليات تتم بشكل سري، ويمكن أن توجه للجمهور الواسع أو لمجموعات جماهيرية محددة يتم اختيارها تبعاً للأهداف التي يراد تحقيقها.

فرق استخبارات

داخل وزارة الخارجية الصهيونية وجهاز «الموساد» فرق صغيرة توجه أنظارها على العالم العربي، وهي تضع أمامها خرائط للشرق الأوسط تحدد المناطق المستهدفة والجمهور العربي المستهدف سواء في الخليج أو القلب العربي أو المغرب أو المشرق العربي، وتتركز مهمة الفريق في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإقناع العرب بتقبل «إسرائيل».

يقود الفريق حملة باللغة العربية عبر منصات مثل «فيسبوك»، و«تويتر»، و«إنستجرام» لاختراق العالم العربي والتركيز على الشباب، وعلى قضايا ناعمة لإقناع الشباب مثل عروض الأزياء وممثلات هوليوود «الإسرائيليات»، وأشهر الأكلات «الإسرائيلية» (رغم أنها كلها أكلات فلسطينية وعربية مسروقة)، ناهيك عن أكاذيب حول الاختراعات «الإسرائيلية» التي غيَّرت العالم!

يضم الفريق «الإسرائيلي» الذي يعمل في وزارة الخارجية باللغة العربية عشرة أفراد من اليهود والعرب، هدفهم نشر «محتوى ناعم» مثل الموسيقى والطعام والرياضة، كما يبثون منشورات عن أعداء «إسرائيل»؛ مثل حركة «حماس»، لتشويههم في نظر الشباب العربي، حسبما قال «يوناتان جونين» الذي يرأس وحدة التواصل الاجتماعي باللغة العربية، في مقابلة نشرتها وكالة «رويترز» في يناير 2021م.

تأسست الوحدة العاملة باللغة العربية في عام 2011م، وهو العام نفسه الذي أطلقت فيه وزارة خارجية الاحتلال صفحة «إسرائيل بالعربية» على «فيسبوك»، وهم ينشرون في الوقت الحالي ما يصل إلى 700 منشور على وسائل التواصل الاجتماعي في الشهر تستهدف 100 مليون عربي.

لذلك كان اختراع الإنترنت بمثابة كنز إستراتيجي لـ«إسرائيل» التي أدركت قوة هذه الشبكة وتأثيرها، وسعت لاستخدامها بشكل موجَّه لغزو العالم العربي، وطوّعت الشبكة لخدمتها على صعد مختلفة، أهمها العسكري والسياسي.

ويزعم «أوفير جندلمان»، المتحدث باسم رئيس وزراء الاحتلال، أن أعداداً متزايدة من العرب تحولت بسبب ذلك لترى في «إسرائيل» حليفاً، وأن كثيرين يبدون تأييدهم على الملأ على وسائل التواصل الاجتماعي لها!

الوحدة «8200»

موقع «ذا ماركر» العبري ألقى الضوء على وحدة صهيونية أخرى تابعة لمخابرات الجيش الصهيوني العسكرية، هدفها التركيز على شباب «الربيع العربي».

وقال: إنه منذ انطلاق «الربيع العربي» عام 2010م، بدأت «إسرائيل» تعي جيداً تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الفئة الشابة، وسعت من خلال تلك الثغرة لاستغلال شبكات التواصل لجمع المعلومات ومحاولة التأثير على الرأي العام وتجنيد مخبرين، وأنها أوكلت هذه المهمات للوحدة «8200» التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية التي تصل الليل بالنهار لرصد مواقع التواصل الاجتماعي في الدول العربية وجمع معلومات استخباراتية، من شأنها أن تكوّن صورة واضحة لدى الأجهزة الأمنية حول توجهات الشعوب العربية.

وتنقل المجلة عن الضابطة «ر»، المسؤولة عن وحدة «حيتسف» التابعة لـ«8200»، أنه إلى جانب جمع المعلومات الاستخباراتية، تعالج الوحدة قضايا أخرى مثل التسويق لـ«إسرائيل»، ومكافحة محاولات «نزع الشرعية» عنها؛ أي اعتبارها دولة احتلال.

ويشير الموقع إلى أن الوحدة «8200» تتلقى تعليمات مباشرة في أحايين كثيرة من مكتب رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» حول أحداث بعينها، كما تزود الوزارات المختلفة بمضامين خاصة حول نشاط مواقع التواصل الاجتماعي في الدول العربية، وتستغلها وزارة الخارجية لمعرفة «التيار» الذي تمضي فيه وسائل التواصل، بالتالي بث مضامين ذات علاقة من وجهة نظر «إسرائيلية».

وبسبب ذلك، زعمت وزارة الشؤون الإستراتيجية «الإسرائيلية»، في دراسة جديدة لها، أنّ وسائل التواصل الاجتماعي العربية شهدت انخفاضاً بنسبة %20 في المواقف السلبية تجاه التطبيع، خلال الأشهر الأربعة الماضية.

وأشاد وزير الشؤون الإستراتيجية «مايكل بيتون» بما وصفه بـ«التحول تمهيداً لعصر جديد في الشرق الأوسط»، مضيفاً أنّ «التغيير في المواقف هو نتيجة الاتفاقيات الأخيرة بين «إسرائيل» وبعض الدول العربية»؛ فقد زعمت الدراسة أنّ «حجم الاعتراض على اتفاقيات السلام انخفض عبر الإنترنت من %94 (سلبية للغاية) في صيف عام 2020 إلى %75 في نوفمبر 2020م».

Exit mobile version