القاسم الانتخابي.. هل يقصم ظهر “العدالة والتنمية” المغربي في الانتخابات المقبلة؟

أقر مجلس النواب المغربي في جلسة صاخبة قانونًا تنظيميًا يقضي بتعديل القاسم الانتخابي وإلغاء العتبة، مما حدا بحزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي إلى التلويح باللجوء إلى المحكمة الدستورية قصد إلغاء القانون.

واحتاج القانون التنظيمي ذاته للإقرار إلى صوت 162 نائبًا ينتمون لـ7 أحزاب من الأغلبية والمعارضة، في حين عارضه كل برلمانيي العدالة والتنمية الـ104 الحاضرين للجلسة، وامتنع عن التصويت النائب الوحيد عن فدرالية اليسار.

ويعتمد النظام الانتخابي المغربي على الاقتراع اللائحي النسبي وكان يعمل بمبدأ قاسم انتخابي على أساس المصوتين يحدد عدد المقاعد التي يستحقها كل حزب، فيما يقترح القانون الذي صوتت عليه جميع الأحزاب بما فيها التي تنتمي إلى الأغلبية الحكومية احتساب المقاعد على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية بغض النظر عن نسبة التصويت، وهو ما قد يساوي الحاصل مثلاً على 60 ألف صوت مع الحاصل على 2000 صوت فقط.

ولم يمر القانون دون أن يحدث جدلًا ساخنًا وسط المحللين السياسيين، انتقل أيضًا إلى الشارع المغربي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ظهرت آراء متعددة وقوية تقول: إن القانون يراد منها إضعاف العدالة والتنمية وكسر ظهره في الانتخابات التشريعية المقبلة للوقوف في وجه ولاية ثالثة له على رأس الحكومة، معززين ذلك في قراءة الأرقام بين القاسم على أساس المصوتين وعلى أساس المسجلين، إذ من المتوقع أن يفقد الحزب ثلث مقاعده ولا يتصدر النتائج، فيما قالت آراء أخرى: إن أي تعديل مشروع، ويدخل ضمن الصراعات السياسية والحزبية، وإن تغيير الترتيب لن يتأثر.

تراجعات 

يذكر عبدالصمد سكال، القيادي في حزب العدالة والتنمية في تصريح لـ”المجتمع”، أن أهداف الحزب من العمل السياسي مؤطرة تحت عنوانين كبيرين، هما العمل على تطوير الديمقراطية وتحقيق التنمية، معتبرًا أن الحزب يعارض بشدة اقتراح أي تعديل على القوانين المنظمة للانتخابات تمس أسس المنظومة الانتخابية وتضرب في الصميم قواعد الديمقراطية وتلحق بهما ضررًا جسيمًا، يجعل شروط تطوير ديمقراطيتنا معرضة لتهديد جدي وتكاد تنعدم إمكانياتها”.

ويؤكد أنه كان طبيعيًا أن يكون موقف حزب العدالة والتنمية صارمًا في رفض هذه التراجعات الخطيرة لأنها تتعارض مع أحد اختياراته المركزية في الإصلاح السياسي.

في حين أبرز برلمانيون من الأغلبية والمعارضة في مداخلات مختلفة خلال التصويت على القانون التنظيمي أنهم يرفضون إقصاء أي صوت في المجتمع المغربي، وأن الهدف من القانون هو التمكين لجميع الأحزاب بما فيها الصغرى للولوج إلى قبة البرلمان، مبدين إصرارهم على التشبث بالقانون تشبثهم بروح التضامن وعدم الإقصاء من خلال وضع عتبة إقصائي تعصف بأصوات عدد مهم من المواطنين وتضرب في العمق التعددية النوعية.

ويعتبر القاسم الانتخابي عاملًا محددًا في النظام الانتخابي المغربي، والتصويت للقانون حاسمًا إذ إن المغرب مقبل على إجراء انتخابات متزامنة في أكتوبر من هذا العام (2021م)، في حين تؤكد المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات في دليلها حول أشكال النظم الانتخابية أنه حتى لو أن أدلى كل ناخب بنفس الصوت، وبنفس العدد من الأصوات لكل حزب، فإن نتائج الانتخابات قد تكون مختلفة للغاية حسب النظام الانتخابي المختار.

ويشير الدليل الذي اطلع عليه مراسل “المجتمع” أنه في غالبية الأحيان يترتب على اختيار نظام انتخابي معين تبعات هائلة على مستقبل الحياة السياسية في البلد، معتبرة أن عملية اختيار النظام، هي مسألة سياسية بالدرجة الأولى، وليس سؤالًا فنيًا يمكن لمجموعة من الخبراء المستقلين أن يقدموا إجابات صحيحة عليه.

الدستورية

يبرز عدد من أساتذة العلوم السياسية في الجامعات المغربية أن اللجوء إلى المحكمة الدستورية حق لكل الأحزاب، وقد يصبح ذلك امتحانًا حقيقيًا للمحكمة على اعتبار الرهان السياسي الذي يطرحه القانون، فيما يرى آخرون أن تلويح العدالة والتنمية باللجوء إلى المحكمة لا معنى له، بحكم أن جميع القوانين تمر طبيعيًا للإقرار من قبل الدستورية.

ويؤكد عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري بالجامعة المغربية، في تصريح لـ”المجتمع”، أن تعديل القانون واعتماد احتساب الأصوات على أساس المسجلين غير دستوري وهو خطأ في المضمون والشكل والتوقيت، وما على المحكمة الدستورية إلا أن تصحح الوضع وتعيده إلى مساره الديمقراطي.

ويضيف أن تصحيح الخطأ واجب وإلا أصبحنا “نكتة” في مقررات القانون الدستوري في العالم، والتي لا يوجد مثله في أي من الأنظمة الانتخابية، مشددًا على أن المحكمة الدستورية أمامها “أكثر من مبرر من حيث الشكل والمضمون والغايات لكي تصحح خطأ الأحزاب، وتنقذنا من أن نصبح أضحوكة لدى العالم”، مسترسلًا بالقول: “كأنها ليست كافية العديد من المثالب التي يزخر بها نظامنا الدستوري حتى نضيف إليها خرافة احتساب أصوات المقاطعين والأموات وفاقدي الأهلية”.

ويشير دليل المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات أنه يجب أخذ المعايير الدولية بعين الاعتبار، وتصميم النظم الانتخابية ضمن إطار العديد من الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية الأخرى المتعلقة بالقضايا السياسية.

“بلقنة” المشهد

من جهة أخرى، ينبه المحلل السياسي عبدالرحيم العلام، في تصريح لـ”المجتمع”، إلى خطر تحول السلطة التشريعية الممثلة في البرلمان إلى وسيلة في يد الأحزاب من أجل تشريع قوانين تمنحها الفوز في الانتخابات من دون إنجازات، بل وحتى إذا كانت فاقدة الزخم الجماهيري، وذلك من خلال استفادتها من أصوات المقاطعين للانتخابات والأموات وفاقدي الأهلية الانتخابية.

ويؤكد دليل المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابية أن أي نظام انتخابي يجب ألا يقع في فخ التمييز ضد أي مجموعة سياسية.

ويبرز عبد الصمد سكال، رئيس مجلس جهة الرباط، في تصريحه الإعلامي ذاته، أن قوى مناهضة الإصلاح تعمل جاهدة على التأثير في المنظومة الانتخابية للحد من تطور حضور الحزب الانتخابي، وأن معارضة القانون التنظيمي لا علاقة له بحرص على المقاعد وما سوى ذلك من الترهات التي يلوكها البعض.

ويشدد المتتبعون للشأن السياسي على أن المغرب يحتاج إلى تعددية حزبية حقيقية وليس عددية فقط، وإلى أغلبية برلمانية متماسكة، قادرة على تفعيل عمل المؤسسة التشريعية وإنتاج سياسات ناجعة وفعالة وبالتالي إلى حكومة قوية بأقل عدد من الأحزاب، وباعتبار القاسم الانتخابي الجديد، استحالة الحصول على الأغلبية إلا بمشاركة واسعة من الأحزاب، وبالتالي الزيادة في تشتيت المشهد الحزبي وإفراز حكومة ضعيفة وغير منسجمة في ظل تحديات مجتمعية متصارعة في وضع محلي وعالمي موسوم باستمرار آثار جائحة كورونا، كما يمكن أن يؤشر على تراجعات دستورية لا سيما ما تعلق بالفصل (47) من الدستور، الذي ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات.

Exit mobile version