حرب الحوثيين الأخيرة في اليمن

لم تكتفِ جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا بممارسة قتل اليمنيين وتفجير منازلهم ودور القرآن واستهداف الأبرياء بشكل عشوائي في محافظات مأرب وتعز والبيضاء والضالع اليمنية وغيرها منذ أعوام، بل إنها تمترست بالكذب والتضليل والابتزاز، بل جعلت ذلك فرضًا يجب على أتباعها ممارسته.

منذ أسابيع تعمل جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا على رفع معنويات أتباعها المنهارة من خلال نشر الأكاذيب عبر وسائل إعلامها المحلية وكذا وسائل الإعلام الإيرانية واللبنانية والعراقية المملوكة لأتباع إيران، فقد قالت الجماعة: إنها سيطرت على أجزاء كبيرة من محافظة مأرب شرقي البلاد وما زالت في تقدم مستمر، في حين أن الواقع ينفي ذلك جملة وتفصيلًا.

الوضع العسكري

بعد رفعها من قائمة الإرهاب من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة بأيام، شنت جماعة الحوثي عملية عسكرية حشدت من أجلها آلاف المغرر بهم خصوصًا من الأطفال الذين استغلتهم وذهبت بهم إلى الموت في جبهات القتال، أملًا زائفاً في إسقاط بلدة مأرب اليمنية المعقل الأهم للحكومة الشرعية في البلاد، إلا أنهم لاقوا صمودًا كبيرًا من رجال الجيش اليمني وردًا عنيفًا، بحسب مصادر مجلة “المجتمع”.

الناطق الرسمي للقوات المسلحة، العميد الركن عبده مجلي، قال: إن العمليات العسكرية للجيش في مختلف البلدات والمحاور والجبهات أفشلت خطط المليشيا الحوثية الانقلابية المدعومة من إيران، مشيرًا إلى أن الجيش في محور تعز وفي الجوف ومأرب حقق تقدمات ميدانية، وكبد الجماعة الحوثية خسائر فادحة في عناصرها وعتادها القتالي.

وأضاف ناطق الجيش اليمني، في تعليق صحفي: إن أبطال الجيش والمقاومة الشعبية في جبهات (مأرب وتعز والجوف) نفذوا معارك قتالية، وهجمات نوعية، حققت انتصارات مهمة، تم فيها التحرير والسيطرة على مواقع حاكمة، موضحًا أن رجال الجيش غرب محافظة تعز شنوا هجوماً مباغتاً، في جبهة الأشروح بمديرية جبل حبشي، تمكنوا من خلاله السيطرة على عدة مواقع أهمها الجمل والعسق والمدافن، ومنطقة الضاربة وتبة الراعي وجبل هوب العقاب، وأن التقدم ما يزال مستمرًا.

وفي محافظة الجوف شمال شرقي البلاد أوضح العميد مجلي أن قوات الجيش أفشلت هجمات الجماعة الحوثية التي حاولت التقدم واسترجاع ما فقدته وخسرته خلال المعارك الأخيرة.

أما في مأرب، فقد أكد مجلي أن جبهات الجدعان والمخدرة وصرواح والمشجح والكسارة شمال غرب وغرب محافظة مأرب، ما زالت مشتعلة، وهناك تواجد إيجابي لمقاتلات التحالف العربي التي نفذت غارات محكمة على تعزيزات وتجمعات جماعة الحوثي، مشيرًا إلى أن خسائر جماعة الحوثي لا تحصى، سواء في عناصرها أو قياداتها الميدانية، التي حصدتهم نيران الجيش والمقاومة، وضربات المدفعية، والطيران، التي شلّت تحركاتها.

وفي السياق نفسه، جددت الحكومة اليمنية دعوتها إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر للضغط أكثر على قيادات جماعة الحوثي من أجل انتشال جثث قتلاها، من مناطق جبل مراد وصرواح وهيلان والمشجح والمخدرة، والمناطق المجاورة لها، ممن زجت بهم الجماعة في عمليات انتحارية، وأودت بهم إلى محارق الموت والهلاك والدمار، ومارست الانتقائية حتى في سحب جثثهم.

من جهته، قال العقيد عبدالباسط البحر، نائب التوجيه المعنوي بمحور تعز وسط البلاد، لـ”المجتمع”: إن الجيش حسم المعركة في تعز خلال اليومين الماضيين وسيطر على العديد من المواقع في مديريات جبل حبشي ومقبنة وحيفان والكدحة، كما تقدم الجيش في محيط المدينة الشرقي والشمالي والغربي، ما أدى إلى فرار عناصر جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا، رغم الحشد الحوثي الكبير، وقد سقط منهم العديد قتلى وجرحى وتم أسر العشرات، وقد تمكن الجيش الوطني من تدمير عربات ومدفعية 120 وعيارات مختلفة من الرشاشات، مؤكدًا أن المعركة ما زالت مستمرة والمواجهات مفتوحة، والجيش يؤمّن المقاتلين في المواقع المتقدمة التي تم تحريرها.

الوضع الإنساني

وأضاف ناطق الجيش اليمني في تعليقه الصحفي أن جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً قصفت المدنيين في مأرب وتعز وقد سقط العديد من الضحايا على إثر ذلك.

وفي تصريح صحفي، قال سيف مثنى، مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في محافظة مأرب: إن آلاف النازحين القاطنين في المخيمات المتواجدة على أطراف المحافظة اضطروا للنزوح مجددًا هرباً من القصف الحوثي، منوهاً إلى أن الهجوم الذي تشنه الجماعة الحوثية بشكل مستمر خصوصاً من جهة مديرية صرواح ورغوان، وفي أطراف مديرية بني ضبيان من محافظة صنعاء، تسبب بنزوح آلاف الأسر مجدداً من مخيماتها، وأن المخيمات الآهلة بالسكان في مديريتي صرواح ورغوان تعرضت للاستهداف بالقصف المدفعي.

أما منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ مارك لوكوك، فقد نشر على حسابه في “تويتر” ما مفاده، أن الهجوم العسكري يضع ما يصل إلى مليوني مدني في خطر، وقد يتسبب في نزوح مئات الآلاف، وهذا الأمر الذي سيؤدي إلى عواقب إنسانية لا يمكن تصورها، مشدداً على أن الوقت حان الآن للتهدئة، وليس مضاعفة المزيد من البؤس للشعب اليمني، مشيراً إلى أنه سوف يقدم إحاطة إلى جلسة مجلس الأمن لدى انعقاده.

وقد جاء تصريح لوكوك بعد أن استهدفت جماعة الحوثي بصاروخ باليستي وعدد من صواريخ الكاتيوشا والقذائف المدفعية مخيم الزور للنازحين غربي بلدة مأرب، بالتزامن مع الهجوم البري المكثف الذي تشنه منذ شهر تقريباً بدون توقف في محاولة لاجتياح محافظة مأرب.

وتعليقاً على الوضع الإنساني الذي سببته جماعة الحوثي قال الناشط الحقوقي عمار زعبل، لـ”المجتمع”: محافظة مأرب تأتي في المرتبة الثانية بعد محافظة تعز من خلال الهجمات الحوثية على المدنيين، وهناك إستراتيجية إيرانية حوثية استخدمتها منذ بدء حربها وانقلابها على الدولة، وهي ترهيب المدنيين، من خلال استهدافهم المباشر بمختلف الأسلحة، وما يحدث في مأرب هو السيناريو نفسه الذي تعرضت له مدن سورية من خلال قصف قوات الأسد، بفارق أن الأخير صب على الأحياء السكنية البراميل المتفجرة، كون الحوثيين لا يمتلكون الطائرات وإلا لفعلوا ذلك.

وأضاف زعبل: صواريخ باليستية، قذائف الهاون، المدفعية، ومختلف العيارات، هي الأسلحة التي تستخدمها المليشيا على المدنيين بمأرب، سقط خلالها آلاف الضحايا أغلبهم من الأطفال والنساء، يرافق ذلك دعاية وحرب إعلامية قذرة ضد كل من يقطن هذه المحافظة التي أصبحت تأوي ثلاثة ملايين نسمة، وحالياً رافقه تصعيد عسكري يتزامن مع القصف الممنهج على المدنيين وخصوصاً النازحين، ما ينذر بكارثة إنسانية كبيرة، وكل ذلك يدل على وحشية ودموية هذه الجماعة، التي غلبت كل الجماعات المتطرفة التي يجب على المجتمع الدولي إيقافها عند حدها، فالانتهاكات الحوثية بحق أبناء هذه المحافظة لا يقتصر على الاستهداف الصاروخي، بل هناك الألغام التي تزرعها في أي مكان تصل إليه، مهددة حياتهم وحياة أجيال ربما، إضافة إلى زرع الخلايا لإقلاق الأمن والسكينة.

وإحصاءً لما نفذتها جماعة الحوثي من جرائم، صرح وليد الراجحي، رئيس مركز سبأ الإعلامي، لـ”المجتمع”، بقوله: إن المدنيين في مأرب يتعرضون بين الحين والآخر لعمليات استهداف من قبل مليشيات الحوثي سواء بالصواريخ البالستية أو بصواريخ الكاتيوشا من مناطق تمركزها في جبل هيلان.

وأضاف: عملية الاستهداف منذ عام 2015 لم تتوقف بل طورت المليشيات عملية الاستهداف مثلا خلال العام 2015 كانت تمطر المدينة بقذائف المدفعية الكاتيوشا، ومنذ عام 2016 بدأت الاستهداف بالصواريخ البالستية.

واستهدفت مليشيات الحوثي مدينة مأرب ب قرابة 295 صاروخًا بالستيًا حتى نهاية عام 2020، وقرابة 230 من تلك الصواريخ اعترضتها منظومة الباتريوت التابعة للتحالف في سماء مأرب، وقرابة 70 منها سقطت على أحياء سكنية تسببت بمقتل وإصابة نحو 270 مدنياً بينهم نساء وأطفال، ناهيك عن تعرض المدنيين لمقذوفات أخرى من صواريخ الكاتيوشا أدت إلى مقتل وإصابة قرابة 500 مدني بينهم نساء وأطفال.

واستمر الراجحي في إحصائه حيث قال: استهداف المليشيا للمدنيين طال أيضاً مخيمات النزوح وتعرضت أكثر من 10 أماكن تجمع للنازحين لعملية قصف قتلت وأصابت العشرات، وما زالت مليشيات الحوثي تلاحق النازحين إلى خيامهم بعد أن هجرتهم من منازلهم.

ونوه الراجحي إلى أنه عادة ما يتم التركيز على تلك الجرائم الحوثية من زاوية واحدة فقط هي الإصابات والقتلى، ويُغفل جانب آخر مهم جداً، وهو الأثر النفسي سيما على الأطفال والنساء، وهو انتهاك إضافي، فعلى مدى 6 أعوام يتعرض المدنيون لاستهدافات مليشيات الحوثي، طالت المدارس والمنازل والمخيمات والأسواق، واستهداف الحوثي للمدنيين يعتبر إرهاباً ممنهجاً يغض الطرف عنه المبعوث الأممي الذي زار جزءاً من تلك المخيمات في مأرب.

وعبر الراجحي عن استغرابه حيث تساءل: ماذا ينتظر العالم بمنظماته ومزاعمه الإنسانية إزاء عملية القصف الممنهجة؟

واختتم رئيس مركز سبأ الإعلامي تصريحه بالقول: يأتي استهداف المدنيين من قبل مليشيا الحوثي تعبيراً عن خيبة أملها وفشلها في الميدان العسكري، فتعود للانتقام من المدنيين.

الوضع السياسي

بعد أن أفشلت جماعة الحوثي كل محاولات تقارب وجهات النظر ومحادثات السلام وتوجهت لمحاولة اجتياح مأرب، قرر الجيش الوطني مواجهة عملياتها العسكرية وإيقافها.

هيئة رئاسة مجلس النواب اليمني أكدت أن التصعيد الأخير لجماعة الحوثي يمثل ردًا على كل دعوات السلام الأممية واستمراراً في إفشالها لكافة الجهود المبذولة للتهدئة وإنهاء الحرب دون أي اكتراث للمعاناة الإنسانية المتفاقمة ودون اعتبار لدعوات المجتمع الدولي ومساعيه وحرصه على حقن الدم اليمني‏.

وفي بيان صادر عنها، قالت الهيئة: إنها تابعت الخطوات التصعيدية الخطيرة من قبل الحوثيين والمتمثلة في إصدار ما يسمى بأحكام سياسية جديدة نصت على إعدام 11 عضوًا من أعضاء مجلس النواب ومصادرة ممتلكاتهم بعد أن كانت قد أصدرت محاكمها الصورية وغير المشروعة فيما يسمى بأحكام إعدام بحق 35 نائبًا، علاوة على تنفيذها هجوماً عسكرياً على محافظة مأرب التي تأوي ثلاثة ملايين نازح، مطالبة المجتمع الدولي والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد البرلماني الدولي والبرلمانات في العالم باتخاذ موقف صارم وحازم من هذا التصعيد، ومراجعة المواقف الأخيرة التي اعتبرتها المليشيا تصريح عبور لمزيد من العمليات العدائية والهجمات الإرهابية على المدنيين، مؤكدة أن التعايش مع جماعة فاشية تحكم بإعدام عشرات البرلمانيين دون حياء يعتبر أمراً غير مقبول طالما استمرت هذه الجماعة في أعمالها العدائية والإجرامية.

مراقبون رأوا أن استضافة الحوثيين لحسن إيرلو، القيادي في الحرس الثوري الإيراني، ومحاولة اجتياحهم لمحافظة مأرب وتخبطهم وحشد المقاتلين بطرق غريبة ستكون بداية النهاية لهذه الجماعة، وربما تكون هذه هي الحرب الأخيرة للحوثيين في الجمهورية اليمنية التي يتوق أبناؤها لمعانقة جمهوريتهم بعيدًا عن ادعاءات الإمامة المغلفة بالأكاذيب والتقية الإيرانية.

Exit mobile version