لماذا يطوّر الصهاينة مفاعل ديمونة وسط صمت عربي ودولي؟

في توقيت واحد، كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية عن قيام “إسرائيل” بتوسيع مفاعل ديمونة النووي بهدف إطالة عمره، وبثت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية صورًا التقطتها الأقمار الصناعية لمنشأة نووية “إسرائيلية” جديدة تتواجد بالقرب من المفاعل “الإسرائيلي”.

“الجارديان” البريطانية تحدثت، يوم 18 فبراير 2021م، عن قيام “إسرائيل” بتوسيع كبير لمنشآتها النووية في ديمونة في صحراء النقب، وسط إجراءات سرية.

وتبعتها وكالة الأنباء الأمريكية الحكومية (أسوشيتد برس)، 25 فبراير، مؤكدة: “تظهر صور الأقمار الصناعية على بعد كيلومترين غربي مفاعل ديمونة في “إسرائيل” إنشاءات جديدة وهناك صندوقان مفتوحان، يبدو أنهما يضمان قواعد خرسانية، غالبًا ما تستخدم كمنصات خرسانية لدفن النفايات النووية”.

الأكثر غرابة هو كشف الصحافة الصهيونية نفسها (“هاآرتس”، يوم 28 فبراير) أنه يجري تشييد “منشأة نووية سرية جديدة” في منطقة ديمونة.

ويقبع المفاعل الذري الصهيوني في منطقة ديمونة ويحظى بسرية وتكتم “إسرائيلي” عال، ويتحفظ الصهاينة على أسراره في وقت يجري فيه التشكيك بقدرة “إسرائيل” على تأمينه ومعاناته من مشكلات قد تجعله غير آمن ما يضر الدول العربية المجاورة.

ما كشفته الأقمار الصناعية والصور التي تم بثها تشير لنشاط صهيوني سري هناك وأعمال بنى تحتيّة واسعة هي الأكبر في المكان منذ عقد، ما طرح تساؤلات حول ما الذي تقوم به “إسرائيل” في مفاعل ديمونة النووي؟

هل يقوم الصهاينة بزيادة وتوسيع قدراتهم النووية في الوقت الذي يسعون فيه لمنع العرب وإيران من أي استفادة بالقدرات النووية؟ أم يستعدون لحرب مع إيران وتأمين وتحصين المفاعل؟ أم ينتقلون لمرحلة جديدة من التمكين بزيادة عدد القنابل النووية التي يمتلكونها في ظل التحديات المستقبلية التي تواجه دولة الاحتلال؟

400 رأس نووي!

وتتبنى الدولة الصهيونية سياسة الغموض بشأن ترسانتها النووية، فهي لا تؤكد ولا تنفي وجودها، لكن اتحاد العلماء الأمريكيين يقدر أن لدى “إسرائيل” نحو 90 رأساً حربياً مصنوعة من البلوتونيوم المنتج في مفاعل الماء الثقيل في ديمونة.

وتقول صحيفة “يديعوت أحرونوت” نقلاً عن تقرير للمركز الأمريكي للعلوم والأمن القومي: إن “لدى “إسرائيل” 115 رأساً نووياً متفجراً ونحو 660 كيلوجراماً من مادة البلوتونيوم.

ونقلت عن رئيس المركز ديفيد أولبريت قوله: “بدعم فرنسي “إسرائيل” طورت صواريخ باليستية، وصواريخ بإمكانها حمل رؤوس نووية وطائرات يمكنها أن تطلق سلاحاً نووياً، وقد تكون لديها إمكانية لإطلاق صواريخ مشابهة من غواصاتها”.

ولكن الموظف بالمفاعل موردخاي فعنونو الذي تم سجنه لأنه كشف أسرار المفاعل في عام 1986م كشف أن لدى “تل أبيب” 300 رأس نووية.

ويقول خبراء الذرة المصريون: إن الأمريكيين يعلمون تفاصيل البرنامج النووي الصهيوني منذ بدايته ولكنهم يتواطؤون معهم.

وحين يتولى أي رئيس أمريكي الرئاسة يقوم بالتوقيع على رسالة روتينية تطالب “إسرائيل” من خلالها رؤساء أمريكا بعدم إثارة ملف الأسلحة النووية الخاصة بها أو الضغط عليها لتقليل ترسانتها النووية!

فقد كشفت مقالة نشرت على صفحات موقع الإنترنت التابع لمعهد منع انتشار السلاح النووي الذي يديره سلاح الجو الأمريكي أول يوليو 2002م أن “إسرائيل” تملك ما يزيد على 400 رأس نووي وقنابل هيدروجينية، وكشف المقال الذي كتبه الكولونيل المتقاعد ورنر فارر، وهو طبيب شغل عدة مناصب قيادية في الجيش الأمريكي عن تفاصيل غاية في الأهمية بشأن البرنامج النووي الصهيوني.

وأكد التقرير أنه كان لدى “إسرائيل” عام 1967م نحو 15 قنبلة نووية ارتفعت إلى 200 عام 1980م، ثم إلى 400 قنبلة نووية حتى عام 1997م.

وعام 1986م جرى الكشف عن دور مفاعل ديمونة في برنامج “إسرائيل” النووي السري لأول مرة من قبل الخبير النووي “الإسرائيلي”، مردخاي فعنونو، الذي كان موظفاً سابقاً في هذا الموقع وغادر “إسرائيل” إلى بريطانيا.

وحين روى فعنونو قصته لصحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، استدرجه “الموساد” من بريطانيا إلى إيطاليا واختطفه ليقضي 18 عاماً في السجن، 11 منها في الحبس الانفرادي، لكشفه أسرار ديمونة.

وبعد أكثر من 30 عاماً، عادت ترسانة “إسرائيل” النووية إلى الواجهة من جديد، لكن هذه المرة بأخبار عن توسع في مفاعل ديمونة الذي بُني في خمسينيات القرن الماضي بمساعدة الحكومة الفرنسية، بعد أن جرى إطلاق إشارة بنائه في عام 1958م.

منشأة سرية جديدة

وثقت صور الأقمار الصناعية التي نشرتها الوكالة الأمريكية بناء مجمع جديد كبير في مفاعل ديمونة، قالت: إنه “أحد أكبر أعمال البناء التي تم توثيقها في الموقع في العقود الأخيرة”.

وقالت “أسوشيتد برس”: إن موقع البناء، الذي يقع على بعد أمتار قليلة من المباني الحالية في المفاعل، يشبه في الحجم ملعب كرة قدم، وإن الحفريات تجري على عمق عدة طوابق.

وقامت شركة “Planet Labs” الأمريكية للتصوير عبر الأقمار الصناعية، التي قدمت الأسبوع الماضي صورًا لأعمال البناء في حرم ديمونة للأبحاث النووية لوكالة أنباء “أسوشيتد برس”، بإنتاج صورة أخرى عالية الجودة لـ”إسرائيل”.

ويوم 28 فبراير الماضي، كتب حاييم ليفنسون، في صحيفة “هاآرتس” يقول: إن المنطقة التي صورتها الشركة الأمريكية للأقمار الصناعية “بلانت لابز” لمنطقة ديمونة تظهر على خرائط الطيران المدني كمنطقة مغلقة وليس من الواضح من كلف الشركة بتصوير المنطقة.

وبحسب مصادر أجنبية، فإن المكان يضم قاعدة جوية تسمى “كناف 2″، وبحسب موقع “جلوبال سيكيوريتي”، فإن القاعدة تتواجد فيها 3 أسراب من صواريخ “أريحا” أرض – أرض.

توسيع ديمونة

ونشرت اللجنة الدولية المعنية بالمواد الانشطارية (IPFM) أعمال البناء في صور الأقمار الصناعية الجديدة، وأوضحت أن المنطقة التي يجري العمل فيها تقع على بُعد بضع مئات من الأمتار عبر جنوب وغرب المفاعل ذي القبة ونقطة إعادة المعالجة في مركز شمعون بيريز للأبحاث النووية بالقرب من بلدة ديمونة الصحراوية.

وقال بافيل بودفيج، الباحث في برنامج العلوم والأمن العالمي بجامعة برينستون: يبدو أن البناء بدأ في وقت مبكر جداً من عام 2019م، أو أواخر عام 2018م، لذا فقد بدأ العمل به منذ حوالي عامين، ولكن هذا كل ما في وسعنا قوله في هذه المرحلة.

واستخدمت “إسرائيل” المنشأة النووية لإنشاء نسخ طبق الأصل من أجهزة الطرد المركزي لليورانيوم الإيرانية لاختبار “Stuxnet” المستخدمة لتخريب برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني في منشأة “نطنز”، لكن هذا قبل أكثر من 10 سنوات، أي قبل وقت طويل من بدء التوسع الحالي.

وتقول صحيفة “هاآرتس”: إن “المعلومات حول مفاعل ديمونة مدفونة عميقاً في أرشيف الرقابة، لكن بين كل فينة وأخرى تلوح بالأفق إمكانية للتوصل إلى بعض أجزاء الحقيقة هناك”.

وفي تقرير آخر، أشارت صحيفة “هاآرتس” إلى أن “إسرائيل” تسعى إلى إطالة عمر المفاعل النووي في ديمونة إلى عام 2040م، حينها سيكون عمره 80 عاماً.

وأضافت: الوزير يريف ليفين يؤكد أن لدى “إسرائيل” خبرة كافية من أجل استثمارها لإطالة عمر المفاعل، وتجري في المفاعل فحوصات للتأكد من إمكانية تأمينه أكثر.

وذكرت الصحيفة أن المفاعل الذي أسس نهاية الخمسينيات من القرن الماضي بني على أساس العمل لمدة 40 عاماً فقط، وقد سبق أن أوقفت فرنسا العمل في مفاعلين يشبهانه بُنيا في الفترة نفسها، وذلك عام 1980م.

هل يساوم بايدن “إسرائيل”؟

وقد أثار بث وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية الحكومية بشكل حصري (وهي مقربة من إدارة بايدن) صور المفاعل الصهيوني وتطويره تساؤلات حول: هل تسعى الإدارة الأمريكية للضغط على “إسرائيل” فيما يتعلق بالبرنامج النووي؟

وكانت مجلة “فورين بوليسي” نشرت بالفعل تقريراً في 17 نوفمبر 2020م قالت فيه: إن على الإدارة الأمريكية الجديدة إنهاء سياسة الكيل بمكيالين فيما يتعلق بالسلاح النووي “الإسرائيلي”، بعدما حرص زعماء أمريكا السابقون ما قبل جو بايدن على عدم التطرق إلى هذا الملف رغم سعيهم وتبنيهم سياسة حظر الانتشار النووي.

وأشار التقرير إلى أن البرود الذي أبداه الرئيس جو بايدن من خلال تأخير اتصاله برئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو بعد فوزه بالانتخابات، وهو ما درجت العادة عليه خلال فترات الرؤساء السابقين، قد يكون مؤشراً على أن بايدن لم يوقع بعدُ الرسالة الروتينية التي تطالب “إسرائيل” من خلالها رؤساء أمريكا بعدم إثارة ملف الأسلحة النووية الخاصة بها أو الضغط عليها لتقليل ترسانتها النووية.

وتمثل وكالة الأنباء الأمريكية الدولة بشكل أو بآخر، ولعلها تتحدث بلسانها ولسان إدارتها، ولم يسبق للوكالة أن كشفت شيئاً حول برنامج “إسرائيل” النووي خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب أو غيره من الرؤساء الذين سبقوه، مما يفتح الأبواب أمام سيل من التساؤلات حول توقيت نشر صور المفاعل.

وسلطت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية الحكومية الأضواء على تغييرات في منطقة مفاعل ديمونة عبر صور بثّتها، في الوقت الذي لم تستطع فيه أي وكالة أنباء رغم نفوذها، “إسرائيلية” كانت أو دولية، الاقتراب منه أو تصويره طيلة السنوات الماضية إلا بإذن “إسرائيل” التي تفرض رقابة مشددة جوياً وأرضياً حول منطقة “ديمونة” كلها في صحراء النقب.

ونشرت الوكالة الأمريكية صوراً عدة لمفاعل ديمونا، أثارت ضجة عارمة حول العالم وجدلاً واسعاً في “إسرائيل” نفسها، تناقلتها وسائل الإعلام العبرية دون زيادة أو نقصان ولو بحرف واحد، فمن يجرؤ على الحديث بشأن مفاعل لا تتحدث عنه “إسرائيل” سراً أو علانية، فيما يقبع كل من ينبس ببنت شفة داخل زنازين مظلمة، مثل العالم “الإسرائيلي” مردخاي فعنونو الذي كشف أسرار المفاعل وقضى من حياته سجيناً أكثر من عشرين عاماً ولا يزال يلاحَق؟

 https://apnews.com/article/secret-israel-nuclear-construction-ecd8b6f3ffb329aa1fc566b9f9336038

وكشف موقع “تيك ديبكا” الاستخباراتي “الإسرائيلي” أن الإدارة الأمريكية تبدو معنية بإثارة موضوع النووي “الإسرائيلي”، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال تسليط الضوء على مفاعل ديمونة والبرنامج النووي لـ”تل أبيب” في وسائل الإعلام الأمريكية الأكثر شهرة خلال الأيام الماضية.

مشيراً إلى أن “وكالة الأنباء الأمريكية” لم تكن وحدها التي تطرقت إلى الموضوع، فقد نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريراً منتصف الشهر الماضي أوصت من خلاله إدارة بايدن بإنهاء “النفاق الأمريكي” تجاه البرنامج النووي “الإسرائيلي”.

ويوضح الموقع “الإسرائيلي” أن وتيرة تناول الملف النووي “الإسرائيلي” في وسائل الإعلام المقربة من الإدارة الأمريكية الجديدة تزداد يوماً بعد يوم، وكان آخرها نشر صور لتوسعة المفاعل النووي في ديمونة.

ويقول: من الصعب بطبيعة الحال إخفاء حقيقة أن يداً واحدة تقف خلف كل هذه التسريبات.

هل تسعى إدارة بايدن فعلاً إلى الاستجابة إلى التوجهات التي تطالبها بإزالة الغطاء الأمريكي عن البرنامج النووي “الإسرائيلي”، في خطوة تهدف إلى إلجام “إسرائيل” وترويضها في ظلّ الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات مع إيران للعودة إلى الاتفاق النووي؟

ويضيف: يُطرح سؤال إضافي في هذه الأثناء: هل تسعى إدارة بايدن لتهيئة الأرض من أجل مفاوضات لإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي بشكل عامّ؟ الإجابات عن هذه الأسئلة لا بد من أن تظهر خلال الأسابيع، وربما الأيام، المقبلة.

“تكهين” المفاعل

بدأ العمل في بناء المفاعل الصهيوني عام 1958م بمساعدة فرنسا، واستمر العمل فيه ما بين عامي 1962 و1964م، وعمره الافتراضي كان 40 عامًا ما يعني أنه انتهي تقريبًا وهو ما يفسر أيضًا احتمالات التطوير والتوسيع الدائرة فيه حاليًا.

ويتردد أن هناك خطة صهيونية طموحة بدأت لتطويره بالكامل خاصة أنه وقع به تسرب إشعاعي محدود عام 2004م بعد التسرب الأول عام 1966م.

وبثت حينها وكالات الأنباء خبرًا مختصرًا حول قيام الحكومة “الإسرائيلية” بتوزيع أقراص مضادة للإشعاع لمواطنيها الذين يعيشون بالقرب من منشآتها النووية خصوصًا مفاعل ديمونة الذي يتكون من 8 طوابق تحت الأرض.

وقد أوفدت هيئة الطاقة الذرية المصرية، يوم 16 أغسطس 2004م، لجنة لرصد معدلات الإشعاع النووي للمنطقة الحدودية مع “إسرائيل” في سيناء والتأكد من عدم وجود مخاطر على الحياة في المنطقة بعدما تردد وجود تسرب إشعاعي من مفاعل ديمونة يهدد منطقة وسط سيناء بالخطر.

وأكد الخبير فوزي حماد، رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق حينئذ، أن هذا التسرب شبة مؤكد بالنظر لتوزيع “اليود” على السكان، ولكنه أكد أن أجهزة القياس المصرية (مصر تمتلك 80 محطة لقياس ورصد الإشعاعات) لم ترصد أي إشعاعات في سيناء، مؤكدًا: التسريبات في المنطقة المحيطة بالمفاعل مباشرة ولم تصل إلى سيناء.

فهل التطوير والتحديث الحالي لتلافي “تكهين” المفاعل وتجديده أو بناء بديل له؟ أم مسعى صهيوني لتطويره وزيادة القدرات النووية وسط صمت عربي ودولي؟

Exit mobile version