الروهنجيا بجزيرة “بهاسان” النائية.. القلق الدولي ليس حلاً

في أعقاب القلق المستمر للمنظمات الدولية والمدافعين عن حقوق الإنسان بشأن سلامة مسلمي الروهنجيا في جزيرة “بهاسان شار” النائية، استعدت بنغلاديش لترتيب جولة لدبلوماسيين أجانب لاطلاعهم على الوضع.

لكن المبعوثين الخارجيين طالبوا بتقييم كامل من قبل خبراء دوليين وتحت إشراف الأمم المتحدة حول الأوضاع في الجزيرة قبل أي جولة من هذا النوع.

وفي حديث لـ”الأناضول”، قال وزير الخارجية البنغالي، أبو الكلام عبدالمؤمن: إن “بلاده مستعدة للقيام بزيارة مثمرة للدبلوماسيين الأجانب إلى جزيرة “بهاسان شار” النائية، حيث بدأت الدولة الواقعة في جنوب آسيا بنقل 100 ألف من مسلمي الروهنجيا المضطهدين من مخيمات اللاجئين في البر الرئيس”.

وأكد عبد مؤمن أن “بلاده ليس لديها ما تخافه، وسيذهب الروهنجيا إلى “بهاسان شار” رغم الحملات السلبية من قبل بعض الجماعات التي تعمل من أجل مصالحها”.

وأضاف أن “الروهنجيا الذين نقلوا إلى الجزيرة سعداء للغاية لوجودهم هناك”.

وخلال المرحلة الرابعة من عمليات النقل، قامت بنغلاديش، التي تستضيف أكثر من 1.1 مليون من لاجئي الروهنجيا، بنقل أكثر من 10 آلاف من اللاجئين المضطهدين إلى الجزيرة البعيدة، والمعروفة باسم “بهاسان شار”، والتي تعني “الجزيرة العائمة”، رغم المخاوف الدولية.

وتعتبر الجزيرة التي وجدت في البحر الجنوبي لخليج البنغال قبل عقدين من الزمان، والتي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق القوارب، عرضة للكوارث الطبيعية، وقبل مشروع إعادة توطين الروهنجيا، لم يسكنها بشر من قبل.

وبدأت عمليات نقل اللاجئين وسط مخاوف كبيرة ومعارضة من المجتمع الدولي لأسباب تتعلق بالأمن والسلامة في الجزيرة، على خلفية تحذيرات من أنها “معرضة للكوارث الطبيعية وغير قابلة للسكن”.

وحذرت العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك “هيومن رايتس ووتش”، من الوضع الإنساني في الجزيرة ودعت بنغلاديش إلى وقف عمليات النقل إلى الجزيرة التي اعتبروها أنها أول “سجن في جزيرة” بالعالم لدولة مضطهدة.

ورغم ذلك، تجادل دكا أن “الجزيرة آمنة ومحمية، وأن مسلمي الروهنجيا الذين يعيشون حاليا في خيام مؤقتة مكتظة في منطقة “كوكس بازار” جنوب البلاد، سيتمتعون بحياة أفضل هناك مع فرص كسب العيش الكافية”.

مستقبل الخدمات الخارجية في الجزيرة

وللتركيز على أزمة الروهنجيا، حث عبد المؤمن “المجتمع الدولي على عدم الالتفات إلى أي دعاية سلبية، والمساعدة في توفير الخدمات للمضطهدين في الجزيرة”.

وقال: “بمجرد توقيع وكالة الأمم المتحدة على الشروط المرجعية (Tor) الخاصة بها، من أجل خدمتهم (الروهنجيا)، سنرحب بهم لبدء خدماتهم وعملياتهم في “بهاسان شار”.

كما أكد لـ”الأناضول” أن “العديد من المنظمات غير الحكومية تعمل حاليا في بهاسان شار، بينما قدم عدد قليل من الدول المساعدة إلى الروهنجيا المضطهدين هناك”.

وزعم عبدالمؤمن أن “عملية النقل ستنقذ حياة الروهنجيا”، مضيفاً أن “مبادرة بنغلاديش ستكون مثالا يحتذى به أمام العالم”.

وقال: إن “السفراء الأجانب والدبلوماسيين المستعدين لزيارة بهاسان شار مرحب بهم للغاية، بمن فيهم أعضاء وكالة الأمم المتحدة”.

وأكد حرص حكومة بلاده على: “توفير ظروف معيشية لائقة وآمنة للنازحين المضطهدين، ولو بشكل مؤقت”.

وطورت بنغلاديش مشروع إعادة التوطين بإنفاق أكثر من 350 مليون دولار من مواردها المحلية على 13 ألف فدان من الأراضي، وبناء 120 ملجأ متعدد الطوابق ضد الأعاصير، وألف و400 منزل كبير على ارتفاع 4 أقدام فوق الأرض، إضافة إلى كتل خرسانية في الجزيرة، من أجل إعادة توطين 100 ألف روهنغي الذين فروا من الاضطهاد في وطنهم ميانمار.

وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن أكثر من 750 ألف لاجئ من الروهنجيا، معظمهم من النساء والأطفال، عبروا إلى بنغلاديش بعد أن شنت قوات ميانمار حملة قمع وحشية ضد الأقلية المسلمة في أغسطس 2017، ليصل عدد المضطهدين في بنغلاديش إلى أكثر من 1.2 مليون.

ومنذ 25 أغسطس 2017، قتلت القوات الحكومية في ميانمار ما يقرب من 24 ألف مسلم روهنجي، بحسب تقرير وكالة التنمية الدولية في أونتاريو (OIDA)، بعنوان “الهجرة القسرية للروهنجيا: القصة غير المروية”.

الدبلوماسيون يطالبون بتقييم الأمم المتحدة أولاً

في بداية الشهر الجاري، أعرب رؤساء 5 بعثات دبلوماسية، وهم: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وكندا، عن قلقهم بشأن مشروع “بهاسان شار” لإعادة تأهيل الروهنجيا في اجتماع مع وزير الداخلية البنغالي، أسد الزمان خان كمال، في العاصمة البنغالية دكا.

وأكد سفير أنقرة في دكا، مصطفى عثمان طوران، في حديثه مع “الأناضول”، أن: “تركيا ستكون من أوائل الدول التي تتوجه إلى جزيرة “بهاسان شار” عقب زيارة الأمم المتحدة لتقييم الوضع هناك”.

وأعرب عن أمله أن “تتم زيارة الأمم المتحدة إلى “بهاسان شار” في أقرب وقت”.

وأشاد بجهود بنغلاديش من أجل الروهنجيا، وقال: “كانت بنغلاديش كريمة للغاية مع الروهنجيا واكتسبت سمعة طيبة لدى المجتمع الدولي، ويجب أن يستمر هذا”.

وأكد طوران على دعم تركيا لبنغلاديش في أزمة الروهنجيا، قائلاً: إن “أنقرة مستعدة لتقديم دعمها للروهنجيا في الجزيرة النائية بعد تقرير الأمم المتحدة”.

وفي نفس الصدد، ركز السفير الياباني لدى بنغلاديش، إيتو ناوكي، خلال حديثه مع “الأناضول”، على تقرير الأمم المتحدة لتقييم الجزيرة أيضاً.

ونوّه إلى أن “عملية نقل لاجئي الروهنجيا إلى “بهاسان شار” تعتبر مجهود كبير تبذله بنغلاديش لاستيعاب اللاجئين.

ومع ذلك، شدد سفير الدولة الآسيوية، التي تعتبر حليف قوي لميانمار، على إعادة الروهنجيا بشكل مستدام إلى وطنهم.

وأضاف أنه “من الضروري لميانمار أن تساعد في العودة المبكرة للاجئي الروهنجيا، وستبذل اليابان كل ما بوسعها لتسهيل عملية عودتهم من خلال العمل مع بنغلاديش وميانمار بالإضافة إلى المنظمات الدولية الأخرى”.

دون تقييم الأمم المتحدة.. جولة المبعوثين بلا جدوى

في هذه الأثناء، قال الباحث بقسم العلاقات الدولية في جامعة “دكا” وخبير شؤون اللاجئين، سي آر أبرار: إن “أي مبادرة لجولة الدبلوماسيين إلى الجزيرة دون تقييم الخبراء ستكون بلا جدوى”.

وأضاف أبرار، لـ”الأناضول”، أن “المبعوثين ليسوا خبراء في الجزيرة، ولذلك ستكون زيارتهم إلى “بهاسان شار” بلا أي أهمية، فمن أجل سلامة الروهنجيا، تقييم الخبراء للجزيرة هو الأهم”.

وانتقد أبرار “عمليات نقل الروهنجيا التي تقوم بها بنغلاديش إلى الجزيرة رغم مطالبة الأمم المتحدة لإجراء دراسة شاملة”.

وتابع قائلاً: “ينبغي على بنغلاديش إجراء تقييم مستقل وعلى المعايير الدولية على الفور بشأن الأوضاع في الجزيرة”.

ومع ذلك، يطالب الروهنجيا الذين تم نقلهم إلى الجزيرة بالحصول على سبل لكسب العيش كما وعدتهم بنغلاديش قبل نقلهم.

وقال محمد أنصار، أحد الشباب اللاجئين من الروهنجيا في الجزيرة، لـ”الأناضول” “لم نأت إلى هنا (بهاسان شار) لنقيم بشكل دائم، نريد العودة إلى وطننا ميانمار، ولكن حتى ذلك الحين، نريد أن نشعر بالأمان ونعيش حياة كريمة هنا من خلال سبل كسب العيش”.

Exit mobile version