فورين بوليسي: على إدارة بايدن منع كارثة إنسانية في اليمن

في 4 فبراير، أعلن الرئيس جو بايدن أنه أنهى دعم الولايات المتحدة للهجوم الذي تقوده السعودية في اليمن.

قرار إدارة بايدن بمراجعة مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وإلغاء تصنيف إدارة ترامب لجماعة الحوثيين ‘منظمة إرهابية’ أجنبية، خطوات مرحّب بها لإعادة تقييم دور الولايات المتحدة في حرب اليمن. 

المنظمات الإنسانية انتقدت -على نطاق واسع- التصنيف، لأنه من المحتمل أن يعيق إغاثة المدنيين على الأرض. 

وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، دعا إلى التراجع الفوري عن هذه السياسة، لتجنّب المجاعة على نطاق واسع، مشيرا إلى أن 50000 شخص يتضورون جوعا حتى الموت، وهناك ما يقرب من 5 ملايين آخرين على بُعد خطوة من المجاعة.

الأمم المتحدة وصفت الوضع في اليمن بـ’أسوأ أزمة إنسانية في العالم’، حيث يعتمد أكثر من 80 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية، لتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية. 

خمس جولات من المفاوضات، بين حكومة عبد ربه منصور هادي، المدعومة من السعودية وقوات الحوثي، فشلت في إنهاء الحرب، التي تسببت بمقتل أكثر من 112000 شخص، منذ أواخر عام 2014. 

التدفقات الكبيرة للمساعدات الإنسانية ساعدت في تجنّب المجاعة في البلاد، أوائل عام 2019، والحدّ من الوفيات الناجمة عن وباء ‘الكوليرا’ المسجّلة كأعلى معدل في العالم.

إذا كانت الولايات المتحدة تريد إنهاء معاناة الشعب اليمني، مع إعادة وضع نفسها كوسيط دبلوماسي في الصراع المدني، عليها أن تغيّر سياستها تجاه الحرب في اليمن. 

يمكن إرجاع دعم إدارة أوباما للتحالف، الذي تقوده السعودية، بالأسلحة السخية، إلى تهدئة المخاوف بشأن الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيران، عام 2015.

بدلاً من ذلك، يجب على إدارة بايدن أن تركّز على مخاوف المدنيين، ليس فقط لمعالجة الأزمة الإنسانية الكارثية في اليمن، ولكن أيضا للضغط على أطراف النزاع، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة، للتوصل إلى تسوية تفاوضية.

التركيز على الدبلوماسية واستعادة المساعدات الإنسانية سيساعد في خفض التوترات في جميع أنحاء الخليج، والشرق الأوسط الكبير.

يعاني الكثير من اليمنيين من انعدام الأمن الغذائي الحاد. فوفقا لأحدث تقييم للأمم المتحدة (تصنيف مرحلة انعدام الأمن الغذائي المتكامل)، يواجه 13.5 مليون شخص في اليمن انعداما حادا في الأمن الغذائي، حيث تم تصنيف 16500 بالفعل على أنهم يتضورون جوعاً حتى الموت.

ومن المتوقّع أن يتفاقم الوضع في الأشهر الستة الأولى من عام 2021، حيث تواجه 14 من أصل 22 محافظة مستويات أعلى من سُوء التغذية والمجاعة.

لفهم ما يجري في اليمن، نحتاج إلى تجاوز اعتبار الجوع والمرض الحاد والواسع النطاق كأضرار جانبية غير مقصودة للنزاع.

المدير التنفيذي لمؤسسة ‘السلام العالمي’، أليكس دي وال، صرّح بأن اليمن – مثل سوريا والصومال ودارفور والصومال وشمال أوغندا – في حالة “مجاعة فظيعة”. 

من خلال الحصار والهجمات على البِنية التحتية المدنية، يدمّر المتحاربون سُبل العيش والتجارة والنشاط الاقتصادي، ويعطلون وصول المساعدات الإنسانية. 

المجاعات الفظيعة هي مشاريع سياسية، يعتبر فيها أطراف النزاع أن بعض الجماعات يمكن الاستغناء عنها. 

التركيز على الدبلوماسية واستعادة المساعدات الإنسانية سيساعد في خفض التوترات في جميع أنحاء الخليج والشرق الأوسط الكبير في هذه العملية.

نوثّق، في مقالنا الأخير حول الحرب في اليمن، أنماط استهداف البنية التحتية المدنية في زمن الحرب، بما في ذلك تدمير المياه والصرف الصحي، والطاقة والزراعة، وصيد الأسماك، والنقل، والبنى التحتية الصحية. 

تُساهم هذه الهجمات المتفشية في مستويات غير مسبوقة من الجوع الحاد والاحتياجات الإنسانية في اليمن. 

إن مهاجمة الأعيان، التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني، إلا إذا اقتضت الضرورة العسكرية ذلك.

من بين 1941 حادثة في ‘قاعدة بياناتنا’ بشأن اليمن، بين عامي 2010 و 2019، استهدفت 67 في المائة قطاعي الزراعة أو صيد الأسماك، الذي يشمل المزارع والأسواق، ومطاحن الدقيق، وشركات تصنيع الأغذية، وقوارب الصيد، ومزارع الدواجن، والثروة الحيوانية. 

بدأت الغالبية العظمى من هذه الهجمات بعد عام 2015، عندما استخدم التحالف بقيادة السعودية الغارات الجوية لتدمير أهداف مدنية، بما في ذلك المستشفيات، والبنية التحتية الزراعية، والطرق والجسور وأنظمة المياه. 

من عام 2010 إلى عام 2014، كانت الهجمات المبلّغ عنها على البنية التحتية نادرة، حيث نفّذتها في المقام الأول جهات فاعلة غير حكومية تابعة للقبائل المحلية، وركّزت على تخريب أنابيب النفط والغاز، ومنشآت الكهرباء، في كثير من الأحيان سعياً للحصول على امتيازات معيّنة من السلطات المركزية والمحلية. 

مع اشتداد الحرب، استهدفت قوات الحوثي والقوات الموالية لهادي والمليشيات السياسية في جميع أنحاء اليمن البنى التحتية المدنية، مما تسبب في أضرار بصحّة المدنيين وسُبل عيشهم. 

على الرّغم من الإجراءات الاحترازية، حيث يزوّد العاملون في المجال الإنساني أطراف النزاع بإحداثيات البنية التحتية الإنسانية، خاصة المرافق الطبية، شنّ التحالف بقيادة السعودية العديد من الهجمات على هذه المرافق.

تعتبر الهجمات على البنية التحتية المدنية سببا من أسباب رفع أسعار الغذاء إلى ما هو أبعد من متناول معظم اليمنيين. 

بحلول عام 2017، تقلّص الاقتصاد اليمني إلى حوالي نصف حجمه في عام 2015، بينما ارتفع معدل الفقر من 49 في المائة عام 2014 إلى ما يقدر بنحو 62-78 في المائة عام 2016. 

انخفاض قيمة العُملة بعد منتصف 2018 أدى إلى ارتفاع تكلفة الغذاء، في حين أدت الخسائر الهائلة في قيمة الريال اليمني وتصاعد أسعار المواد الغذائية إلى تفاقم الأزمة خلال تفشي وباء ‘كورونا’ في عام 2020.

وكانت الآثار الاقتصادية على قطاع الطاقة وتوفير الكهرباء وخيمة بشكل خاص، حيث لا تستطيع الدولة تحمل تكاليف استيراد الوقود، وتحتاج إلى الحفاظ على محطات المياه ومحطات الصرف الصحي وخدمات الكهرباء. 

أجرى البنك الدولي تقييما للأضرار التي لحقت بمنشآت الطاقة والكهرباء في 16 مدينة يمنية في عام 2020، ووجد أنه في حين أن 10 بالمائة فقط قد تعرضوا لأضرار مادية، فإن أكثر من 85 بالمائة منهم لا يعملون، بسبب نقص الوقود في المقام الأول.

الاقتصاد المنهار والبنى التحتية المدنية المتدهورة أدت إلى تقويض القدرة على الاستجابة لوباء ‘COVID-19’.

مع وصول فيروس ‘كورونا’ إلى اليمن في مارس 2020، أصدر -دون جدوى- الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، نداءً عاجلاً إلى الأطراف المتحاربة على مستوى العالم، لإلقاء أسلحتهم، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيود. 

على الرغم من جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، فإن الهجوم على مطار عدن في ديسمبر / كانون الأول 2020، الذي استهدف مجلس الوزراء اليمني الجديد (المدعوم من السعودية)، أكد أنه لا يمكن حل الأزمة الإنسانية دون جهود دبلوماسية، لإنهاء الصراع.

لدى إدارة بايدن فرصة لتغيير سياسة الولايات المتحدة بشكل أعمق في اليمن. لمنع حدوث مجاعة فظيعة، يجب على الولايات المتحدة إعادة الاستثمار في المساعدات الإنسانية والإنمائية، ودعم الجهود الدبلوماسية التي تجلب جميع أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات، وإنهاء القيود المفروضة على التجارة والواردات إلى اليمن.

ومع ذلك، فإن المساعدات الطارئة قصيرة الأجل غير كافية لاستعادة سبل العيش، وتسهيل مصادر الدخل، وضخ الاحتياطيات، التي تشتد الحاجة إليها، في النظام المصرفي اليمني. 

يجب أن تبدأ استعادة الخدمات الأساسية، وتلبية احتياجات إعادة الإعمار فورا، حيثما أمكن، جنبا إلى جنب مع الجهود الدبلوماسية المكثفة لإنهاء النزاع.

تعتبر القرارات السياسية الواردة في الخطاب الدبلوماسي الأول لبايدن خطوات مهمة نحو إعادة تشكيل السياسة الأمريكية في اليمن والشرق الأوسط الكبير. 

هناك حاجة ماسّة، أيضا، إلى الأمر التنفيذي لبايدن، بإعادة سياسات اللاجئين واللجوء، التي سمحت للولايات المتحدة ذات مرّة بالمطالبة بالقيادة في حماية اللاجئين وتسهيل إعادة التوطين. ومع ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تمضي إلى أبعد من ذلك، مع إعطاء الأولوية لرفاهية المدنيين، وفقا للمبادئ الإنسانية، باعتبارها ركيزة أساسية للسياسة الخارجية. 

مثل هذا الالتزام لا يعني فقط تحميل القوات الأمريكية وحلفائها المسؤولية عن الرعاية الإنسانية أثناء الحرب، ولكن أيضا إيجاد طرق لإضفاء الطابع المؤسسي على ضبط النّفس، بما في ذلك إجراء تقييمات ما قبل الصراع للآثار الإنسانية قبل التدخلات المسلحة للولايات المتحدة أو الحلفاء. 

ستساعد هذه الإجراءات الولايات المتحدة بشكل كبير في منع حدوث مجاعة فظيعة في اليمن وخارجها.

Exit mobile version