تصعيد الضغط الأوروبي على الملف النووي الإيراني

يعود الملف النووي الإيراني إلى السطح بالتزامن مع التطورات السياسية الإقليمية والدولية، وعلى رأسها وصول إدارة بايدن إلى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية والمصالحة الخليجية.

وتنتهز أوروبا الفرصة لتصعيد ضغوطها على إيران في ظل سياسة البحث عن موقع قدم في منطقة الشرق الأوسط، بعد تصاعد دور قوى أخرى مثل تركيا في المنطقة، وفي ظل توازنات سياسية أوروبية.

 تفعيل العلاقات الأوروبية الأمريكية

بدأت مؤشرات انخفاض درجة التوتر على مستوى العلاقات الأوروبية الأمريكية، منذ نجاح بايدن في  الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والذي يحظى بتأييد أوروبي بسبب اعتماده مقاربة أمريكية في معالجة القضايا الدولية تقوم على أساس العمل المتعدد الأطراف، خلافاً للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب الذي رفع شعار “أمريكا أولاً”، واتخذ الكثير من القرارات الأحادية أهمها الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018م، ومن منظمة الصحة العالمية، ومن اتفاق باريس للمناخ، ومن اتفاق “نافتا” للتجارة الحرة في أمريكا الشمالية، ومن معاهدة الأجواء المفتوحة، فضلاً عن قراره سحب الجنود الأمريكيين من ألمانيا، بحجة أن هذه الأخيرة لم تقم بمعاقبة روسيا على مشروع الغاز الروسي “السيل الشمالي 2” الذي يعبر الأراضي الألمانية، علاوة على القرارات الأحادية التي اتخذها بالانسحاب من أفغانستان والعراق.

وبقيت العلاقات الأمريكية الأوروبية متوترة إلى أن حصل تحوّل على رأس هرم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، ووصل الديمقراطيون إلى الحكم، مما يعني فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الطرفين.. ومما ساعد على ذلك تعيين أنتوني بلينكن وزيرًا للخارجية الأمريكية الذي تربطه بأوروبا علاقات كبرى منذ صغره، حيث قضى طفولته في باريس ودرس في المدارس الفرنسية وتولى والده منصب سفير الولايات المتحدة في المجر بين عامي 1994 و1997م خلال حكم الرئيس بيل كلينتون. واليوم، يتولى بلينكن الاشراف على الدبلوماسية الأمريكية بعقلية منفتحة على الحلفاء الأوروبيين. 

ربط الملف النووي بالدور الإقليمي الإيراني

في هذا الإطار، يندرج التعاطي مع أهم الملفات “الساخنة” وعلى رأسها الملف النووي الإيراني. ومعلوم أن الرئيس الأمريكي المنتخب مقتنع -على عكس سلفه-  بأنه لا بديل من الدخول في مفاوضات مع إيران، لكنه يضع شروطًا أو قواعد جديدة، حيث يتحدث صراحة على أنه يتعين توسيع الاتفاق النووي ليشمل ضوابط أخرى على تخصيب إيران اليورانيوم، وكذلك طرح برنامجها الصاروخي ودورها الإقليمي على بساط البحث. 

وهذا الربط بين الملف النووي والدور الإقليمي الإيراني هو مربط الفرس في المرحلة المقبلة، وهو ما تخشاه إيران في ظل التطورات الجديدة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، ومن أهمها المصالحة الخليجية التي ستعطي دفعًا جديدًا للدور الخليجي الإقليمي.

التصعيد الفرنسي  

 في هذا السياق، جاء تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن أي محادثات جديدة بشأن الاتفاق النووي مع إيران يجب أن تشمل السعوديةـ وستكون “صارمة” جدًا، وأن الوقت المتبقي لمنع طهران من تطوير سلاح نووي محدود للغاية.

ولم يتأخر الرد الرسمي الإيراني، حيث دعا المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الرئيس الفرنسي إلى “ضبط النفس، وتجنب التصريحات المتسرعة وغير المدروسة”، حسب تعبيره.

وقال خطيب زاده “إن الاتفاق النووي اتفاقٌ دولي غير قابل للتفاوض مجددًا، ولا يمكن إدخال أطراف جديدة فيه”.

وتلتقي تصريحات الرئيس الفرنسي مع دعوة كل من السعودية والإمارات في وقت سابق إلى ضرورة مشاركة دول الخليج العربي هذه المرة في أي محادثات، ومع طلب السعودية بأن تتناول المفاوضات برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.  

تطوير الاتفاق

والسؤال لماذا هذا التصعيد الفرنسي وفي هذا التوقيت بالذات؟

من المعلوم أن أوروبا تعتبر الاتفاق الأوروبي إنجازاً مهماً وأنه يجب الحفاظ عليه، لكن في الوقت نفسه تطالب بتطويره، والمبرر الذي يتم تقديمه “تحقيق الاستقرار الإقليمي”. لكن تطوير الاتفاق لن يتحقق دون القيام بنقاش في العمق حول البرنامج الصاروخي الإيراني ودور طهران الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

وكانت ألمانيا أول من بادر بتأييد بايدن فور انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية في سياسته الخارجية خاصة ما يتعلق بتفعيل المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، حيث صرّح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بضرورة القيام بـ “إضافات” على الاتفاق النووي الإيراني السابق لسنة 2015م، مع الإشارة إلى وجود اتفاق ألماني فرنسي بريطاني – وهي من الأطراف المفاوضة على الاتفاق المذكور- على مسألة الإضافات الجديدة.

تنافس ألماني فرنسي

لكن الرئيس الفرنسي ماكرون أراد “التميّز” بموقف خاص، وهو التأكيد على مشاركة الطرف السعودي في المفاوضات المقبلة. ولهذا الموقف دواعيه وخلفياته، فمن ناحية هناك الاعتبارات الاستراتيجية، بداية من الوضع الإقليمي الأوروبي، ففرنسا تنافس ألمانيا -وهذا ليس بجديد- على قيادة القاطرة الأوروبية، ويريد ماكرون انتهاز فرصة قرب اعتزال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل السلطة في ألمانيا، وكانت قد أعلنت في ديسمبر الماضي عدم ترشحها لرئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وكذلك نيتها عدم الترشح لمنصب المستشارية عام 2021م.

وفي ظل هذا التحول السياسي القريب في ألمانيا، وغياب أكبر منافس لماكرون في أوروبا، تسعى القيادة السياسية في فرنسا إلى تعزيز موقعها الأوروبي والعالمي.

في هذا السياق، يريد الطرف الفرنسي كسب الرهان الاقتصادي في منطقة تشهد تحولات كبرى، خاصة بعد المصالحة الخليجية. حيث تريد باريس كسب الطرفين السني (ورمزه السعودية) والشيعي (ورمزه إيران) ليكون لها موقع قدم في هذه المنطقة الاستراتيجية. وبالتالي إضعاف الدور التركي الإقليمي، وهو أمر يدخل أيضا ضمن الاعتبارات المرتبطة بالسياسة الخارجية الفرنسية.  

Exit mobile version