الجزائر: جدل حول قانون الانتخابات الجديد

تواصل الأحزاب السياسية الجزائرية مناقشة مشروع القانون الجديد للانتخابات، الذي كشفت عنه الرئاسة، وسط انقسام حاد بين مرحب ورافض ومتحفظ.

وأعلن محمد لعرابة رئيس لجنة صياغة مشروع الانتخابات بالجزائر، الأربعاء، عن 188 تعديلاً من أصل 313 مادة قانونية بقانون الانتخابات، بينها 73 مادة جديدة، و24 خصصت لمراقبة تمويل الحملة الانتخابية، و46 مادة تخص العملية الانتخابية، و26 تتعلق بعملية التصويت، و76 مادة قانونية تختص بانتخاب نواب البرلمان والمجالس المحلية.

ودافع محمد شرفي رئيس السلطة المستقلة للانتخابات الجزائرية، عما ورد في التعديلات الواردة على قانون الانتخابات، مؤكدا أنها “كفيلة بمحاربة الفساد والرشوة والتزوير”، واصفاً إياه بأنه القانون الذي “يعطي ضمانات الديمقراطية القصوى”.

ونوه إلى أن مشروع القانون يضمن “المبادئ والقيم العامة” التي تشمل محاربة الفساد خصوصاً خلال الحملات الانتخابية، وكشف عن نص القانون الجديد للمرة الأولى بتشكيل “لجنة مستقلة” تابعة لهيئة الانتخابات، تكون مهمتها “مراقبة الأخلاق العامة والتسيير الشرعي للدولة”، تتكون من ممثلين عن مجلس الدولة ومجلس المحاسبة والمحكمة العليا.

وتضمن قانون الانتخابات المقترح على التشكيلات السياسية بالجزائر عدة تعديلات أثارت جدلاً واسعاً، بينها الإبقاء على عتبة 4% الخاصة بتوزيع المقاعد، وكذا المناصفة بين الرجل والمرأة في القوائم الانتخابية، والعودة إلى نظام الانتخاب النسبي.

ويمهد القانون الجديد لإجراء انتخابات تشريعية ومحلية جزائرية لن تجرى في وقت واحد، وعلل محمد شرفي رئيس السلطة المستقلة للانتخابات ذلك، لحاجة البلاد لعدد كبير من القضاة المشرفين على مراقبتها، فيما أشار إلى أن الجزائر “لا تتوفر إلا على 600 قاضٍ فقط” مكلفين بمراقبة الانتخابات.

ولم يتبق أمام الأحزاب السياسية الجزائرية إلا يومان فقط لإبداء ملاحظاتهم وإثراء مشروع قانون الانتخاب الجديد بعد أن أمهلتهم الرئاسة مدة 10 أيام، قبل أن يصادق عليه من قبل مجلس الوزراء وغرفتي البرلمان (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة).

على أن تكون الخطوة الأخيرة إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حل البرلمان والمجالس المحلية والدعوة لانتخابات مبكرة، وسط توقعات بأن تجرى الانتخابات النيابية خلال الربع الثاني من هذا العام، فيما يحدد موعد الانتخابات المحلية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2021.

ويرى مراقبون أن السلطة الجزائرية تهدف من وراء التعديلات الجديدة إلى “مغازلة الناخبين ورد الاعتبار للفعل الانتخابي” عبر بعض المواد الجديدة لتحفيزهم على التصويت أو الترشح، خصوصاً وأن “حالة العزوف والمقاطعة” باتت ظاهرة تؤرق النظام الجزائري.

وسجلت الجزائر في استفتاء التعديل الدستوري نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد بنحو 23%، وهو ما اعتبره متابعون “مؤشرا خطرا وتعبيرا مباشرا من قبل الناخبين عن عدم توفر ضمانات تغيير حقيقية، واستمرارا لحالة الشرخ وانعدام الثقة بين الشارع والسلطة”.

4 تعديلات جذرية

ووفق مشروع قانون الانتخابات بالجزائر، الذي حصلت “العين الإخبارية” على نسخة منه، فقد وردت فيه جملة من التعديلات الجذرية، أبرزها: إشراف وفحص اللجنة المستقلة للانتخابات للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات الجزائرية قوائم المرشحين، وإبداء الرأي فيها، سواء بالموافقة أو الرفض، بعد أن كانت العملية من مهمة وزارة الداخلية.

ومنح القانون أيضاً ضمانات في حال رفض ملفات الترشح من قبل هيئة الانتخابات بتقديم طعون أمام المحاكم الإدارية في ظرف 3 أيام، وهو الضمان الذي اعتبره المراقبون “إنهاء لهيمنة الإدارة ووزارة الداخلية الجزائرية على سير العملية الانتخابية والتحكم فيها من بداياتها”.

حظر التمويلات

وللمرة الأولى أيضا، منع القانون الجديد على الشركات أو رجال الأعمال تمويل الحملات الانتخابية في جميع الانتخابات بما فيها الرئاسية، خصوصاً بعد فضيحة تمويل الحملة الانتخابية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، غداة ترشحه لولاية خامسة، وكذا التمويل الأجنبي.

ونصت المادة 87 من قانون الانتخاب الجديد بالجزائر على “أن يتم حظر على كل مترشح أن يتلقى بصفة مباشرة أو غير مباشرة، هبات نقدية أو عينية أو أي مساهمة أخرى، مهما كان شكلها، من أي دولة أجنبية أو أي شخص طبيعي أو معنوي من جنسية أجنبية”.

الاقتراع النسبي

من أبرز المواد التي أثارت الجدل والانقسام وسط الأحزاب السياسية الجزائرية، إقرار القانون العودة إلى الاقتراع النسبي وإلغاء العمل بالقوائم المفتوحة، مع العمل أيضا بـ”التصويت التفضيلي” وعدم مزج القوائم الانتخابية الخاصة بالمجالس البلدية والولائية أو الخاصة بالتشريعيات.

وبموجب تلك المادة، ألغى المشرع “رأس القائمة” ويحق للناخب الجزائري التصويت على أي مرشح في القائمة الانتخابية، وهو التعديل الذي أبدت عدة أحزاب رفضها لها، على رأسها حزب “جبهة التحرير” الحاكم سابقاً في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وجاءت هذه المادة بحسب مراقبين، على خلفية فضائح “بيع المقاعد ورأس القائمة” التي فجرها النائب المثير للجدل بهاء الدين طليبة في الحزب الحاكم الجزائري السابق، كاشفاً عن بيع قوائم انتخابية بـ”نصف مليون دولار”.

ونص القانون الجديد على أن “يختار الناخب بمجرد وجوده داخل المعزل قائمة واحدة، ويصوت لصالح مترشح أو أكثر من القائمة نفسها في حدود المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية، على أن يتم توزيع المقاعد المطلوب شغلها بين القوائم بالتناسب أولاً، حسب عدد الأصوات التي تحصلت عليها كل قائمة مع تطبيق قاعدة الباقي الأقوى”.

وهو ما يعني أنه لأي مرشح متذيل في ترتيب القائمة الانتخابية الفوز بالمقعد في حال حصوله على أكبر نسبة من المصوتين.

وأشار خبراء قانونيون لـ”العين الإخبارية” إلى أن إلغاء “رأس القائمة الانتخابية” يهدف لـ”وقف الفساد الانتخابي وبيع المراكز في قوائم الترشح” كما حدث في انتخابات 2017، ووضع حد لتغول المال السياسي في الانتخابات.

العتبة الانتخابية

من بين التعديلات الجديدة أيضا وأكثرها انتقادا من قبل معظم الأحزاب السياسية بالجزائر، وخصوصاً المعارضة منها، إقصاء القوائم الانتخابية التي لا تحصل على نسبة 5% من المصوتين فيما يعرف بنظام العتبة.

وورد فيها بأنه “لا تؤخذ في الحسبان عند توزيع المقاعد القوائم التي لم تحصل على نسبة خمسة في المائة على الأقل من الأصوات المعبر عنها”.

وأبقى القانون الجديد على مادة سابقة قوبلت في الأعوام الأخيرة برفض من قبل الطبقة السياسية، حيث يضع قانون الانتخاب الجزائري شرطاً صارماً لقبول قوائم المرشحين في الانتخابات التشريعية والمحلية.

ويلزم أيضاً الأحزاب السياسية حصولها على مجموع أصوات يفوق 4 % في آخر انتخابات جرت، أو يكون له 10 منتخبين في البرلمان أو المجالس المحلية، وفي حال عدم توفرها يشترط على الأحزاب جمع 50 توقيعاً عن كل مقعد مطروح للانتخابات.

المناصفة بين الرجال والنساء

تعديل آخر أثار الجدل بين السياسيين والحقوقيين الجزائريين، تعلق بإجبار الأحزاب والمستقلين على “المناصفة في إعداد قوائم المرشحين بين النساء والرجال”، واستثنى في ذلك البلديات التي قل عدد سكانها عن 20 ألف نسمة.

وفرضت التعديلات الجديدة كذلك أن يكون “ثلث المرشحين من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً” في قوائم الانتخابات التشريعية.

التفسير القانوني

العضو السابق بالمجلس الدستوري والمحكمة العليا بالجزائر الدكتور عامر رخيلة قدم لـ”العين الإخبارية” ملاحظات وتفسيرات قانونية للمواد الجديدة والمثيرة للجدل التي وردت في القانون العضوي الجديد للانتخابات.

وأبرز الخبير القانوني الدكتور عامر رخيلة “نقطتان إيجابيتان” في قانون الانتخابات الجديد، رغم ما يحمله من تناقضات، وهما “العدول عن القائمة النسبية وإلغاء رأس القائمة”.

وأشار إلى أن المواد التي أثارت اللغظ أو الجدل في القانون الجديد “كان بشكل متعمد من اللجنة” بينها المواد من 167 إلى 170، وتحدث عن تناقض وارد بها تمثل في “حديث اللجنة عن المعامل الانتخابي أو العتبة التي تعني الاقتراع الإسمي أو التفضيلي، بينما القانون الجديد حدد الاقتراع النسبي”.

ومن بين الإشكالات التي طرحها القانون الجديد – وفق الخبير القانوني الجزائري – ما تعلق منها بفرز الأصوات، مشيرا إلى تضمنه “إضافة أصوات الناخبين المحصل عليها للقوائم التي لم تنل أي صوت”، متسائلا في السياق: “بأي حق تعود تلك الأصوات لتلك القوائم أو الأحزاب”.

التمثيل القصري

الخبير القانوني الجزائري استبعد في المقابل أن تساهم التعديلات الواردة بقانون الانتخابات في وضع حد لنظام “المحاصصة العلني”، مشيرا بأنه يمثل “التمثيل القصري” أو نظام “محاصصة من نوع آخر” أو “المناصفة التي تفتقر للإنصاف”.

وأشار لتطرق القانون للمناصفة بين المرأة والرجل، وهي المناصفة التي يمكن لها أن تكون في القانون، وهي مسؤولية الأحزاب والناخبين”، معتبرا في السياق بأن تعديلات القانون حملت “مغازلة للنساء والشباب”.

المستفيد والخاسر

وفي رده على الأحزاب الجزائرية التي يمكنها الاستفادة من التعديلات الواردة في قانون الانتخابات، أشار الدكتور “رخيلة” إلى “الأحزاب التي تملك وجودا والمهيمنة وهي أحزاب الموالاة لأنها منتشرة عبر كامل التراب الوطني”.

وختم بالإشارة إلى أن مضمون القانون الجديد “يتماشى مع المادة الدستورية الجديدة التي أقرت الأغلبية الرئاسية أو البرلمانية في تشكيل الحكومة”، كما أنه “تضمن مغازلة للأحزاب الصغيرة”.

واعتبر في المقابل أن كل ذلك “ينتج عنه أغلبية هجينة تواجه أي قوة سياسية يمكنها الحصول على الأغلبية وقد تتشكل من القوائم الحرة والأحزاب الصغيرة وهو ما يعني بداية تغير الخارطة السياسية في الجزائر”.

Exit mobile version