شُبهات حول حقوق المرأة في الإسلام (2 – 2)

تحدثنا في المقال السابق عن نظرة الغرب للمرأة، وتكريم الإسلام للمرأة، ومسؤولية المرأة الدينية في الإسلام، واليوم نتحدث عن حقوق المرأة الشخصية والاجتماعية.

لقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الأحكام المتعلقة بالتصرفات المالية والشخصية، فالمرأة في النظام الإسلامي تنجز لنفسها عقود البيوع والرهن والإجارة والصلح والشركة والمساقاة والمزارعة بحرية تامة كالرجل، كما أنها تهب وتوصي وتتصدق وتقف الأوقاف، حكمها في ذلك كحكم الرجل، ثم هي تعقد زواج نفسها بحرية تامة، ولها حق الموافقة أو الرفض، كل هذه التصرفات المالية أو الشخصية تتولاها المرأة بنفسها في حرية كاملة، أو توكل عنها من يقوم لها بها، دون أن يكون عليها وصي أو حاجر، ما دامت مستوفية شروط أهلية التصرف، وهي في هذا كالرجل، وإشراك وليها في عقد نكاحها نوع من أنواع الصيانة والتكريم وضمان الحقوق لها، حتى لا تستغل أو تستغفل أو يغرر بها أو يجحد حقها نظراً إلى الحياء الذي يعتري المرأة المؤدبة بآداب الإسلام في موضوع الزواج، يضاف إلى ذلك حق الأسرة في مصاهرة من يلائمها اجتماعياً.

وأموال المرأة في النظام الإسلامي ملك لها، ومهرها ملك لها، وليس لأحد من الناس أن يعتدي عليها في شيء من ذلك، وإذا تزوجت المرأة لم تفقد شيئاً من شخصيتها المدنية، ولا من أهليتها في التعاقد، ولا من حقها في التملك، بل تظل بعد زواجها محتفظة بكامل حقوقها المدنية، وأهليتها في تحمل الالتزامات، وإجراء العقود، وحقها في التملك تملكاً مستقلاً.

ولم يبح الإسلام لزوجها أن يأخذ شيئاً من مالها إلا عن طيب نفس منها، قال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (النساء: 4).

وقال أيضاً: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء).

هذا هو نظام الإسلام في رقيه وسموّه وضمانه لحقوق المرأة، بينما نجد في أحدث القوانين الأوروبية نصوصاً تنزع عن المرأة صفة الأهلية في كثير من الشؤون المدنية، إذ نجد مثلاً نصوصاً فيها تقرر: “أن المرأة المتزوجة لا يجوز لها أن تهب ولا أن تنقل ملكيتها ولا أن ترهن ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون إشراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابيّة”، وهذا ما تضمنته المادة (217) من القانون المدني الفرنسي.

أليس هذا حجراً على تصرفات المرأة لا يعدو أن يكون من رواسب استرقاق الرجال للنساء في أوروبا، على خلاف وضع المرأة المسلمة، وهو الوضع الذي ما زالت تتمتع به منذ ظهر فجر الإسلام، فمنح النساء حقوقهن بالعدل؟

وأما ما تعانيه بعض النساء في بعض البيئات التي تنتسب إلى الإسلام فما هو إلا انحراف عن منهج الإسلام وتعاليمه البينة الصريحة، بعادات دخيلة، أو بتأثير رواسب جاهلية، وتعلن النصوص الإسلامية أن المؤمنين والمؤمنات على صعيد سواء في أن بعضهم أولياء بعض، وفي أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤدون واجباتهم الدينية، ويطيعون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفي أنهم جميعاً مشمولون بوعد الله بالجنات التي تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وبالرضوان من الله عز وجل، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 71).

فالمرأة في النظام الإسلامي تنصر الرجل على نفسه فتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، كما أن الرجل ينصر المرأة على نفسها، فيأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر.

هذا ما عرفته ودرجت عليه النساء المسلمات في العصر الإسلامي الأول، والعصور التي اهتدت بهديه من بعده، حتى جاءت عصور الانحطاط التي انتشر فيها بين المسلمين مفاهيم غريبة عن الإسلام، فعزلت المرأة عزلاً تاماً عن العلم والمعرفة، وصدتها عن واجباتها الإسلامية.

ويحفظ لنا التاريخ تلك الحادثة المشهورة، حادثة المرأة التي وقفت في المسجد، وتصدت لخليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أراد أن ينهي عن المغالاة في المهور، فقالت له: ليس ذلك لك يا عمر، إن الله تعالى يقول: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) (النساء: 20)، فقال عمر: “امرأة خاصمت عمر فخصمته”، وفي رواية أخرى: “امرأة أصابت ورجل أخطأ”.

ألا فليعلم نساؤنا أن أعداء الإسلام الذين يريدون صرفهن عن الإسلام، بشعاراتهم البراقة، إنما يريدون أن يجعلوا المرأة سلعة كاسدة، ومتعة رخيصة، وخادمة مهانة.

ومع ما في الإسلام من رقي وسمو، وضمان لحقوق المرأة، وحقوق الرجل بالعدل، وسلامة المجتمع، بشكل لم ترق إلى مثله أحدث النظم الوضعية، تحاول الفتيات المسلمات في الأجيال الحديثة أن يلحقن بركب المرأة الأوروبية، وهن يتسابقن في مضرات أنفسهن، متهالكات تهالك الفراشات على النار(1).

 

___________________________________

(1) للتوسع في الرد على هذه الشبهة ينظر:

– كتاب أجنحة المكر الثلاثة، الشيخ عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني.

– شبهات وإجابات حول مكانة المرأة في الإسلام، د. محمد عمارة.

– المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام، الباحث علي بن نايف الشحود.

(*) دكتوراه في العقيدة وعلم الكلام.

Exit mobile version