في الذكرى الـ29 لاندلاع “العشرية السوداء” بالجزائر

محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق كان وراء الانقلاب علي الديمقراطية ومذابح العشرية السوداء

تمر، اليوم الإثنين، الذكرى الـ29 على إعلان مجلس الأمن الأعلى بالجزائر إلغاء الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية بعد الفوز الذي حققته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجولة الأولى، وهو الأمر الذي تسبب بدخول الجزائر في دوامة من الصراعات الداخلية والحرب الأهلية المسلحة التي عرفت بـ”العشرية السوداء”.

وفي هذا الصدد، قال الكاتب الصحفي فهمي هويدي: المشهد الجزائري كشف عنه تقرير مهم لموقع «موند أفريك» الفرنسي، عرضه «عربي 21»، إذ تطرق إلى العواصف السياسية التي تضرب الساحة الجزائرية في الوقت الراهن جراء فتح ملفات «العشرية السوداء» التي تمثلت في صراع العسكر والمخابرات مع الإسلاميين بعد فوزهم في الانتخابات عام 1991.

ذكر التقرير أن الملفات فتحت بعدما أطاح الرئيس بوتفليقة في سبتمبر من العام الماضي بالجنرال توفيق الرجل الأقوى في الجزائر، الذي رأس جهاز المخابرات منذ عام 1990، إذ في أعقاب إجباره على الاستقالة وجد بعض المسؤولين في دولة المخابرات أنفسهم في وضع حرج، فقد بدأت أسرار العشرية السوداء تتكشف، بعدما قام أحد رجالها العقيد السابق محمد طاهر عبدالسلام الذي كان مكلفاً في جهاز المخابرات بملفات الشرق الأوسط والمعارضين في الخارج بالإدلاء بشهادته حول أحداث «العشرية السوداء»، ذلك أنه بعدما فقد الجنرال توفيق سيطرته على الصحف والقنوات التلفزيونية، فإن وسائل الإعلام المحلية تنافست على كشف المعلومات المتعلقة بإجهاض المسار الديمقراطي في سنوات التسعينيات، وهو ما تم من خلال دعوة بعض رجال تلك المرحلة إلى الحديث عما جرى خلالها، فقامت قناة «خبر» المحلية ببث حوار استمر ساعتين مع العقيد محمد طاهر عبدالسلام تحدث فيه عن ملابسات تصفية الجنرال فضيل سعيدي، المسؤول عن العمليات الخارجية في جهاز المخابرات عام 1996، إذ ذكر أن حادث السيارة الذي قتل فيه كان مدبراً، وأن الناجي الوحيد من الحادث الذي عولج آنذاك في أحد مستشفيات باريس أكد ذلك، حيث أفاد بأن السيارة لم تتعرض لحادث سير كما قيل، ولكنها انفجرت مما أدى إلى قتل الرجل، وطبقاً لما ذكره، فإن سبب التصفية راجع إلى أن الرئيس السابق الجنرال لمين زروال كان قد قرر تعيين الجنرال فضيل على رأس جهاز المخابرات، وهو ما رفضه الجنرال توفيق ومساعدوه، لذلك فإنهم تخلصوا من الرجل بهذه الطريقة.

تحدث العقيد عبدالهادي أيضاً عن انقلاب العسكر على المسار الديمقراطي من خلال قطع الطريق على الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فقال: إنه بعد الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي تمت عام 1991 وأظهرت تقدماً واضحاً للجبهة تم إقصاء الرئيس شاذلي بن جديد، وتسلم العسكر الاستئصاليون مقاليد الدولة، وقد شرع هؤلاء في تنفيذ مخططهم لإفشال الإسلاميين عبر إغراق البلاد بشكل متعمد في العنف والإرهاب.

في هذا الصدد، ذكر رجل المخابرات السابق أنه سمع بنفسه قادة المخابرات وهم يتحدثون عن قبولهم بوصول الرئيس الأسبق أحمد بن بلة للحكم إذا اختاره الجزائريون، إلا أنهم لن يسمحوا لعناصر الجبهة الإسلامية بتولي السلطة حتى إذا فازوا في الانتخابات.

من الملاحظات المهمة التي سجلها تقرير «موند أفريك»، أن الجنرال توفيق وبقية قيادات الجيش والمخابرات الذين قادوا المؤامرة يوصفون في الأوساط الشعبية الجزائرية بأنهم «جنرالات فرنسا»، ذلك أنهم حاربوا إلى جوارها ضد الثوار الجزائريين في حرب الاستقلال، ثم انضموا إلى صف الثورة في اللحظات الأخيرة قبل خروج فرنسا من الجزائر، وظلوا منذ تلك الحقبة يسيطرون على مقاليد السلطة في البلاد ويخدمون مصالح المحتل بصورة غير مباشرة.

أورد التقرير قصة أخرى تتعلق بالشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة في تونس، الذي كان ملاحقاً من النظام الحاكم، إذ حين اضطر للهرب إلى الجزائر، فإن الجنرال زين العابدين بن علي قرر ملاحقته، فتوجه إلى لوزان السويسرية وطلب من بن بلة الذي كان مقيماً هناك العمل على ترحيل الغنوشي إلى تونس، وهو ما أثار استياء بن بلة واستنكاره، فاتصل برئيس الوزراء الجزائري آنذاك أحمد غزالي (بين عامي 1991 و1992) وقال له: لقد أوصلتم الجزائر للحضيض حتى إن شخصاً تافهاً مثل بن علي جاء يصدر إلينا الأوامر، ويحذرنا من أنه سيفضح الجزائر في أوروبا إذا لم نسلمهم راشد الغنوشي!

إن فضائح عالم المخابرات تتسرب حيناً بعد حين إلى وسائل الإعلام؛ الأمر الذي يصدم الرأي العام من خلال اطلاعه على خبايا ذلك العالم السري الذي ظل يهيمن على الجزائر منذ استقلالها في عام 1962، إذ إنها ليست حافلة بالملفات المثيرة فحسب، ولكنها أيضاً حافلة بالدروس والعبر.

حفظ الله الجزائر وشعبها، وحفظ الأمة الإسلامية جمعاء من كل سوء.

Exit mobile version