تونس.. لهذه الأسباب أقال المشيشي وزير الداخلية

لم تمر عملية إقالة رئيس الحكومة التونسي هشام المشيشي لوزير الداخلية توفيق شرف الدين من مهامه دون ردود فعل معظمها متشنجة، وأخرى بعيدة عن الحقيقة، وصلت إلى حد الافتراء على رئيس الحكومة وربط إعفاء وزير الداخلية بمحاربته للفساد (هكذا).

الأسباب المزعومة

واخترع البعض قصصاً أخرى ربطوها بالحجر الصحي، ومخالفة صاحب فندق للحجر الصحي واجتماعه مع 15 شخصاً، كما ذهب إلى ذلك نائب من المعارضة لسعد الحجلاوي الذي زعم بأن رئيس الحكومة هشام المشيشي أقال وزير الداخلية لأنه اتخذ إجراءات قانونية بحق صاحب الفندق المخالف لقواعد الحجر الصحي.  

أما من دعوا إلى حملة اعتقالات للسياسيين وفرض الطوارئ في البلاد وتغيير النظام السياسي في البلاد، وكانوا يعوّلون على وزير الداخلية المقال، فقد اعتبر بعضهم الإقالة “عبثاً” وقراراً لم يتخذه المشيشي، وإنما الحزام السياسي للحكومة، ويعني بذلك حزب حركة النهضة، وائتلاف الكرامة، وحزب قلب تونس.. وهكذا أدخل قرار إقالة وزير الداخلية أنصار الفوضى في “حيص بيص”! فمرة يقولون بسبب محاربة الفساد، وليست هناك حالات واضحة يمكن الاستشهاد بها، ومرة يربطونه بتوقيف صاحب فندق، وهو سبب لا يمكن أن يقنع صاحب عقل، ويفهم في الممارسة السياسية.

ومن أولئك الذين خاضوا في نظرية المؤامرة في مسألة إقالة وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين النائب عن حزب التيار الديمقراطي، هشام العجبوني، الذي كتب في صفحته على “فيسبوك” قائلاً: “إن إعفاء وزير الداخلية توفيق شرف الدين من مهامه وقع اتخاذه من الحزام السياسي منذ يوم منح الثقة لحكومة هشام المشيشي، أي منذ 1 سبتمبر 2020”.

وتابع: “كانوا فقط يتحيّنون الفرصة والتعلّة المناسبة لتنفيذه، تماماً مثل قرار اشتراط توسيع الحزام السياسي لحكومة إلياس الفخفاخ أو إسقاطها”.

ومن صاحب فندق مروراً بالحزام السياسي للحكومة إلى صاحب ملهى، وإذا تضاربت الروايات تسقط الأخبار كما يقولون، فالنائب من نفس الكتلة محمد عمار كتب، في تدوينة له على “فيسبوك”، أن “وزير الداخلية طبق القانون على صاحب ملهى ليلي في سوسة بسبب جريمة قتل ذهب ضحيتها مواطن، صاحب الملهى الليلي يتجاوز القانون متبجحاً بنفوذه، ورئيس الحكومة يطلب إخلاء سبيل صاحب الملهى ووزير الداخلية يتمسك بتطبيق القانون، لأجل عيون الفاسد بائع المشروبات الروحية الناصر بن عمار تتم إقالة وزير الداخلية”.

شطحات أخرى

اعتبر آخرون أن إقالة رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي لوزير الداخلية توفيق شرف الدين تعكس حجم الخلافات بين رئيس الحكومة، والرئيس قيس سعيّد، كما ذهب إلى ذلك أحد أبرز أبواق الرئيس الأسبق بن علي، برهان بسيّس، الذي يصفه البعض بـ”غوبلز” (مشرف الدعاية في عهد هتلر)، و”أحمد سعيد” (عهد عبدالناصر بمصر) حيث كتب أنه “من الواضح أن رئيس الحكومة هشام المشيشي مر في علاقته مع رئيس الجمهورية من مرحلة امتصاص الصدمات إلى مرحلة فك الارتباط الاستعراضي”.

وتابع: “فحديثه هذا الصباح عن أنه من كوكب تونس وليس كرئيس الجمهورية الذي قال عن نفسه: إنه يشعر بأنه من كوكب آخر، كان على ما يبدو علامة الانطلاق في المسار الاستعراضي المذكور”.

الأسباب الحقيقية للإقالة

1- لا شك أن هناك خلافات بين الرئيس سعيّد، ورئيس الحكومة المشيشي، وحديث الرئيس التونسي في كل مرة عن شعوره بالمرارة، وأنه يشعر بأنه من عالم آخر، ولعبه دور المعارضة، وما قيل: إن الرئيس حاول إسقاط حكومة المشيشي عن طريق مجلس نواب الشعب، كلها تصب في اتجاه التأكيد على وجود خلافات، فضلاً عن فلتات لساني الرئيس، ورئيس الحكومة، بل إن قول رئيس الحكومة في كل مرة يسأل فيها عن علاقته بالرئيس سعيّد بأنها علاقة احترام متبادل ويحكمها الدستور، تشير في ثناياها إلى وجود خلافات.

2- أن المقربين من رئيس الجمهورية من الطبقة السياسية والكتل البرلمانية وغيرهما على خلاف مع رئيس الحكومة، وليسوا من الحزام السياسي لحكومته، وهو ما يفيد بوجود خلافات، كما يوجد تنسيق بين رئاسة الجمهورية وبعض رموز المعارضة للحكومة، حيث استقبل الرئيس التونسي أخيراً محمد عبو المستقيل من التيار الديمقراطي الذي دعا للانقلاب على النظام السياسي الحالي في البلاد واعتقال ممن يفترض أنهم سيعارضون فرض الأمر الواقع بالقوة.

3- وإذا كان بعض الوزراء قد فرضوا فرضاً على رئيس الحكومة من الدوائر المقربة من الرئيس التونسي، وتحديداً من مديرة مكتبه نادية عكاشة، المتهمة بالفساد وتسليم بعض أفراد عائلتها سيارات إدارية لا يحق لهم قانونياً استخدامها، فإن الوزراء التابعين لها سيكونون طوع أمرها وليس طوع سياسة الحكومة ورئيسها، وهذا ما حصل.

4- السبب الرئيس الذي دفع رئيس الحكومة لإقالة وزير الداخلية؛ هو قيام الأخير بتغييرات صلب هياكل الوزارة التي كان يديرها دون استشارة رئيس الحكومة، وهو عمل فسّره بعض المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه تمهيد لفرض نظام سياسي جديد بالقوة وتطبيق خطة عبو التي تتقاطع ونظرة الرئيس سعيّد لنظام سياسي مختلف عن النظام البرلماني الحالي بالقوة، وربما القيام باعتقالات خارج إطار القانون.  

5- جدير بالذكر أن رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي، اختاره الرئيس قيس سعيّد ولم تختاره النهضة ولا ائتلاف الكرامة ولا قلب تونس، لكن عند تقدمه لنيل الثقة في البرلمان لم يجد سوى هؤلاء في دعمه، تماماً كما يعرف الجميع أن وزير الداخلية المقال توفيق شرف الدين كان عضواً في الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيد، وهو من وزراء نادية عكاشة.

Exit mobile version