برلمانيون موريتانيون يطالبون بقانون يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني

دعا الفريق البرلماني التابع لأحزاب الصواب والتحالف الشعبي التقدمي والتحالف من أجل العدالة والديمقراطية في موريتانيا، أمس الإثنين، الفرق البرلمانية إلى الموافقة على لجنة صياغة اقتراح يُجرِّم التطبيع مع الكيان الصهيوني ويُحرّمه، ليتم تقديمه إلى البرلمان الموريتاني في أقرب الآجال من أجل المصادقة عليه، جاء ذلك في بيان موقَّع باسم رئيس الفريق البرلماني عبدالسلام ولد حرمة.

قطار التطبيع المشؤوم

وبهذه المناسبة، أكد الفريق البرلماني خطورة اللحاق بركب التطبيع مع “إسرائيل” سياسياً واقتصادياً، حيث قال في بيانه: في ظل اتساع دائرة التطبيع السياسي والاقتصادي مع الكيان الصهيوني ووصول موجته إلى منطقتنا المغاربية والأفريقية، لم يعد خافياً أن هناك ضغوطاً كثيرة يمارسها مروّجوه علناً وفي الخفاء من أجل التحاق مزيدٍ من الدول بقطاره المشؤوم، وهي فرصة يدعو فيها فريق أحزاب: الصواب، التحالف الشعبي التقدمي، التحالف من أجل العدالة والديمقراطية زملاءَه في بقية الفرق البرلمانية لبذل جهد تشريعي عاجل يؤكد حقيقة الإجماع الوطني التاريخي الدائم منذ قيام الدولة الموريتانية حول دعم قضايا التحرر العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

وأشاد البيان بالْتحام كل مكونات وأطياف الشعب الموريتاني وتصميمها الجماعي على رفض العلاقة مع الصهاينة، وهو الالتحام الذي أدى في آخر المطاف -قبل عقدٍ من الزمن- إلى تطهير البلاد من دنس العلاقة المشينة التي أقامها النظام الموريتاني مع “إسرائيل” منتصف التسعينيات، وكانت من أهم أسباب بغضه والخروج عليه والقضاء على وجوده في النهاية، كما أكد الفريق البرلماني أن جريمة التطبيع تمثل خروجاً على إجماع شعوب العالم المحبة للسلم والتحرر ومناهضة الاستعمار، وتشكل اعترافاً بكل الجرائم التي قام على أساسها الكيان الصهيوني الغاصب وما زال يرتكبها بشكل يومي.

إغراءات

وفي تصريح لـ”المجتمع”، قال عبدالسلام وحرمة، رئيس الفريق البرلماني الداعي إلى سنّ قانون يُجرم التطبيع بموريتانيا: هناك أكثر من تأكيد رسمي أن النظام الموريتاني ليس في وارد التفكير في التطبيع مع “إسرائيل” وأنه رفض إغراءات وتلويحات شركائه الكبار بهذا الخصوص، لكن التجربة أكدت أن الساحات الحية بنخبها وأكاديمييها وصحافتها وقادة رأيها ومرجعياتها المختلفة وأحزابها وبرلماناتها هي من يمتلك قوة الضغط والتوجيه في القرارات الكبرى، من هذا المنطلق التمسنا دوراً استباقياً للسلطة التشريعية لمؤازرة إرادة رفض التطبيع وتأكيد أخطاره في ظل عدم استبعاد قوى خفية تريد جر بلادنا إلى مستنقعه الآسن.

رفض شعبي

يكشف المسار التاريخي للعلاقات الموريتانية الإسرائيلية أن موريتانيا كانت ثالثة دولة عربية بعد مصر والأردن تقيم علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل” على مستوى السفراء، وقد بدأت العلاقات الموريتانية الإسرائيلية في عهد الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع الذي حكم البلاد أكثر من عقدين من الزمن (من 1984 إلى 2005م)، حيث تم في عام 1996م تعيين غابيرل أزولاي مكلفاً بالأعمال في المكتب “الإسرائيلي” في سفارة إسبانيا بنواكشوط، ومنذ ذلك الحين حرصت موريتانيا الرسمية على تحسين علاقاتها بالكيان الصهيوني.

ومع أن سِجلّ الدبلوماسية الموريتانية يحفظ بين صفحاته أسماء شخصيات موريتانية ساهمت في تطوير العلاقات الموريتانية الإسرائيلية، فإن الشعب الموريتاني بكل أطيافه وألوانه وتوجهاته لم يستسغ يوماً أن تكون موريتانيا على علاقة بالكيان الصهيوني، فقد ظل يندّد وينتفض وينظم المسيرات الاحتجاجية من أجل قطع العلاقات مع “إسرائيل” نهائياً، وقد تُوِّجت تلك الجهود النضالية بإعلان الحكومة الموريتانية عام 2009م عن تجميد علاقاتها مع “إسرائيل” بعد قمة غزة بالدوحة، وفي عام 2010م أعلنت وزيرة الخارجية الموريتانية -حينها- إلناها بنت مكناس رسمياً أن موريتانيا قطعت علاقاتها مع “إسرائيل” بشكل نهائي. 

لكن قلق الموريتانيين من عودة التطبيع وبغضهم لـ”إسرائيل” وكل من له علاقة بها لم يتوقف رغم مضي عقد من الزمن على الإعلان رسمياً عن قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ففي بداية عام 2017م قاد ناشطون موريتانيون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي أجبرت اثنين من مهندسي العلاقات الموريتانية الإسرائيلية على الاعتذار للشعب الموريتاني عن تلك الفترة الزمنية، وهما: وزير الخارجية الأسبق أحمد ولد سيد أحمد، ووزير الخارجية الأسبق محمد فال ولد بلال، وهناك شخصيات موريتانية أخرى ساهمت في هندسة العلاقات الموريتانية الإسرائيلية وزارت الكيان الصهيوني، من أبرزها: وزير الخارجية الأسبق الداه ولد عبدي الذي زار “إسرائيل” والتقى شارون، وجا مختار ملل الذي أقام في “إسرائيل” فترة كمحاسب، والشيخ العافية ولد محمد خونه، وأحمد ولد تكدي.

2020 عام تجـريم التطبيع

يبدو أن عام 2020 يمكن أن يوصف بأنه “عام الدعوة إلى تجريم التطبيع”، لأنه شهد دعوات واسعة إلى سَنّ قوانين لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، فقد ذكر الكاتبان: جوزيف براودي، ومصطفى الدسوقي، في تحليل مشترك بعنوان “القوانين العربية المناهضة للتطبيع: صورة إقليمية”، منشور 28 أغسطس الماضي، أن السناتور الديمقراطي الأمريكي كوري بوكر، والسيناتور الجمهوري روب بورتمان شاركا في تقديم “قانون تعزيز الإبلاغ عن الإجراءات المتخذة ضد تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” لعام 2020″، وقال الكاتبان: إن مشروع هذا القانون يدعو وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقديم تقرير سنوي عن الحالات التي قامت فيها الحكومات العربية بالانتقام من المدنيين بسبب انخراطهم في علاقات شخصية مع إسرائيليين، وكشف الكتابان من خلال هذا التحليل عن بعض القوانين العربية التي تبنَّت “قوانين مناهضة التطبيع”، وقالا: إن من بين أوائل من تبنوا “قوانين مناهضة التطبيع”: البرلمان اللبناني عام 1955، والبرلمان السوري عام 1963، ومجلس النواب الكويتي عام 1964، وقانون العقوبات العراقي عام 1969، و2010م.

ومؤخراً، طالبت جهات متعددة بسنّ قوانين لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث أصدرت 41 منظمة بالكويت، في أغسطس الماضي، بياناً مشتركاً طالبت فيه البرلمان الكويتي إلى إقرار قانون يجرم التطبيع، ووقتها أكد مجلس الوزراء الكويتي أن “القضية الفلسطينية مركزية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى”، وفي تونس تمت إحالة قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى البرلمان التونسي وأثار جدلاً واسعاً بل تسبب في عراك بالأيدي وتبادلاً للشتائم بين النواب، وفي الجزائر طالب برلمانيون بقانون جديد يجرم التطبيع والترويج له، فهل سيبقى الحبل على الجرَّار؟

Exit mobile version