لماذا قررت القاهرة فجأة أن تذيب الجليد بينها وبين طرابلس؟

الاتصالات شبه مقطوعة بين مصر والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في ليبيا منذ عام 2014، ولا يخفى على أحد انحياز مصر الرسمية لخليفة حفتر ودعمها الذي لم ينقطع له حتى الآن بكل أنواع الدعم العسكري والسياسي والإعلامي، فما الذي تغير حتى يقوم وفد مصري رسمي يضم دبلوماسيين من وزارة الخارجية ورجال مخابرات بزيارة لطرابلس.

وقد جاءت زيارة الوفد المصري لطرابلس الغرب بعد قيام وفد تركي رفيع المستوى بزيارة، لم يعلن عنها مسبقاً، للعاصمة الليبية، الأسبوع الماضي، كانت على ما يبدو رداً عملياً على استفزازات مجرم الحرب حفتر، كما تصفه كل من تركيا وحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار واضعاً النقاط على الحروف: على حفتر وأنصاره أن يعلموا أنهم إذا حاولوا مهاجمة العناصر التركية فسيتم اعتبارهم أهدافًا مشروعة في كل مكان ولا يمكنهم الهروب.

كانت الرسالة التركية واضحة لكل من حفتر وحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، والرسالة ببساطة لحفتر هي: لا تتهور وإلا سيكون ردنا حاسماً، ولحكومة الوفاق: لن نترككم وحدكم، وسنقف معكم بكل قوة.  

في الأسبوع الماضي، هدد حفتر بشن حرب من أجل إخراج “المحتل التركي”، في كلمة ألقاها ببنغازي، دعا فيها إلى المواجهة مع من وصفه بـ”المستعمر التركي وجنوده”، وقال: إنه لن يكون هناك سلام “في ظل المستعمر ومع وجوده على أرضنا”، وذلك في خطاب بمناسبة الذكرى الـ69 لاستقلال ليبيا، وطالب حفتر قواته بالاستعداد لما وصفها بالمواجهة الحاسمة المقبلة لطرد المستعمر، حسب تعبيره.

وبعد هذه التهديدات المباشرة لتركيا التي أطلقها حفتر، زار رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل بنغازي وعقد مباحثات مع الجنرال الانقلابي خليفة حفتر ومع رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، ووفقاً لـ”وكالة الأنباء المصرية” الرسمية (أ. ش. أ)، ناقش كامل مع حفتر عدداً من الموضوعات محل الاهتمام.

وأضافت “وكالة أنباء الشرق الأوسط” أن اللقاء شهد “التأكيد على الجهود والتحركات المصرية الداعمة لمخرجات اجتماعات اللجنة العسكرية 5+5، التي أسفرت عن تثبيت وقف إطلاق النار، واتخاذ عدد من الإجراءات التي تساهم في استقرار الوضع العسكري والأمني بجميع ربوع ليبيا”، دون تقديم تفاصيل أكثر.

وأكد كامل خلال اللقاء “دعم مصر لكل مسارات التسوية الشاملة للأزمة الليبية بالتنسيق مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي”.

فلماذا أذابت القاهرة الجليد فجأة بينها وبين حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً والمدعومة من تركيا، رغم أن الوفد الذي أرسلته ليس وفداً رفيع المستوي مثل الوفد التركي الذي زار طرابلس الغرب ساعات قبل الوفد المصري، وحتى وفد مصر لبنغازي كان على مستوى أعلى من وفدها لطرابلس؟

هل تحاول مصر أن تكبح جماح حفتر الذي يمكن أن يؤدي تهوره لاجتياح الشرق الليبي، لتستيقظ مصر على وجود الجيش التركي على حدودها الغربية؟

أم أنها مناورة وجزء من خطة خداع إستراتيجي موسعة، تحاول أن تدعم حفتر الذي لا يخطط بمنأى عن داعميه الإقليميين والدوليين؟

فالأمر لا يمكن أن يُفهم جيداً بمعزل عن صراع شرق المتوسط الذي يضم أطرافاً كثيرة، إقليمية ودولية، من بينها الكيان الصهيوني وفرنسا وروسيا وتركيا بالطبع، كلاعب أساسي، بالإضافة للاعبين الثانويين.

والصورة لا يمكن أن تتضح إلا إذا أخذنا في الاعتبار الحشد العسكري المحموم للأسلحة وللمرتزقة من الجنجويد والفاغنر الذي قام ويقوم به حفتر منذ توقف القتال عند سرت.

الغيوم تتكثف وتتراكم وهذا يوحي بقرب هطول أمطار.

ولذلك يميل البعض لاحتمال أن تكون الزيارة مجرد خداع إستراتيجي يصب في صالح حفتر، مثل النائب الكويتي السابق ناصر الدويلة الذي يرى أن لا الوقت ولا مستوى التمثيل يدل على أهمية الزيارة التي قام بها الجانب المصري لطرابلس الغرب، فمستوى التمثيل لا يوحي، من وجهة نظره، بإمكان تقديم تعهدات يمكن أن تحترم، بل بمجرد تطمينات لا ترقى للتعهدات الرسمية.

ولذلك يوصي الحكومة الشرعية بالحذر وخصوصاً في هذه الفترة الحرجة من حياة العالم قبل انتهاء رئاسة ترمب، وهي فترة حرجة لا يمكن التنبؤ يما يمكن أن يحدثه ترمب فيها، فقد تندلع الحرب مع إيران ويتحول الخليج إلى قطعة من النار.

وقد تكون مصر، من خلال خبرتها في التعامل مع حفتر، قد أحست بالقلق من تصريحاته المتهورة، ولذلك فهي تحاول احتواء الموقف.

Exit mobile version