زواج مختلط أم خلط مزدوج؟!

تأتينا الأخبار الغريبة المضحكة المبكية من أطراف الدنيا العجيبة عن أصناف من الزواج المختلط تخلى فيه قلة من المسلمين والمسلمات عن هدي الإسلام؛ فيتزوج المسلم من الهندوسية أو البهائية أو اللادينية، وتتزوج المسلمة من اليهودي أو المسيحي أو الهندوسي أو البوذي، والخوف من أن ينتشر ذلك في بلاد الإسلام، مع انفتاح الإنترنت، وظهور فتاوى الجهل الحداثي من مصادر مشبوهة، وباسم الحب والتقارب والمساواة بعشوائية وتخبط وفوضى، والأمر يحتاج إلى وقفة للحاجة للتربية والتعليم لحفظ الأعراض.

ولا أدل على ذلك من إلغاء الحكومة التونسية، عام 2017م، مرسوماً حكومياً كان يحظر زواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين، وقد لاقى إلغاء المرسوم ترحيب منظمات نسائية تونسية، وقالت: إن هذه الإجراءات هي مواصلة لمسيرة بورقيبة في المساواة بمجال الأحوال الشخصية، من أجل تأسيس المجتمع العلماني في تونس.

هناك فرق بين المساواة والعدل؛ فالمساواة ليست هي العدل دوماً، وفي هذه الحالة فالمساواة تكون تجاوزاً للنصوص الواضحة وبناء بيت على أرض هشة تفقد مقومات الزواج المستقر الذي يتحقق معه مقاصده، وليس من المساواة أن يعترف الزوج المسلم بدين زوجته الكتابية ويحترم الرسل الكرام، ثم نبيح زواج مسلمة لرجل يجحد كتابها ودينها ورسولها؛ لأن الإسلام يعترف بحق الكتابية في أداء شعائرها الدينية بحرية، ولا يجوز لمسلم في حال تزوج الكتابية أن يُكرهها على اعتناق الإسلام.

أما في الحالة الأخرى، فإن الزوجة يمكن أن تتعرض لمحاولات تنصيرها أو تهويدها، وتغيب عنا قيم أخرى أولى بالاعتبار، وهي قيمة الوئام والتوافق والكفاءة والانسجام بين الزوجين، وتوسيع مفهوم الأسرة ليتجاوز العلاقة بين الزوجين إلى الأقارب والأرحام من الطرفين، والأصل أن نبدأ الحياة على أساس التوافق المجتمعي المستقر، وتستمر برعاية الأولاد.

في إنجلترا، يتحصل من الزواج المختلط أولاد تائهون في بحر الهوية، 28% فقط من هؤلاء الأولاد الذين يكون أحد الزوجين مسلماً يعتبرون مسلمين.

عقد زواج إسلامي ليبرالي!

أما ما يسمى بالاتحاد الإسلامي الليبرالي برئاسة لمياء قدور، الألمانية السورية الأصل، فقد أفتى للفتاة “حنيفة” المسلمة من أصل تركي بشرعية زواجها من ألماني غير مسلم، كما تولى الاتحاد عقد قران “إسلامي” لها! وهو يتخذ موقفاً في قضية زواج المسلمة من غير المسلم، مغايراً لتفسير إجماع علماء المسلمين، إذ يستند في رأيه إلى عدم وجود آية تحرم زواج المسلمة من المسيحي أو اليهودي بشكل صريح، كما ينظر إلى الآية الخامسة من سورة “المائدة” من زاوية أنها تحتمل تفسيرين: “إما تحريم طعام أهل الكتاب على المسلمات لأنهن لم يذكرن في الآية، أو أن تعم هذه الآية كلا الجنسين مما يحلل للمسلمة الزواج من أهل الكتاب”، وهو مخالفة للإجماع، وجهل مركب وظلمات بعضها فوق بعض.

وقد رد على ذلك رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا، فكتب (بتصرف): سيقول قائل: لن تتزوج المسلمة بمشرك إنما بكتابي، فأين دليل الحرمة؟ فيجاب: بعد تحريم زواج المشركة من قبل في سورة “البقرة” بقول الله عز وجل: (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ) (البقرة: 221)، أباح الله زواج المسلم من أهل الكتاب بقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) (المائدة: 5)، فلو لم تنزل هذه الآية لبقي التحريم والحظر عاماً على المسلم؛ ما يعني تحريم الزواج من المشركة والكتابية على السواء، لكن لمَّا ثبت تخصيص المحصنات من الذين أوتوا الكتاب، ولم يثبت تخصيص الرجال من أهل الكتاب، بقي النهى والتحريم على أصله وإطلاقه في حق المسلمة.

يقول الشيخ فيصل مولوي: «الإجماع منعقد فعلاً بين جميع المذاهب السنية الأربعة والظاهرية مع الشيعة الجعفرية والزيدية، ولم نسمع ما يخالف ذلك عن أحد من العلماء المجتهدين أن المسلمة لا تحل لغير مسلم..» (إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه، ص 277).

أخبار صادمة

– جاء في الأخبار أن الصين تُجبر نساء طائفة الأويجور المسلمين على الزواج قسراً من رجال من أبناء طائفة الهان البوذية، وفي حال رفضن ذلك، فقد يتم إلقاء القبض عليهن وعلى أفراد أسرهن أو إرسالهم جميعاً إلى معسكرات الاعتقال.

– حملت الأخبار أيضاً زواج شابة بهائية (تؤمن بالبهاء مدعي النبوة وناسخ الشريعة) بشاب مسلم من العراق.

– زواج إعلامية مسلمة من ممثل يهودي في “إسرائيل” بعد أربع سنوات من العلاقة المحرمة.

– اعتناق مسيحي في العراق الإسلام -على الورق فقط- كي يتزوج بمسلمة، ويمارس حياته الطبيعية كمسيحي لا كمسلم.

– تزوجت عراقية مسلمة من مسيحي، وأنجبا طفلين، وعاشا لسنوات دون أوراق ثبوتية للطفلين، وتجنباً من الأب لتسجيلهما مسلمين، هاجروا من العراق.

– رفع أمريكي دعوى تطليق من زوجته الكندية من أصل عربي لأنه اكتشف خداعها له حيث أقرت في عقد الزواج بأنها مسيحية لكنه اكتشف أنها مسلمة، وقضت المحكمة بإبطال عقد الزواج المدني في البحرين.

أما في الهند، فالأخبار لا تتوقف عن زيجات عجيبة ضُرب فيها بالدين والأعراف عرض الحائط، وقام بعضهم بإطلاق مشروع “الحب الهندي” لينشر فيه حكايات الزواج المختلط، أطلق المشروع، الشهر الماضي، عبر تطبيق “إنستجرام”، كما قالوا؛ “للاحتفاء بالزيجات التي حطمت القيود والحواجز الدينية والطائفية والعرقية والجنسية”، من ذلك:

– روبا، وهي هندوسية، تكتب عن رد فعل والدتها عندما أخبرتها أنها كانت تخطط للزواج من مسلم يدعى راضي عبدي، كانت والدتها قلقة من سهولة الطلاق في الإسلام، وكتبت: “لكن، وبمجرد أن التقى والداي براضي وأدركا أنه إنسان رائع، تلاشت مخاوفهما”، واصفة إياهما بأنهما “منفتحان نسبياً”، والآن، مرّ ثلاثون عاماً على زواج روبا، وراضي، ولديهما ولدان بالغان، ويحتفلون بكل من عيد الأضحى وعيد ديوالي الهندوسي كل عام!

– كتب الصحفي فيراراغاف عن زواجه من سلمى، قائلاً باستخفاف: إن الدين في بيتهم ليس بأهمية كاري الأرز وبرياني لحم الضأن، ما زلت نباتياً، وهي تستمتع بأكل لحم الضأن، ونتاج حبنا هو طفلتنا آينش، تكون هندوسية أو مسلمة بناءً على ما يتم طهيه!

– تنوير إعجاز، مسلم متزوج من امرأة هندوسية تدعى فينيتا شارما، كتب عن قصة تسمية ابنتهما باسم كوهو، وسئل عما إذا كان اسماً هندوسياً أم مسلماً؟ وما الدين الذي ستتبعه ابنتهما عندما تكبر؟ فأجاب: يبدو أن زواجنا الهندوسي- الإسلامي يمكن أن يكون نموذجاً للعلمانية، ويناقض توقعات الناس!

– سانجاي، هندوسي تزوج سراً من مسلمة ولم يخبرا آباءهما إلا بعد عام من الزواج، يقول: إن زوجته تبنت العادات الهندوسية في منزلهما، في حين أن طفليهما يتجاهلان الاختلافات الدينية ويعرفان كيف يقولان السلام عليكم لأجدادهما المسلمين!

– أنجالي، كانت تسمى عُظمى رضا عندما كانت مسلمة قبل أن تتزوج من 18 عاماً بهندوسي يدعى دانانجاي سينغ!

لا يزال زواج النساء الهندوسيات من رجال مسلمين هو الأكثر استهجاناً في الهند، وتصف بعض العائلات الهندوسية المتطرفة هذه الزيجات بأنها “جهاد الحب”، فيه حث على العنف ضد المسلمين، وهو اصطلاح شائع مضاد للإسلام لاتهام الرجال المسلمين بالمشاركة في المؤامرة لتحويل النساء الهندوسيات عن ديانتهن عبر إغوائهن، وتقابل العائلات الهندية المحافظة هذه الزيجات باللوم والاستنكار، إلا أن ربط الزواج بدوافع عميقة وخبيثة كوصف جهاد الحب يعتبر ظاهرة جديدة، وبرزت هذه الهوة العميقة بشكل جلي حديثاً، عندما اضطرت شركة مجوهرات إلى سحب إعلان لها بعد رد فعل غاضب لأن الإعلان كان يظهر زوجين؛ مسلماً وهندوسية.

ويبدو أن عرى الإسلام -وهي ما يتمسك به من أمر الدين ويتعلق به من شعب الإسلام- تنقض عروة بعد الأخرى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة” (رواه أحمد وصححه الحاكم والألباني)، فاللهم سلّم سلّم.

 

__________________________________________________________________________

1- العشق الممنوع: تجارب الحب العابرة للأديان والأعراق، بي بي سي دلهي، 11 نوفمبر 2020م.

https://www.bbc.com/arabic/magazine-54886752

2- India’s religious right denounces intermarriage as ‘love jihad’

Financial Times, 28 November 2014

3- لماذا لا تتزوج المسلمة غير المسلم؟ طه سليمان عامر.

https://www.aljazeera.net/blogs/2019/8/21

4- زواج المسلمات من غير المسلمين في ألمانيا.

https://www.dw.com/ar

5- Religiously mixed marriages in England and Wales

https://ukdataservice.ac.uk/media/604843/voas.pdf

Exit mobile version