“كابل جوجل” يضرب عمق مصر الإستراتيجي في مجال الإنترنت العالمي

– مصر تحتل مكانة عالية التميز في عالم الكابلات البحرية الناقلة لحركة الاتصالات والإنترنت حول العالم

– 130 مليون دولار عائدات لمصر من عبور كوابل الإنترنت الدولية

– وزارة الاتصالات: الكابل الجديد لا يزال في طور التفاوض ولم يذهب من مصر

 

قال مختصون بشؤون الاتصالات: إن مصر قد تفقد ميزتها التنافسية كمعبر لكوابل الإنترنت الدولية بعد دخول الكيان الصهيوني منافساً لمصر، عبر تقديم نفسه كمعبر بديل أقل سعراً وأقصر طريقاً من مصر.

وفضلت شركة “جوجل” أن يكون الكيان الصهيوني معبراً للكابل الجديد الرابط بين الهند وأوروبا، بدلاً من مصر، التي تعتبر أحد أهم المراكز العالمية لمرور كابلات الإنترنت البحرية، حيث يمر بها 17 كابلاً، مما يجعلها تحتل المركز الثاني على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد الكابلات البحرية التي تمر خلالها.

الكابل الذي سيمر بالكيان الصهيوني بدلاً من مصر يحمل اسم “بلو رامان”، وهو اسم أحد علماء الفيزياء الهنود، وتبلغ ميزانيته الأولية 400 مليون دولار، ويمتد لمسافة 8 آلاف كيلومتر، من الهند جنوباً إلى إيطاليا غرباً.

وهناك خريطتان منشورتان حول مسار هذا الكابل، الأولى نشرها موقع شبكة الكابلات البحرية، وتوضيح أن المسار يبدأ من مدينة مومباي غرب الهند، ماراً بالمحيط الهندي، وصولاً إلى خليج العقبة، ومن هناك يخترق الأراضي المحتلة وصولاً إلى تل أبيب ثم حيفا، ثم يخترق البحر المتوسط وصولاً إلى جنوة في إيطاليا.

أما المسار الثاني فنشرته صحيفة “الديلي ميل” البريطانية، ويبدأ من الهند، ويتجه غرباً، ثم يواصل مسيرته على السواحل الجنوبية للجزيرة العربية، ثم يدخل باب المندب ويمضي في البحر الأحمر ليصل إلى خليج العقبة، ثم الكيان الصهيوني ثم يواصل مسيرته إلى إيطاليا.

أما المسار الأصلي المفترض للكابل، فيبدأ من باب المندب، وتنتهي بالأراضي المصرية على البحر الأحمر، ثم تخترقها براً إلى نقطة على سواحل مصر على البحر المتوسط، ومنها إلى مارسيليا في فرنسا، وتبين خريطة “الديلي ميل” الضربة التي تلقتها مصر في هذا المشروع، وكيف انحرف التطبيع بمسار الكابل، ليدخل الكيان الصهيوني.

وطالب خبراء ومختصون بمجال الإنترنت الحكومة ببذل الجهد لإنقاذ مكانة مصر في هذا المجال، ومحاسبة المسؤولين المقصرين الذي تسببوا في ذهاب هذا الكابل للكيان الصهيوني بدلاً من مصر.

عبقرية المكان

وقال الخبير في شؤون الاتصالات الكاتب جمال غيطاس: إن هذا الكابل يعد أول طلقة في حرب ستكون طويلة الأجل، ممتدة المفعول، ضد المصالح المصرية في مجال أعمال الكابلات البحرية الناقلة لحركة مرور الاتصالات والإنترنت حول العالم، وذلك بإعلان الصهاينة عن نجاحهم في تحويل مسار كابل بحري تنشئه شركة “جوجل”.

وتحتل مصر مكانة عالية التميز في عالم الكابلات البحرية العملاقة فائقة الطول، الناقلة لحركة الاتصالات والإنترنت حول العالم، وذلك بحكم موقعها الجغرافي الممتاز، كنقطة التقاء بين آسيا وأفريقيا، ومعبر رخيص وقريب لأوروبا عبر قناة السويس، وبقية الأراضي المصرية.

وقد منحت عبقرية المكان -بتعبير الجغرافي الراحل جمال حمدان- مصر ميزة نقل ما يقرب من ثلث حركة الاتصالات والإنترنت بين الشرق والغرب عالمياً، وتحقق من وراء ذلك عائدات تقدرها بعض أرقام المصرية للاتصالات بنحو ملياري جنيه (نحو 130 مليون دولار) كرسوم عبور.

ولفت غيطاس إلى أنه في ظل المقاطعة العربية سابقاً، كان من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- على الصهاينة الدخول في صناعة الكابلات البحرية المارة من الشرق إلى الغرب، وطرح الأرض المحتلة المغتصبة، كمسار بديل لقناة السويس والأراضي المصرية، تعبر منه الكابلات القادمة عبر البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، ببساطة لأنه لم يكن يجدون شريكاً عربياً، يقبل بالمشاركة في إنشاء كابل بحري هم طرف فيه، ويمر عبر المحيط الهندي وبحر العرب، قبل أن يصل إلى باب المندب ثم يدخل البحر الأحمر.

ويتوجه الصهاينة إلى مجتمع الأعمال العالمي الخاص بالكابلات البحرية، من مستثمرين وشركات تقنية، بخطاب يركز بصورة غير مباشرة على نقطتين بالغتي السلبية على صورة مصر في هذا المجال؛ الأولى تروج لفكرة أن الوضع السياسي المصري الراهن المثير للجدل لا يتعين معه أن يمر حوالي ثلث حركة مرور الإنترنت والاتصالات العالمية عبر مصر، لأنه لا أحد يعرف ما سيحدث فيما لو أصبح الوضع مضطرباً.

والثانية تروج لفكرة أن مصر “نقطة اختناق” للكابلات البحرية العالمية، من الأفضل تفاديها.

ويعلق غيطاس على مضامين هذه الخطابات بالقول: إنها “مربط الفرس” في التحرك الصهيوني ضد مصالح مصر الوطنية في هذا القطاع، بعد امتلاكه لحرية الحركة تحت راية التطبيع تحديداً.

وتعكس هذه المضامين القدر الهائل من مخزون الحقد والشر لدى الصهاينة تجاه مصر، وهو مخزون لم ولن تؤثر فيه مئات الاتفاقات، وملايين التبريرات وحملات الدعاية الصفيقة، التي تنطلق من داخل الكيان الصهيوني، أو من تابعيهم بمصر نفسها، عبر الترويج ولو بصورة غير مباشرة لفكرة أن الدولة المصرية وأجهزتها وكوادرها فاشلة تقنياً وإدارياً، حتى إنها حولت موقع الالتقاء إلى نقطة اختناق.

وطالب غيطاس الجهات المسؤولة عن صناعة القرار بالدولة وضع الأمور في نصابها والتعامل مع القضية بما تمليه المصالح العليا للبلاد، مع بدء دوران وتسارع ماكينة الخطاب الصهيوني السالف الإشارة إليه، والعمل على تطويق التوسع في تطبيع العرب مع الصهاينة بهذا المجال.

بدوره، طالب رئيس الجمعية المصرية لمهندسي الاتصالات محمد أبوقريش بأن تقوم وزارة الاتصالات بتشكيل لجنة إدارة أزمة الكوابل البحرية، وفتح المجال أمام منظمات المجتمع المدني بل وتمثيلها بلجنة إدارة الأزمة وذلك لتوسيع ودعم إدارة الأزمة، مع توسيع الاستعانة بالخبراء الوطنيين بالخارج والداخل.

وكان المذيع المقرب من السلطات أسامة كمال قد فوجئ بقرار صادر من المجلس الأعلى للإعلام بمنعه من الظهور على الشاشات لمدة أسبوعين، وتغريم قناة “المحور” التي يبث من خلال شاشتها برنامجه 100 ألف جنيه، بسبب تناوله قضية كابل “جوجل”.

وجاء قرار المنع والغرامة بعد تحقيقات استدعي إليها المذيع ومسؤول الشؤون القانونية بالقناة، وذلك بمقر المجلس الأعلى للإعلام، الذي واجه مسؤولوه المذيع ومحامي القناة بمضمون شكوى تقدمت بها الشركة المصرية للاتصالات (حكومية) بتضررها من إحدى فقرات البرنامج التي يكشف فيها كمال عن أضرار بليغة ستلحق بمكانة مصر كنقطة عبور مركزية إستراتيجية للكوابل البحرية الدولية لصالح الكيان.

وقال كمال، في الحلقة التي تسببت في وقفه: هذا بلاغ لكل من يهمه الأمر، وطالما قلت: إن المسؤول الفاسد ليس فقط من يسرق، لكنه أيضاً من يضيع الأموال على البلد بإهمال، أو بعدم اتخاذ قرار، أو باتخاذ قرار خاطئ.

تداعيات اجتماعية واقتصادية

وشرح كمال تأثير كابل “جوجل” على مصر فنياً بالقول: إن الكابلات البحرية الجديدة ذات سعات كبيرة مما يجعل الكابلات المارة بمصر زائدة عن الحاجة لتفقد مصر دورها في أن تكون لاعباً رئيساً في مجال أعمال مراكز البيانات نظراً لتراجع مكانتها كمركز لالتقاء الكابلات البحرية.

أما اجتماعياً، فيتبدى التأثير السلبي في نقص فرص تشغيل العمالة، وزيادة التكلفة المادية للإنترنت فائق السرعة، وفقدان مصر للعائد المادي من الكابلات البحرية الجديدة التي تسلك مساراً لا يمر عبر مصر، بحسب المذيع.

وعلى الجانب الاقتصادي، ستفقد مصر العائد المادي من رسوم زيادة السعات والسرعات بالكابلات الحالية، كما قال كمال، لتفقد العائد المادي من رسوم التوصيلات العرضية بالكابلات الحالية نظراً للمبالغة في الرسوم الخاصة بها، فضلاً عن التأثير السياسي بفقدان مصر مكانتها كمركز لالتقاء الكابلات البحرية بالعالم، وأن تكون مصر رائدة في مجال أعمال التحول الرقمي للدول الأفريقية معرضاً للخطر.

من ناحيتها، ردت وزارة الاتصالات بأن الكابل الجديد لا يزال في طور التفاوض، ولم يذهب من مصر، التي لا تزال رائدة في مجال الكابلات باستحواذها على ثلث الكابلات المارة بالعالم.

أوضح مصدر بالشركة المصرية للاتصالات أن الشركة نجحت في زيادة حصة مصر من عرض النطاق الترددي من الكابلات في عام 2019م فقط لتصل إلى 2.6 تيرابت في الثانية، لم تستخدم منها مصر إلا حوالي 1.9 تيرابت في الثانية فقط.

ومقابل ذلك، حققت الشركة إيرادات تزيد على 2.9 مليار جنيه كرسوم مرور للكابلات خلال العام المالي 2019 طبقاً للبيان المرسل من الشركة لإدارة البورصة المصرية.

وبلغت نسبة هذه الإيرادات حوالي 10% من أرباح الشركة في الربع الأول من العام الحالي (2020م)، وارتفعت نسبة مساهمة رسوم مرور الكابلات في إيرادات الشركة من 6.62% عام 2008 إلى 17.39% عام 2019م.

Exit mobile version