أكاديميون: الإعلام غير الملتزم بـ”العربية” أداة لتغريب العقول

 

أكد د. محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، أن اللغة العربية هي اللغة التي اختارها الله تعالى لتكون لغة القرآن الكريم، خاتم الكتب ولغة الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل ولغة الدين الإسلامي خاتم الأديان، ولغة أهل الجنة.

جاء ذلك في الندوة التي عقدتها رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع كلية الإعلام- جامعة الأزهر، في مقرها بالقاهرة، تحت عنوان “حماية اللغة العربية: الوسائل والطرق”، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية واعتماد الأمم المتحدة لها كلغة عالمية سادسة.

وتابع المحرصاوي كلمته قائلاً: وقد اصطفاها الله تعالى لتكون لغة القرآن الكريم وتكفل بحفظها لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، مشيراً إلى أن حِفْظ الله لكتابه يعد حفظاً للغة العربية، إذ مدح جل وعلا اللغة العربية واصفاً إياها بأنها: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) (الشعراء: 195)، وأن إعطاء الله التشريف والمكانة العظيمة لها يتطلب منا أن نحافظ عليها.

وأوضح أن الدعوة إلى الحفاظ على اللغة العربية تعد دعوة للحفاظ على الإسلام كدين، وأن أعداء الإسلام دائماً ما كانت هجماتهم موجهة إلى هدم العقيدة، عبر نشر الأكاذيب حول القرآن والرسول، وخلال عملهم وجدوا أن الصلة وثيقة بين الدين واللغة العربية، لذلك وجدوا أن القضاء على العربية فيه قضاء على الإسلام، ومن هنا اتجهت محاولاتهم إلى هدم اللغة لأنه بهدمها يهدم الإسلام.

“الفرانكو-عرب” خطر يهدد العربية

وأضاف المحرصاوي: تعلم اللغة العربية ليس صعباً، فلو بذلنا مجهوداً في استذكارها كما نفعل مع اللغات الأجنبية لصارت سهلة، فالحكم على صعوبة تعلم اللغة مرهون ومتوقف على بذل مجهود في تعلمها، فاللغة بنت السماع، فلو سمعت صواباً لقلت صواباً، ففي الجاهلية كانوا يتقنون اللغة نظراً لأنهم كانوا يستمعون إليها كثيراً ولا يتحدثون بغيرها.

ومن جانبه، أوضح د. أسامة العبد، الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، أن اللغة العربية من أكثر اللغات انتشاراً على مستوى العالم، فهي لغة العبادة لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، فهي لغة كل مسلم سواء نطق بالعربية أم لم ينطقها.

وأضاف قائلاً: اللغة العربية هي اللغة السادسة على مستوى العالم، كما اعتمدتها الأمم المتحدة لغة رسمية؛ لأنها لغة مثمرة وقدرتها كبيرة على نقل العلوم والمعارف، وظهر ذلك خلال الحضارة الإسلامية التي سادت العالم واستمرت لستة قرون، وكانت خلالها هي لغة العلم والمعرفة.

كما أنها ركن من أركان العلوم الثقافية، فهي لغة عذبة، وبحمايتها نحفظ أمتنا وتتضح تلك الحقيقة من قوله تعالى: (قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر: 28)، فلغة القرآن هي لغة رابطة بين الماضي والحاضر والمستقبل.

وأشار إلى أن الاستعمار على مر العصور حاول أن يبعد الشباب بل الشيوخ عن لغتهم حتى يقطع الصلة بين الناس والقرآن الكريم والسُّنة النبوية، ففي دول المغرب العربي مثلاً طغت اللغة الفرنسية على اللغة العربية.

بل إن المكاتبات الرسمية تتم بالفرنسية، وبهذا نضيع بأيدينا هيبة اللغة العربية وحقها، مستنكراً ما يتم تداوله بين الناس من استخدام لغة “الفرانكوعرب” بما يتسبب في إبعادنا عن هويتنا العربية والإسلامية واستعادة دورنا الحضاري.

ضبط لغة وسائل التواصل الاجتماعي

وتابع: وتقديراً لدور الأستاذ الجامعي في الحفاظ على اللغة العربية، أكد العبد أنه قد أصدر قراراً يستهدف المحافظة على اللغة العربية، وذلك فترة توليه لرئاسة جامعة الأزهر، وأكد القرار ضرورة إلقاء الأستاذ الجامعي لمحاضراته باللغة العربية الفصحى، وما زال هذا القرار يطبق في جامعة الأزهر إلى الآن، مما يسهل على الطلاب الوافدين فهم دينهم والتعلم بشكل أيسر، فضلاً عن الحفاظ على هويتنا العربية.

واختتم العبد كلمته بالإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تحتاج لقوانين لضبط اللغة المستخدمة بها، لا سيما وأنها بشكلها الحالي غير الملتزم بالعربية وخلط ألفاظ أجنبية من لغات أخرى بها تسهم في ضياع هويتنا فضلاً عن كونها عامل هدم داخل الأسرة.

وعن كون اللغة هي الوعاء الحامل للمعاني والثقافات، أكد د. محمود الفخراني، مساعد وزير الأوقاف لشؤون الامتحانات والتدريب، أن اللغة العربية هي من أهم عوامل تشكيل الهوية، والتأثير في بناء الشخصية، فمن يعرف لسانين ويتكلم لغتين يجمع ثقافتين، ومن يتحدث ثلاث لغات يجمع ثلاث ثقافات، ويقرأ نتاج عقول كثيرة، غير أن لغة الإنسان الأم تظل أحد أهم العوامل في تشكيل ثقافته.

وأكد أن من لا يدرك أسرار لغته لا يمكن أن يدرك كنه ثقافة قومه ولا أن يسبر أغوارها، مع خصوصية بالغة للغة العربية، فهي لغة القرآن الكريم والسُّنة النبوية المشرفة، وفهم الكتاب والسُّنة فرض واجب، ولا يتم إلا بتعلم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

واختتم قائلاً: لا ينكر أحد أن التمكن في اللغة باب كبير لحسن فهم كتاب الله عز وجل، وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بل إن الأصوليين والفقهاء وغيرهم عدوا التمكن في اللغة العربية وأدواتها أحد أهم شروط الاجتهاد، وبلا شك هو أحد أهم شروط المفسر وشارح كتب السُّنة، كما أن التمكن في اللغة يؤدي إلى مزيد من ثقة المتحدث بنفسه.

اللغة العربية تشكل ثلثي هويتنا

ومن جانبه، أكد د. إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر السابق، ومقرر لجنة النهوض باللغة العربية برابطة الجامعات الإسلامية، أن هذا اليوم هو لله، فقد كتب الله للغة البقاء فكتابها محفوظ بحفظ الله، وهي لغة حضارة وثقافة ولغة فكر.

مضيفاً أن اللغة العربية اصطفاها الله تعالى لتكون لغة القرآن والسُّنة، وهذا تشريف عظيم لها، موضحاً أن الهوية تكونها أشياء ثلاثة؛ هي: الدين والتاريخ واللغة، وبما أن العربية هي لغة ديننا فإنها بالتالي تمثل ثلثي هويتنا.

وعن براعة التعبير القرآني ضرب الهدهد مثالاً قائلاً: لو قرأنا قصة ما عن حادثة تحرش أو قرأنا عن بعض أشعار الغزل غير العفيف ستستثار فينا الغرائز، ولو تدبرنا لوجدنا أن القرآن الكريم ببراعة ودقة وصف حادثة تحرش تقع من امرأة برجل وذلك في سورة يوسف، دون أن تخدش حياءنا في رسالة جلية أن عفة اللسان لا تمنعنا من كشف الحقائق، وأن لغتنا العربية لغة ثرية، داعياً إلى الاعتزاز بهويتنا وبلغتنا العربية.

في حين، أكد د. غانم السعيد، عميد كلية الإعلام جامعة الأزهر، في كلمته، أن اللغة العربية شرفها الله دون لغات العالم، فهي عنوان هوية الأمة العربية، وهي اللغة المقدسة لما يقرب من مليار مسلم، مشيراً إلى أن الله تعالى شرفها على كل لغات العالم لتكون وعاء لكتاب معجز احتوته لفظاً ومعنى.

واستشهد بقول الشاعر حافظ إبراهيم في أبياته:

وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً        وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ

فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ        وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ

أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ       فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي

وأشار إلى ما قالته المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه وإشادتها بجمال اللغة العربية حين قالت: “كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم سحرها الفريد؟”، وهو ما يؤكد أن لغتنا تعد مصدرًا رئيسًا لكل العلوم، مؤكداً ضرورة أن يؤمن كل الإعلاميين بأن هناك علاقة تلازمية بين اللغة العربية والإعلام، وأن للإعلام دوراً مهماً في مواجهة التحديات التي تواجهها اللغة العربية.

جانب من المشاركين بالندوة

قنوات تستهدف الربح على حساب اللغة

وعن علاقة الإعلام باللغة العربية، أكد د. سامي الشريف، عميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة، أن حروب الجيل الرابع تستهدف استهدافاً مباشراً إسقاط الدول من الداخل دونما دماء أو دبابات، ويتم ذلك عن طريق عزل الشعوب عن تراثها وهويتها، ولما كانت اللغة هي أحد أركان الهوية، فإن التركيز على إضعاف اللغة بات هدفاً واضحاً من أعدائنا.

وأضاف الشريف أنه وسط التطورات التكنولوجية للإعلام الجديد، تم إنشاء 1345 قناة ناطقة باللغة العربية، وعقدت الآمال على هذه القنوات للحفاظ على اللغة العربية، لكن الواقع خيَّب آمالنا، حيث تم الاهتمام باللهجات المحلية على حساب اللغة العربية.

وتابع: إذ سعت القنوات الخاصة إلى الربح بعيداً عن الحفاظ على هويتنا العربية، وقد بات ذلك واضحاً في اختيار أسماء أجنبية لقنوات ناطقة بالعربية، فضلاً عن الاتجاه إلى “إعلام السوق” الذي يقدم محتوى هابطاً يستهدف المزيد من الإعلانات التجارية، منتقداً محاكاة كثير من القنوات والمذيعين للإعلام الغربي.

وفي نهاية كلمته، دعا الشريف الرابطة إلى تنفيذ المقترح الذي تبنته الرابطة بضرورة عمل اختبار “تويفل” للغة العربية للباحثين في مرحلة الدراسات العليا، حتى يخرج لنا جيل يحترم لغته ويحافظ على هويته.

وقد ناقشت الندوة خلال جلستين الموضوعات التالية:

– وسائل حماية اللغة العربية في العالم الرقمي.

– جدلية الفصحى والعامية.

– حماية اللغة العربية من هجوم اللغات الأجنبية.

– نحو لغة عربية تلائم عموم الجماهير.

واتفق المحاضرون على أنه تفعيلاً لدور هذه الندوة، سيتم إصدار كتاب خاص بها يضم الأوراق العلمية المقدمة من الأساتذة المشاركين فيها، وكذلك توثيقاً وتفعيلاً لما أصدرته الندوة من توصيات.

Exit mobile version