نخشى من زيادة نشاط المنصِّرين وهجرة المسلمين

 «رغم أن تاريخ المسلمين في البلقان يمتد إلى القرن العشرين، فإن وجودهم اليوم في صربيا ما زال يعاني الكثير من القلاقل؛ بسبب العنصرية التي خلَّفتها حرب البوسنة والهرسك في نهاية القرن الماضي»، بهذه الكلمات عبر الشيخ أنور عمروفيتش، مستشار مفتي صربيا وكبير الأئمة في نوفي بازار، عن حال المسلمين في صربيا، في الحوار الذي أجرته معه «المجتمع».

لكنه أكد أن لديهم فرصة تاريخية لإرشاد المسلمين في صربيا والدول المجاورة؛ نتيجة الاتجاهات السياسية الحديثة التي تتيح جميع الحريات ما لم تتدخل في الاعتداءات والإرهاب، معرباً عن حاجتهم إلى الدعاة والعلماء الذين يوضّحون وسطية الدين الإسلامي خاصة في ظل وجود بعض الجماعات المتشددة، التي قد يصل تشددها لتكفير المسلمين، مشيداً بموقف دولة الكويت الداعم لهم في مختلف المجالات.

بداية، أطْلِعنا على خريطة توزيع المسلمين في صربيا.

– لا توجد إحصائية دقيقة لعدد مسلمي صربيا، لكن تتراوح التقديرات بين 700 إلى 900 ألف نسمة، وتصل نسبتهم إلى ما بين 5 و8% من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 8 ملايين نسمة.

وينحدر غالبية المسلمين في صربيا من أصول بوسنية وألبانية؛ نتيجة لضم الأراضي التي يعيشون فيها إلى صربيا قبيل الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م)، وتتواجد الغالبية العظمى منهم في تجمعين كبيرين جنوب صربيا؛ الأول: بإقليم السنجق جنوبي صربيا، الذي تنحدر غالبية سكانه من أصول بوسنية، ويمثل أكبر تجمع للمسلمين في صربيا، وتبلغ نسبتهم 85% من تعداد سكان الإقليم البالغ نحو 500 ألف نسمة، والثاني: في وادي بريشيفا، الذي يضم 3 محافظات بجنوب صربيا، ويعيش فيه نحو 100 ألف ألباني مسلم، بينما يزيد عدد المسلمين في مقاطعة فويفودينا الشمالية عن 8 آلاف نسمة، من أصل نحو 2.3 مليون نسمة، وفقاً لإحصائيات أخيرة.

كما توجد نسبة من المسلمين في أوساط الغجر، إلا أنه يصعب معرفة عددهم أو نسبتهم؛ لأن غالبية هذه العرقية من الفقراء، ولا يدخل أبناؤهم المدارس، كما أن كثيراً منهم يُعدّون رُحَّلاً ولا يعيشون في منازل.

نريد أن نتعرف على الوضع الاقتصادي الذي يعيشه المسلمون في صربيا.

– كما سبق ذكره، فإن أكبر تجمع للمسلمين هي مناطق سنجق وجنوب صربيا، ولكثرتهم في تلك المناطق كانت السياسات السابقة تمنع من الاستثمار والتطوير في البنية التحتية والاقتصاد العام؛ وهو ما أدى إلى هجرة كثير من المسلمين إلى تركيا وأوروبا الغربية وأمريكا طالبين لقمة العيش والحقوق الإنسانية؛ لذلك تجدون أن أفقر طبقة في المجتمع الصربي هم المسلمون، والبطالة منتشرة جداً، أما المسلمون الذين وجدوا عملاً فمعظمهم يعملون في أصعب الأعمال وبأدنى المرتبات، ولو استمر الوضع الاقتصادي الحالي فإننا نخشى من زيادة نشاط المنصِّرين وفقدان الهوية والانتماء؛ وحتى لو لم يتحولوا إلى النصرانية، فإنهم سيهاجرون إلى البلدان المختلفة؛ وذلك سيجعل بقية المسلمين في ضيق وحرج لقلتهم.

تعرض المسلمون في صربيا لإيذاء شديد، فكيف تجاوزوا ذلك؟

– لا يخفى عليكم ما تعرض له المسلمون من ظلم واضطهاد على يد القوات الصربية، خلال مرحلة تفكك يوغسلافيا السابقة، لكن الأوضاع الأمنية في السنوات الأخيرة تحسنت، لا سيما بعد قرار الحكومة الصربية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي من شروطه توفير الأمن العام وإعطاء جميع الحريات.

إذن أوضاع مسلمي صربيا حالياً أفضل في ظل نظام يحاول أن يكون ديمقراطياً، ويسعى للدخول ضمن الاتحاد الأوروبي، لكن التمييز ضد المسلمين ما زال واضحاً، ولا يتساوى المسلمون مع الآخرين في الحقوق، خاصة مع الدوائر الرسمية.

ما أهم المشكلات التي تواجه المسلمين عامة في جمهورية صربيا؟

– شهدت منطقة البلقان حروباً دامية أبرزت كيف يمكن أن تنقلب الفوارق بين الطوائف والأعراق إلى عنصرية عنيفة وسياسات قتل عشوائي، ورغم أن تاريخ المسلمين في البلقان يمتد إلى القرن العشرين، فإن وجودهم اليوم في صربيا ما زال يعاني الكثير من القلاقل؛ بسبب العنصرية التي خلفتها حرب البوسنة والهرسك في نهاية القرن الماضي، وبرغم انتهاج قادتهم الدينيين لغة الحوار وتركيزهم في كل المناسبات على عوامل التعايش مع غيرهم، فإنهم ما زالوا يعانون بشدة في الحفاظ على هويتهم وتراثهم.

ومن أهم المشكلات التي تواجه المسلمين عموماً في جمهورية صربيا هي عدم اعتماد حقوق الأقليات، مثل قلة وجود المؤسسات والجهات الثقافية والإرشادية، وعدم توازن الوجود في الأدوار الحكومية، وعدم الإقرار بهوية المسلمين وتقاليدهم من قبل الصرب.

كما تواجه جميع دول البلقان بعض المشكلات مثل قلة الدعاة، بالإضافة إلى التنصير والغزو الفكري من المنظمات المختلفة، وقلة وجود الشركات والمصانع التي تسهم في تحسين مستوى حياة المسلمين.

وبشكل عام، يتعرض مسلمو صربيا لمظاهر متعددة من التمييز ضدهم، ويَتَّهمون السلطات الصربية بأنها تمارس ضدهم أساليب تضييق مدنية “سلمية” للحدِّ من نفوذهم داخل المجتمع.

ومن جهتها، تطالب المشيخةُ الإسلاميةُ السلطاتِ الرسميةَ بإعطائهم كافة حقوقهم التي نص عليها القانون الجديد للأديان مساواة بغيرهم من الديانات الأخرى، ومن بين هذه الحقوق استعادة جميع الأوقاف الإسلامية التي صودرت في العهد الشيوعي السابق.

ما أبرز الأنشطة التي تقوم بها المشيخة الإسلامية لخدمة الإسلام والمسلمين؟

– تعتبر المشيخة الإسلامية في صربيا الجهاز التنفيذي لمجلس الاتحاد الإسلامي، وتعتبر أعلى سلطة للشؤون الدينية والتعليمية، وتقوم بتنظيم شؤون الحج والعمرة وجمع التبرعات وتحصيل أموال الزكاة والإشراف على أوقاف المسلمين في جميع أنحاء البلاد، وإصدار الفتاوى والردّ على استفسارات المسلمين وغيرهم، ورعاية المسلمين الجدد وتوعيتهم بأحكام وهدايات الدين الإسلامي الحنيف، وتعيين أئمة المساجد والدعاة والمؤذنين وأساتذة الجامعات والمدارس الإسلامية، وتشرف المشيخة في الوقت الحاضر على أكثر من 80 وقفاً إسلامياً، و250 مسجداً، وللمشيخة إدارات مهمة تمكِّنها من القيام بواجباتها، مثل إدارة التعليم الإسلامي، وإدارة الشؤون الدينية، وإدارة الطبع والنشر، وإدارة الأوقاف، إضافة إلى إدارة الشؤون الاقتصادية، وبذلك يمكن القول: إن مهمة المشيخة في صربيا تماثل مهمة وزارة الشؤون الدينية في بعض بلدان العالم العربي والإسلامي؛ حيث تقوم بكل ما يتعلق بالدعوة والإرشاد.

ونحن لدينا عمل كبير في مجال الإعلام؛ حيث تمكنت المشيخة الإسلامية في صربيا من إدخال المادة الدينية في التعليم، فضلاً عن ذلك نقوم بإلقاء المحاضرات على التلفاز التابع لمنطقة سنجق والإذاعة كذلك، ولدينا العمل على شبكة الإنترنت وغيرها.

من هنا يمكننا القول: إن لدينا فرصة تاريخية لإرشاد المسلمين في جمهورية صربيا وكذلك في الدول المجاورة؛ وذلك نتيجة الاتجاهات السياسية الحديثة التي تتيح جميع الحريات ما لم تتدخل في الاعتداءات والإرهاب؛ فنحن بحاجة إلى الدعاة والعلماء الذين سيوضحون أكثر وسطية الدين الإسلامي؛ لأنه ظهرت لدينا بعض الجماعات المتشددة، التي قد تصل لتكفير المسلمين؛ فواجبنا حفظ المسلمين من تيار الإرهاب، وكذلك حفظهم من التنصير، ونسأل الله أن يعيننا على ذلك بإخواننا من الدول الإسلامية والعربية.

هل توجد لديكم مؤسسات دعوية في صربيا؟ وما مدى تأثيرها؟

– لدينا رياض الأطفال، ومدارس إسلامية للذكور والإناث، وعندنا كلية الدراسات الإسلامية، والجامعة العالمية في نوفي بازار، كما لدينا قناة تلفزيونية وإذاعة، ولا شك أن تأثيرها كبير جداً، وقد استطعنا، بفضل الله ثم بفضل هذه المؤسسات، تغيير الأوضاع وتحسينها.

ما دور دولة الكويت في دعمها لمسلمي صربيا؟

– تتميز دولة الكويت بتعاونها الكبير معنا والوقوف بجانبنا ودعمها لنا في تنفيذ المشاريع التعليمية والإنسانية والوقفية والموسمية، ونحن نشكر الكويت؛ حكومة وشعباً ومؤسسات، على ذلك الدعم.

وقد زرت الكويت أكثر من مرة، واستقبلنا إخواننا في جميع المؤسسات الحكومية والخيرية بكل احترام وسرور، وقدموا لنا من سعة صدورهم ومحبتهم ما لن ننساه أبداً، فإننا نشكرهم جميعاً على وقفتهم معنا في جميع أنشطتنا الدعوية والخيرية، ونرجو أن يزورونا في صربيا أكثر حتى يروا بأعينهم حالة المسلمين والدعوة الإسلامية، وكذلك مشاريعهم التي يدعمونها مادياً ومعنوياً عن طريق المشيخة الإسلامية في صربيا، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقهم لما يحب ويرضى، ويجمعنا وإياهم في جنات النعيم.

ما أهم احتياجات المسلمين في صربيا؟

– المسلمون بحاجة إلى من يقف بجانبهم ويدعمهم ليتمكنوا من الحفاظ على هويتهم الإسلامية وتطوير أنفسهم، فنحن بحاجة إلى شركات ومصانع في منطقتنا ليتمكن الناس من العمل؛ فعلى الدول الإسلامية دعم مسلمي صربيا، والمشيخة لديها كثير من المشاريع الوقفية الخيرية والتعليمية، وهي بحاجة إلى دعم، علماً أن الحكومة الصربية لا تقدم لنا أي دعم.

Exit mobile version