تونس.. جلسة عاصفة في البرلمان حول الشأن الديني

– زريق: تعديل قانون المساجد حتى يتلاءم مع التحولات الاجتماعية والفكرية بعد الثورة

– عتيق: الخطاب الاستئصالي لن يؤدي إلا إلى نشر الفتن والكراهية وإلى حرب أهلية

– مخلوف: العقلية الأمنية المريضة ما زالت معششة إلى يوم الناس هذا

 

شهد البرلمان التونسي، مساء أمس الثلاثاء، جلسة عاصفة أثناء مناقشة ميزانية وزارة الشؤون الدينية لعام 2021م، بـ164 مليون دينار تونسي، وتعتبر رواتب العاملين في هذا الميدان أضعف الرواتب الموجودة في تونس بشهادة النواب أنفسهم، لا سيما إذا نظرنا للدور الكبير الذي تبذله المساجد في التقليل من الجرائم وحتى منعها من خلال بناء الرقابة الذاتية للإنسان على أعماله وسلوكياته عندما يؤمن بأن هناك خالقاً مراقباً لتصرفاته و مجازياً على أعماله.

فضلاً عن دور المساجد في ترشيد الفكر وتصحيح الانحرافات الناتجة عن الفهم الخاطئ للدين، أو محاولات إبعاده عن الشأن العام، ومساعي وضعه في موضع الشبهة خدمة لأجندات خارجية ترى في الإسلام محفزاً لأمته على العلا، ورفض هيمنة الإمبريالي على مقدراتها، وترى هذه الجهات أنه قادر على بعث أمته من سباتها لقيادة دورة حضارية جديدة كما توقع مؤرخون مثل توينبي، وحذر من ذلك سياسيون كرئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير الذي قال: “اتحاد المسلمين في دولة واحدة تحكمها الشريعة سيناريو لا يمكن تخيله ولا يمكن السماح به”، وغيره.

شطح بعيد عن الواقع

بعض النواب الذين يتلقون معلوماتهم من جهات أجنبية عربية كانت أو فرنسية باعتراف ما يسمى بمراكز البحوث التونسية التي أكد بعض القائمين عليها أن معلوماتهم عن الجماعات الإسلامية بما فيها المغالية من مصادر غربية، وأنهم عالة عليها في كل شيء تقريباً، لدرجة يعتقد البعض أن المسلمين يقتلون كل مخالف لهم أو يعتبرونه عدواً، وقد ترددت تلك التصورات الخاطئة في مداخلات بعض النواب للأسف.

وقد حاول بعض النواب أيضاً أن يجد في ضعف ميزانية وزارة الشؤون الدينية مؤامرة، ليس بتقليل شأن العاملين في هذا الحقل المهم، وإنما ليكون مطية للمساعدات الخارجية، وهو تصور مريض يعبّر عن نفسيات مريضة بل مكلفة بمهمة، كما ورد على لسان نواب آخرين علقوا على ذلك الاكتشاف المتخيل والبائس.

ومن الاتهامات الخاطئة التي وردت في مداخلات بعض النواب ولا سيما النائبة المشبوهة بالعمالة لأطراف إقليمية علاوة على فرنسا عبير موسي التي اتهمت رئيس البرلمان التونسي بخدمة أهداف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيسه السابق العلامة د. يوسف القرضاوي الذي قالت: إنه يعادي الدولة المدنية، ويهدف إلى المس من حقوق المرأة في تونس، واستهداف مجلة الأحوال الشخصية، وزعمت بأنه “من أفتى بتحويل أموال الزكاة إلى القوى الإرهابية في سورية”، في حين أنه أفتى بذلك لفلسطين، وهو ما يؤكد خدمتها لأجندات تتجاوز البعد الإقليمي العربي إلى شريكه الصهيوني تحديداً وفق نواب بالبرلمان، منهم النائب نور الدين البحيري.

تعديل قانون المساجد

النائب محمد زريق دعا إلى تعديل قانون المساجد الذي يعود إلى عام 1988، حتى يتلاءم مع المتغيرات والتحولات الاجتماعية والفكرية بعد الثورة، موصياً بدعم دور الوزارة في توعية الشباب، في ظل انتشار الجريمة والمخدرات، مع وجوب العناية بالأئمة والخطباء، فيما يخص تكوينهم وظروفهم المادية.

وأكد النائب نور الدين البحيري أنه لم يعد هناك من حجة لغلق المساجد ومنع صلاة الجمعة، بحجة انتشار وباء كورونا، في حين أن الحانات والملاهي الليلية والمقاهي مفتوحة للعموم، وأدان البحيري تصريحات النائبة عبير موسي التي تسعى لاستخدام البرلمان “لتصفية حسابات إقليمية واتهام يوسف العلامة القرضاوي بالإرهاب، تنفيذاً لإملاءات إقليمية.

حرام الدوح على بلابله!

وأشار النائب الصحبي عتيق إلى أن ميزانية وزارة الشؤون الدينية هي الأضعف بين كل الوزارات، وأن في ذلك تبخيساً لقيمة الشأن الديني، في بلد كان بوابة الدعوة الإسلامية في شمال أفريقيا.

وأشار عتيق إلى وجود فشل ذريع عام في المجال التربوي وتشرد ثقافي وأخلاقي في تونس ما بعد الثورة، وخلط بين الدين والتدين، أدى إلى تحويل التدين إلى تهمة بالإٍرهاب، وهو أمر لا بد من تضافر كافة الجهود لتجاوزه.

وبخصوص المساعدات لصيانة المعالم الدينية من جهات أجنبية، قال عتيق: نحن نتلقى المساعدات في كل المجالات، لكن عند ارتباطها بالشأن الديني تصبح مساً من السيادة الوطنية، ودعا إلى الابتعاد عن الخطاب الاستئصالي؛ لن يؤدي إلا إلى نشر الفتن والكراهية وإلى حرب أهلية؛ حرام الدوح على بلابله حلال للطير من كل جنس!

المجلس الإسلامي الأعلى

النائب عن ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف عبّر، بدوره، عن أسفه للضعف الفادح في ميزانية وزارة الشؤون الدينية، ودعا مخلوف لتفعيل المجلس الإسلامي الأعلى المعطل حتى يكون مرجعاً في أهم المواقف خاصة في ظل وجدود مفتٍ مثل عثمان بطيخ، وقال: عندنا عاهة اسمها مفتٍ الذي لا يفتي في شيء ولا رأي له ولا تكوين، ولديه ملف فساد منذ عام 2015.

وأشار إلى أن وزارة الداخلية هي التي تشرف على انتداب الأئمة الأقل أهلية، والمؤذنين الأسوأ صوتاً، مرجّحاً أنه عند إجراء مناظرات يتم انتداب أصحاب المراتب الأخيرة.

واعتبر مخلوف أن إشراف الداخلية على الانتداب في وزارة الشؤون الدينية يتنزّل في إطار العقلية التي غرسها الطاغية بن علي؛ وهي أن من يصلي مجرم.

وتابع مخلوف مستنكراً: العقلية الأمنية المريضة ما زالت معششة إلى يوم الناس هذا، وسأل وزير الشؤون الدينية قائلاً: متى تستقل وزارتكم وإلا فلتصبح إدارة صلب الداخلية أفضل؟

Exit mobile version