هل نشهد رحيلاً مبكراً للبرلمان الأردني الجديد؟

في الوقت الذي انتهت فيه الانتخابات الأردنية للبرلمان في العاشر من نوفمبر لهذا العام، بدأ الحديث لدى النخب والقواعد الشعبية التي قاطعت الانتخابات بأن البرلمان يفتقد للشرعية الشعبية والسياسية، وأن على البرلمان أن يرحل ليتم التأسيس لحياة سياسية جديدة.

لكن هل ممكن أن يحصل هذا فعلياً؟

تركيبة البرلمان

جاءت الانتخابات البرلمانية ببرلمان لم يخرج عن التوقعات قبل إجراء الانتخابات؛ إذ سيطرت إفرازات القبائل الأردنية بمختلف الأصول والمنابت على 112 مقعداً من أصل 130 مقعداً.

وجاءت حصة الأحزاب وتحالفاتها خجولة؛ إذ لم تحصل إلا على 18 مقعداً فقط؛ 12 منهم ينتمون للأحزاب، و6 منهم تحالف مع الأحزاب، وكثير من هؤلاء صعدوا على أكتاف القبائل لا قواعدهم الحزبية.

جاءت تركيبة المجلس تتفق مع الرغبة الحكومية ليكون المجلس مجلس خدمات للمناطق المهمشة في الأردن، واستمرار للنظرة الرسمية لصناع القرار بأن الاستقرار السياسي في الأردن يقوم على ركيزة القبيلة والاستمرار في نمط الدولة الريعية التي تضمن الولاء والاستقرار.

النكهة الحزبية الخفيفة جاءت كديكور يسمح به فقط لغايات الاستثمار الخارجي والقدرة على تقديم صورة تجميلية لدى الغرب.

الانتخابات أظهرت أن السياسة الرسمية للتهميش الناعم للأحزاب السياسية وانتهاج سياسة الدولة الريعية استطاعت أن تحاصر الأحزاب شعبياً.

هل سيسقط برلمان 2020؟

من المتعارف عليه أردنياً أن حل البرلمانات قبل انتهاء مدتها الدستورية والمحددة بأربع سنوات التي هي من صلاحيات الملك لا يكون إلا إذا كان هناك ظروف خارجية وظروف داخلية تستلزم ذلك.

الظروف الخارجية 

بلا شك أن الظرف الخارجي الذي يؤثر في مسار استمرار البرلمان واستقراره وفقاً للتركيبة التي تشكل منها تقول: إن البرلمان سوف يكمل مدته الدستورية بأربع سنوات وذلك لوجود عدة عوامل.

زوال شبح “صفقة القرن” وقرار الضم الذي كان يحظى بتأييد ودعم واسع من قبل إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب الذي كان يرى الأردن في ذلك تهديداً حقيقياً لهوية الدولة الأردنية، حيث يوجد في الأردن أكبر خزان بشري للجوء الفلسطيني.

قدوم قيادة أمريكية جديدة تتوافق مع النظام الأردني في تصورها للحل في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية إذ تؤمن الإدارة الجديدة بحل القضية الفلسطينية على مبدأ حل الدولتين، ودعم السلطة الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني.

قدوم قيادة أمريكية جديدة سوف يعيد الدعم المالي لمنظمة “الأونروا” مما يخفف من العبء الاقتصادي على الدولة الأردنية كما أنه يعيد تدفق المساعدات الخارجية من الولايات المتحدة الأمريكية والتي تقدر بمليار وربع الميار دولار سنوي، وإعادة تدفق المساعدات الأوروبية الخليجية التي تقدر أيضاً بمليار وربع المليار دولار التي تمثل ما مجموعه 25% من ميزانية الدولة الأردنية.

تراجع فرص الربيع العربي وإضعاف الإسلام السياسي المحرك الأساسي له مما يعني أن المنطقة المحيطة بالأردن سوف تعيش حالة استقرار سياسي على المدى القريب.

علاقات الأردن القوية مع دول الاتحاد الأوروبي التي ترى في الأردن ورأس النظام الأردني وجه اعتدال عربياً؛ مما يساعد الأردن في الاستمرار في بناء حياته السياسية على ذات الصيغة (التحالف مع القبائل والدولة الريعية).

الظروف الداخلية

قد تبدو الظروف الداخلية حالياً هي أيضاً مناسبة ومواتية للنظام الأردني للاستمرار في صيغة ومقاربة إدارة الملف السياسي الداخلي الذي يرى في القبيلة والنظام الاقتصادي الريعي عامل استقرار للدولة الأردنية، لكن هذا التصور يبدو خادعاً، وأن هناك جمر متقد تحت الرماد نتيجة أزمة كورونا والإغلاقات من عدة وجوه.

بلغت نسبة الفقر في الأردن 16%، وبلغت نسبة الفقر المدقع 1.2%، ومن المتوقع أن تزداد تلك النسب بشكل كبير بعد انتهاء جائحة كورونا.

بلغت نسبة البطالة في الأردن 23%، إذ زادت نسبة البطالة بما يقارب 4 نقاط مئوية خلال النصف الثاني من عام 2020م بعد إغلاقات القطاع الاقتصادي بسبب كورونا.

ارتفاع العنوسة في الأردن؛ إذ بلغت النساء اللواتي لم يسبق لهن الزواج 45% من مجموع الفتيات اللواتي بلغن سن الزواج في الأردن، وارتفع سن الزواج للفتيات من 21 سنة إلى 26 سنة، وارتفع سن الزواج للذكور من سن 26 إلى سن 31 سنة، وكل ذلك مرتبط بالوضع الاقتصادي السيئ والبطالة في الأردن.

تضخم في عدد الرسوم والضراب المفروضة على الشعب الأردني؛ إذ يفرض على المواطن الأردني أكثر من 100 ضريبة ورسم، أهمها ضريبة المبيعات التي تفرض قيمة ضريبية بـ16% من قيمة السلع، وتفرض على كل شرائح المجتمع الغني والفقير.

تفشي حالة الفساد الاقتصادي الذي يستنزف ميزانية الدولة؛ إذ يقدر حجم الفساد الاقتصادي في الأردن بأكثر من 10 مليارات دينار أردني، ازدادت هذه الأرقام في السنوات الأخيرة نتيجة الإنفاق خارج الميزانية في الأردن وتضخم في المديونية العامة التي أصبحت تمثل تقريباً 99% من إجمالي الناتج المحلي الأردني.

من قراءة الظروف الخارجية التي تبدو وكأنها ظروف جيدة بالنسبة للعلاقات الخارجية الأردنية وإدارة ملف أزمة القضية الفلسطينية للاستمرار بذات مقاربات الحكم وأدواته، إلا أن الملف الداخلي وخصوصاً الملف الاقتصادي يشير إلى أن الوضع الاقتصادي بالأردن بعد انتهاء الجائحة وفي صيف 2021م سوف يبدأ يضغط على الإدارة الأردنية، وأن حلول ومنهجية الدولة الريعية لن يسمح بالاستمرار به فترة أطول؛ مما يستدعي إعادة إنتاج مناخ عام 1989م الذي كان المخرج للأزمة الأردنية الاقتصادية المستعصية حينها في التوجه نحو الإصلاح السياسي.

الإصلاح السياسي عنوانه هو إصلاح في القانون الانتخابي وإعادة التوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسير خطوات جادة على طريق الحكومة البرلمانية وحكم الشعب لنفسه.

قد تبدو تلك عناوين كبيرة وملفات معقدة لها توازناتها الداخلية والخارجية، لكنها بكل تأكيد هي المخرج الآمن للأزمة المحتملة القادمة، إلا أن ضغط الظرف الاقتصادي ما بعد كورونا وتطوراته على الأرض هو من يقرر إذا ما كان هناك رحيل للبرلمان أو استمرار له وفقاً لذات المنهجية في المقاربات السياسية إذا استطاع النظام الأردني العبور الاقتصادي بهدوء.

Exit mobile version