نيويورك تايمز: لماذا فتح ماكرون النار على الإعلام الأمريكي والإنجليزي؟

تحت عنوان “الرئيس ضد الإعلام الأمريكي” نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده بن سميث قال فيه إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان لديه من يهاجمه من الإعلام الأمريكي “المتحيز” والمهووس بفكرة العنصرية ومواقفه الغريبة عن الإرهاب وتردده في التضامن مع جمهوريته المحاصرة.

ولهذا “دعاني الرئيس إيمانويل ماكرون مساء يوم الخميس إلى مكتبه المموه بالذهب في الإليزيه للشكوى بنفسه”. وناقش قائلا إن الإعلام الأنجلو- أمريكي كما يشار إليه في بلده، حمل فرنسا المسؤولية بدلا من لوم الذين ارتكبوا عددا من الأعمال الإرهابية التي بدأت في 16 أكتوبر بمقتل مدرس التاريخ صمويل باتي الذي عرض على طلابه رسوما ساخرة من الرسول محمد.

وقال ماكرون: “عندما تعرضت فرنسا للهجوم قبل 5 أعوام دعمتنا كل دولة في العالم” في إشارة إلى الهجوم في 13 نوفمبر 2015 الذي قتل فيه 130 شخصا والذي كان منسقا وضم مسرحا وملعبا للرياضة ومقاهي في باريس. وأضاف الرئيس ماكرون: “لهذا عندما أنظر إلى ذلك في السياق فهناك عدة صحف من دول تشترك معنا في القيم- وصحافيون يكتبون في دولة ورثت التنوير والثورة الفرنسية، وعندما أراهم يمنحون الشرعية لهذا العنف ويقولون إن لب المشكلة هي العنصرية في فرنسا والإسلاموفوبيا، أقول عندها إن المبادئ التأسيسية ضاعت”.

وعلق الصحافي أن منح الشرعية للعنف هي تهمة خطيرة ضد الإعلام وهو اتهام “تعودنا على سماعه وتجاهله من الرئيس الأمريكي”.

وتم حرف أنظار الأمريكيين بسبب التصرفات المهلوسة لترامب في أيامه الأخيرة وربما لم ينتبهوا للنزاع القائم بين النخبة الفرنسية والصحافة الناطقة باللغة الإنكليزية. وقتل أكثر من 250 شخصا في الأعمال الإرهابية منذ عام 2015 وهو أكبر عدد في بلد غربي. واتهم ماكرون الإعلام الأمريكي والناطق بالإنكليزية بأنه يحاول فرض قيمه على مجتمع مختلف. وأن الإعلام الأجنبي أساء فهم “اللائكية” أو العلمانية الفرنسية التي تقوم على الفصل بين الدين والدولة وتعود إلى بداية القرن العشرين، وعندما سيطرت الدولة على المدارس من الكنيسة الكاثوليكية. وأصبح الموضوع محلا للنقاش هذا العام خاصة أن انتخابات عام 2022 تقترب ومن المتوقع أن يواجه ماكرون الزعيمة اليمينية الشعبوية مارين لوبان.

ولم يدع ماكرون بداية لتغيير نهج الدولة تجاه المسلمين في فرنسا، لكنه ألقى في بداية تشرين الأول/أكتوبر خطابا شجب فيه “الانعزالية الإسلامية” ووعد بمحاربتها بدءا من التمويل الأجنبي وتدريب الأئمة في داخل فرنسا و”وجبات الطعام الحلال التي تفرض في بعض المطاعم”، ودعا إلى إعادة تشكيل الإسلام إلى “إسلام التنوير” فيما يستخدم وزير داخليته لغة مهيجة مثل تلك التي يستخدمها اليمين الشعبوي. وعندما قتل باتي زاد ماكرون من حملته ضد المنظمات الإسلامية وأكد التزامه بقيم العلمانية. وانتقد الزعماء المسلمون حول العالم الرد القاسي لماكرون ومساعديه والذي هاجم الجماعات السلمية المسلمة.

ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمقاطعة البضائع الفرنسية من الأجبان ومواد التجميل. وبعد ذلك نفذت هجمات في نيس ومحاولة للهجوم على القنصلية الفرنسية في السعودية. ويرى الكاتب أن المظالم الفرنسية مع الإعلام الأمريكي معروفة ونابعة من الحرب الثقافية مع أمريكا- وشكاوى من تغريدات وتعليقات لصحافيين، لكن الشكوى الكبرى هي أنه بعد الهجمات الإرهابية ركزت الصحافة الأمريكية والإنكليزية على فشل فرنسا في التعامل مع المسلمين وليس التهديد الإرهابي الدولي. وكان ماكرون غاضبا بشكل محدد من صحيفة “فايننشال تايمز” التي نشرت في 3 تشرين الثاني/نوفمبر مقالا بعنوان “حرب ماكرون على الانعزالية الإسلامية تزيد من تقسيم فرنسا”. وناقشت كاتبة المقال أن ماكرون يقوم بتنفير الغالبية المسلمة الفرنسية التي تكره الإرهاب. وقال ماكرون إن المقال ينتقد الانعزالية الإسلاموية وليس الإسلام. ويقول نقاده إنه يخلط ما بين الممارسة الدينية والتطرف. وعبر ماكرون عن غضبه من سوء فهم كلامه عندما كان يحاول التفريق بين الدين الإسلامي والأيديولوجية الإسلاموية. وقال: “أكره تصويري بكلام لم أقله”. وبعد انتقادات ومكالمات غاضبة من مكتب ماكرون قامت “فايننشال تايمز” بحذف المقال عن موقعها. وهو أمر لم تفعله الصحيفة من قبل على حد قول المتحدثة باسمها كريستين إريكسون.

وفي اليوم الثاني نشرت الصحيفة رسالة رد من ماكرون، هاجم فيه المقال المحذوف. ولم يتوقف الأمر عند الصحيفة البريطانية. في نهاية تشرين الأول/أكتوبر نشرت الطبعة الأوروبية من “بوليتكو” مقالا بعنوان “مخاطر الدين الفرنسي من العلمانية” وكتبه عالم اجتماع فرنسي. وأثار المقال عاصفة من الغضب اتهم فيها الكاتب بأنه يلوم ضحايا الإرهاب، إلا أن حذف المقال أدى إلى اتهام الكاتب للمجلة بممارسة الرقابة. وقال محرر بوليتكو ستيفن براون إن توقيت نشر المقال بعد الهجوم لم يكن مناسبا. واعتذر للكاتب على حذف مقاله بدون سبب. ولم يتحدث عن أي خطأ في المقال. وكانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها حذف مقال رأي في المجلة. لكن الشكوى الفرنسية لا تتوقف عند مقالات الرأي بل وهناك حساسية حكومية من تقارير مثل تقرير مراسل صحيفة “واشنطن بوست” جيمس ماكولي الذي قال فيه: “بدلا من محاربة العنصرية المنظمة، تريد فرنسا إصلاح الإسلام”. وقال: “بدلا من معالجة تهميش المسلمين الفرنسيين” تحاول الحكومة الفرنسية التأثير على ممارسة دين عمره 1.400 عام”. وقارنت “نيويورك تايمز” بين الرد الأيديولوجي الفرنسي والرد النمساوي التصالحي على الهجمات الإرهابية.

هل تغذي فرنسا الإرهاب الإسلامي من خلال منعه؟

ولاحظت الصحيفة أن الذين قاموا بالهجوم في فرنسا لا يتناسبون مع تركيز الحكومة على شبكات التطرف. وفي مقال رأي تساءل كاتبه: “هل تغذي فرنسا الإرهاب الإسلامي من خلال منعه”. ثم هناك التغريدات. فقد حذفت وكالة أسوسيتدبرس تغريدة تساءلت فيها إن كانت فرنسا “تحرض” على الغضب في العالم الإسلامي، قائلة إنها كلمة لم تكن موفقة في مقال كان يتحدث عن الغضب في العالم الإسلامي. وتم التحقيق مع “نيويورك تايمز” حول تغريدة وعلى صفحات “لوموند” بسبب عنوان ظهر وسط فوضى قتل المدرس: “الشرطة الفرنسية تقتل رجلا بعد طعن بشارع”. وغيرت الصحيفة عنوانها بعد تأكيد الشرطة هوية المنفذ ولكن صورة المقال ظلت موجودة. وقالت المتحدثة باسم ماكرون آن – صوفي براديل: “يبدو وكأننا نستنشق الدخان في نقطة الصفر وقالوا كنا نعرف أن هذا سيحدث”.

وأي مراقب للسياسة الأمريكية يجد صعوبة في التفريق بين ما ينشر من تغريدات والقيم. وقال ماكرون: “هناك نوع من سوء الفهم حول النموذج الأوروبي والنموذج الفرنسي”. وأضاف: “تعود المجتمع الأمريكي على الفصل من قبل تحوله للتعددية الثقافية والذي يقوم على التعايش بين الإثنيات والأديان المختلفة جنبا إلى جنب”. أما “نموذجنا فهو عالمي وليس عن التعددية الثقافية”، مؤكدا أن المواطنة لا تعني الهوية: “في مجتمعنا لا يهمني إن هناك شخص أسود، أصفر أبيض، وإن كان كاثوليكيا، مسلما فالشخص هو في الأول والأخير مواطن”. وبعض الشكاوى التي يتحدث عنها ماكرون تعكس الخلاف بين ما يراه الفرنسيون التمسك بالمسيحية في أمريكا. ويتحدث ماكرون عن الحجاب والطعام الحلال كما يتحدث وزير داخليته بشكل يتصادم مع ما يراه الأمريكيون حرية في الممارسة الدينية والتعبير المضمونة في المادة الأولى من الدستور الأمريكي. لكن التفريق الأيديولوجي المجرد بعيد عن حياة أكبر أقليات إثنية في البلاد التي تشكو من الانتهاك اليومي والفصل والتمييز في مجال العمل. واعترف ماكرون في خطابه الشهر الماضي وعلى غير العادة بدور الحكومات الفرنسية المتعاقبة بدفع المسلمين للعيش في الضواحي المعزولة مما أدى لخلق جيل من الشباب المسلم المهمش.

ولكن التغطية التي أغضبت الفرنسيين هي التي عكست مواقف السود والمسلمين الفرنسيين الذين لا يرون العالم بنفس الطريقة التي تراه النخبة الفرنسية. وترى الصحيفة أن محاولة البحث عن معركة مع الإعلام الأمريكي ليست جديدة ولكنها تعكس الحروب الثقافية التي تعكس واقعا غير مريح. وذهب المعلقون الفرنسيون الرجعيون أبعد من ماكرون في مهاجمة الصحافة الأمريكية واستلهموا المثال من الحروب الثقافية الأمريكية. وفي مقال محرض نشرته مجلة “مارين” الفرنسية نشر بالإنكليزية في “تابلت” الإنكليزية حيث شجب فيه “اليقظة الأخلاقية التبسيطية”. وفوق كل هذا لدى ماكرون سياقه السياسي، كفاح يائس ضد فيروس كورونا واقتصاد ضعيف وتهديد سياسي من اليمين وأبعد نفسه عن علاقة مع ترامب في بداية حكم الرئيس الأمريكي وتحدث مع الرئيس المنتخب جوزيف بايدن قبل يوم من مقابلته مع “نيويورك تايمز”. وعندما سأله إن كان هجومه على الإعلام لا يختلف عن محاولات ترامب الذي يحاول حماية نفسه من خلال الهجوم، أجاب ماكرون أنه يسعى لكي يفهمه العالم وبلده و”رسالتي هي: لو كانت لديك مسألة مع فرنسا، اتصل بي”، مع أنه لم يعط مكتب نيويورك تايمز في باريس مقابلة من قبل. وغضب على المقارنة بينه وترامب: “أقرأ صحفكم وأنا واحد من قرائكم”.

 

Exit mobile version