هل تنجرف إثيوبيا لحرب أهلية؟

صورة براقة من الخارج، نمو اقتصادي متسارع، تنمية ووحدة وطنية، انتهاء المشكلات الأزلية والحدودية، رجل إثيوبيا الحائز على جائزة “نوبل” للسلام.. لكن هذه ليست صورة الداخل الإثيوبي، وسط نزاعاتٍ عرقية تكاد تهدم الدولة الرائدة في المنطقة، نزاعات لا تلبث أن تهدأ حتى تشتعل، ووسط الرؤى المتباينة لطبيعة الصراع بين الحكومة الفيدرالية وإقليم التيجراي، نقدم سيناريوهات المشهد الإثيوبي بعد إعلان الحرب على الإقليم الواقع شمال إثيوبيا، فماذا يحدث في إثيوبيا؟ وما سبب تمرد إقليم التيجراي على الحكومة المركزية؟ وما مآلات هذه الحرب على إثيوبيا وعلى كافة المنطقة؟

في هذا التحقيق تتعرض “المجتمع” لهذه القضايا.

ماذا يحدث في إثيوبيا؟

أعلن الجيش الإثيوبي، صباح الأربعاء 4 نوفمبر الحالي، هجومًا على جبهة تحرير تيجراي، الإقليم الذي يقع شمال إثيوبيا، وذلك بموجب أمر من رئيس الوزراء آبي أحمد، في بيان قال فيه: إن الجبهة حاولت الاستحواذ على معسكر القيادة الشمالية، التي يقع مقرها في ميكيلي عاصمة الإقليم، وذلك في محاولة منها للاستيلاء على أسلحة ثقيلة.

وأضاف أن حكومته حاولت تجنب الحرب، لكن ذلك لا يمكن أن يتم من طرف واحد، مشيراً في نفس البيان إلى فرض حالة الطوارئ في تيجراي لمدة ستة أشهر.

واعتبر أبي أحمد أن هجوم الجبهة على مقر القيادة الشمالية تجاوز للخط الأحمر، وأن استخدام القوة هو البديل الأخير، وقالت وكالة “أسوشيتد برس”: إن الاتصالات قُطعت في إقليم تيجراي، مشيرة إلى مخاوف من أن يؤدي هجوم الجيش الإثيوبي إلى حرب جديدة في البلاد التي تشهد توترات عرقية.

وللاطلاع أكثر على وضع الداخل الإثيوبي، صرح الصحفي الإثيوبي أنور إبراهيم لـ”المجتمع”، أن المشهد الآن ضبابي من جهة إقليم التيجراي، ورغم أن الحكومة تصدر بيانات كل ساعة أنها تتقدم، فإن الإقليم ليس به اتصالات ولا شبكة إنترنت، فالوضع الآن سيئ جدًا لأنه قد يكون هناك متضررون من المواطنين أو خسائر في الأرواح.

.

وأضاف أن هناك نداءات دولية لإيقاف الحرب، وأصدرت الحكومة بيانات أنها لن توقف الحرب لأنها ترى الإقليم خارجاً عن القانون، في حين يؤكد إقليم تيجراي أنه سيواصل الحرب حتى آخر لحظة.

ويقول أبوبكر عبدالرحمن، الباحث في الشؤون الإستراتيجية والدولية: إن الحكومة المركزية تحاول كسب عدد من نقاط القوة عبر التحركات الميدانية؛ حتى تستطيع الاستناد إليها في أي مباحثات يتم طرحها من أطراف خارجية مستقبلاً لنزع فتيل الحرب، كما أنه استعراض للقوة ورسالة لجبهة تحرير أورومو التي ربما تسلك ذات المسلك.

 

 

ويتصاعد التوتر منذ سبتمبر الماضي، عندما أجرى الإقليم انتخابات في تحدٍّ للحكومة الاتحادية، التي وصفت التصويت بأنه غير قانوني، وتبادل الجانبان في الأيام القليلة الماضية الاتهامات بالتخطيط لإشعال صراع عسكري.

وكانت حكومة أبي أحمد طلبت تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في مايو 2020 لأسباب أمنية ولوجيستية، وهو ما استجابت له اللجنة الوطنية للانتخابات بالإعلان عن موعد جديد لها في 29 أغسطس، وبعد انتشار فيروس كورونا عادت اللجنة لتعلن عن تأجيل ثانٍ للانتخابات العامة لأجل غير مسمى استجابة للبرلمان الإثيوبي.

وعلى الرغم من أن التأجيل جاء لصالح الحكومة الإثيوبية، فإنه وضع البلاد في مأزق دستوري؛ نظرًا لنهاية ولاية البرلمان الحالي الذي تنتهي صلاحيته في سبتمبر.

وأفاد أنور إبراهيم لـ”المجتمع”، حول الانتخابات التي قامت بها التيجراي في موعدها؛ أن الحكومة ترى أنها انتخابات غير شرعية، في حين تعتبر التيجراي الحكومة من بعد 5 أكتوبر الماضي غير شرعية، فحدثت حالة من الشد والجذب بين الحكومة والإقليم، وصلت بأن الإقليم لن يتعامل مع الحكومة لعدم شرعيتها، وأضاف أن المعارك تكون داخل الإقليم أو في حدود الإقليم، وهناك إقليم آخر متاخم له، وأحياناً يحدث أضرار للمواطنين.

بينما يرى ياسين أحمد، رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية رئيس شبكة عين التيجراي، أن إعلان الحرب على جبهة تحرير التيجراي يدل على فشل الطرق السلمية التي قادتها الحكومة الإثيوبية، وقد قام أبي أحمد بمحاولات لحل الخلاف السياسي بالتفاوض، وأرسل وفداً لإقليم التيجراي لدعوتهم للجلوس على طاولة واحدة، لكن الجبهة رفضت، وأضاف أن تَبعات الحرب مُضرة، وكان يجب على جبهة التيجراي احترام الدستور والسيادة الوطنية.

 

 

إقليم التيجراي.. والمشكلة الجذرية

تقطن قومية التيجراي منطقة صغيرة تقع على حدود البلاد الشمالية مع إريتريا، وتشكل نحو 6.1% من سكان إثيوبيا، ورغم ذلك فهي العرقية التي تحكم إثيوبيا منذ تولي ميليس زيناوي السلطة عام 1991م.

وتسيطر تيجراي على قوات الجيش، إذ إن نسبة 99% من ضباط قوات الدفاع الوطني من هذه الطائفة، ولم يكن لعرقية التيجراي تأثير في الحياة السياسية، لكونهم لا يشكلون حجمًا سكانيًا، غير أن بروز “الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي” بزعامة زيناوي عام 1989، قَلَب المشهد السياسي، حيث تولى زعامة البلاد ابتداء من عام 1991 حتى وفاته عام 2012.

ويحاول إقليم تيجراي الآن الخروج من عباءة النظام الفيدرالي بزعامة آبي أحمد، الذي تولى السلطة عام 2018 إثر ثورة شعبية قامت بها قومية الأورومو، لكن قومية التيجراي التي كان ساستها وجنرالاتها بمنزلة الطبقة المنتفعة من النظام الإثيوبي القديم بزعامة زيناوي، لم تجد سبيلاً لطاعة آبي أحمد، المنحدر من قومية الأرومو، وشعرت بالتهميش والاضطهاد وتحجيم نفوذها.

حيث تضاءل نفوذهم في عهد أبي أحمد، واعتُقل الكثير من كبار المسؤولين المنحدرين من تيجراي أو أُقيلوا أو هُمشوا، فيما تصفه الحكومة الاتحادية بأنه حملة على الفساد، لكن سكان الإقليم يرونه وسيلة لقمع المعارضة، وفي العام الماضي انسحبت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي من الائتلاف الحاكم.

ويضيف أبوبكر عبدالرحمن، باحث في الشؤون الدولية، لـ”المجتمع”، أن أي تسوية يتوصل لها الأطراف في المستقبل لن تجعل إقليم تيجراي كما هو عليه في السابق، بل حرب الحكومة المركزية منحته الضوء الأخضر وجعلته أمام خيار مفتوح حول تطبيق الحكم شبه المستقل، هذا إن لم يطالب بصورة جادة بتفعيل المادة (39) من الدستور الفدرالي الإثيوبي التي تنص على حق القوميات الإثيوبية في تقرير المصير.

وعن محاولات انفصال الإقليم يقول الشافعي أبتدون، مدير مركز الصومال للدراسات، لـ”المجتمع”: إن انفصال إقليم تيجراي دونه عقبات وتحديات كثيرة، فغياب الاهتمام العالمي بهذا الإقليم من جهة، وعدم توفر بيئة تدخلات خارجية في إثيوبيا من جهة أخرى، تجعل انفصال الإقليم صعبًا، فإثيوبيا لن ترضى بتفكك داخلي، وهذا سبب الصراع والحملة العسكرية ضد هذا الإقليم، ورغم أن الدستور يحفل ببنود تعطي الأقاليم حق تقرير المصير؛ فإن هذه مجرد نصوص لا تُطبق بالفعل على أرض الواقع.

سيناريوهات المشهد.. فوضى سياسية أم تدخل دولي؟

يرى مراقبون أن المشهد يحتمل سيناريوهات عدة، لكن بشكل عام فإن الصراع مع الجبهة الشعبية محفوف بالمخاطر، وذلك لأن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي هي الأفضل تسليحًا من كل القوى الإثيوبية المعارضة، ومع أن شعب تيجراي يشكل أقل من 10% من سكان إثيوبيا، لكن قواتهم العسكرية يقودها محاربون قدامى خاضوا العديد من المعارك ضد النظام الماركسي، وشاركوا في الحرب المدمرة ضد إريتريا بين عامي 1998 و2000.

كما أن الإقليم المضطرب هو القاعدة الرئيسة لأقوى وحدات الجيش الإثيوبي، حيث يتجاوز عدد الجنود فيها نصف تعداد الجيش برمته، أيضاً إريتريا، بالرغم من توقيع أبي أحمد اتفاقية سلام معها في عام 2018، لكن أفورقي يناصب عداءً للجبهة الشعبية لتحرير تيجراي يعود إلى عقود مضت، ولم يُبد رغبة تجاه السلام معها، قد يؤدي دورًا في هذا الصراع.

وفي لقاء مع “المجتمع، يحلل أبتدون سيناريوهات المشهد المحتدم؛ أولها: اللجوء إلى سياسة القمع لإخماد التمرد في البيت الإثيوبي، بدل سياسة الانفتاح والحوار التي تبناها رجل إثيوبيا الجديد؛ ما يعكس توجهًا جديدًا للنظام الإثيوبي يقمع المتناقضات والقوميات الثائرة في إثيوبيا، إلى جانب ممارسة سياسة الإقصاء ضد من يعتبره أبي أحمد عقبة أمام النظام الحاكم، والتغييرات الجديدة التي طالت قيادات في المخابرات والعسكر دليل على ذلك.

 

 

ثانيها: بروز فوضى سياسية في الإقليم نتيجة عدم تمكن أبي أحمد من فرض الاستقرار في إقليم تيجراي، وسيمهد الطريق لانتفاضات جديدة في أقاليم أخرى تواجه كبتًا منذ عقود، وهذا أخطر سيناريو تواجهه إثيوبيا الجديدة، فالنزاعات الإثنية المستفحلة قد تنذر بحرب أهلية، إذا لم يتم معالجة أسبابها بشكل جذري.

ثالثها: دخول قوى إقليمية ودولية على خط الأزمة، الأمر الذي سيضعف مكانة إثيوبيا في المنطقة، ويحولها إلى دولة تمارس حربًا بالوكالة في داخلها؛ ما يخلق مواجهات شاملة بين قوى عالمية وخاصة بين الصين وأمريكا، وبين تكتلات إقليمية أفريقية.

بينما يقول ياسين أحمد لـ”المجتمع”: إنه إذا قاومت الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي، ولم تنجح الهجمة العسكرية للحكومة، سيكون هناك نوع من استمرار الحرب وفشل الحكومة في تحجيم قوة الجبهة، وذلك سيقود إلى سيناريو آخر؛ وهو محاولة التسوية وحل الخلافات عن طريق التفاوض والحوار بين الحكومة وإقليم تيجراي، ويمكن أن يتم ذلك بوساطة إقليمية أو دولية.

حرب التيجراي.. تهديد للمنطقة بالكامل!

إن أهمية موقع إثيوبيا، ودورها الرائد في منطقة القرن الأفريقي خاصة، وفي أفريقيا عامة، يجعل أي تهديد لاستقرارها هو تهديد لاستقرار وأمن المنطقة، فيقول أبتدون: إن تَفَجر صراع في إثيوبيا سيشمل المنطقة برمتها، من حيث تبعاتها السياسية والإنسانية، فالكثافة السكانية البشرية الهائلة في إثيوبيا لا يمكن أن تتحملها دول المنطقة، وخاصة إريتريا والصومال، فهي دول تعاني من الفقر والمشكلات الإنسانية، فانهيار إثيوبيا كدولة ونظام لا يصب في مصلحة دول المنطقة، ولا حتى بالنسبة لدول القارة.

وعن مواقف دول الجوار، يفيدنا الصحفي أنور إبراهيم أن مواقف دول الجوار غير واضحة، فمثلاً السودان أغلق حدوده دون أن يكون له دور، رغم أن له علاقة قوية مع إثيوبيا وخاصة الأقاليم المتاخمة، وأكد إبراهيم أن هذه الحرب ستضر بدول الجوار، لأنها إذا تطورت أكثر من ذلك سيكون هناك نزوح وتهريب للأسلحة، ونقل المعارك للمناطق الحدودية، الشيء الذي قد يضر دولاً مثل السودان أو إريتريا.

وعن موقف السودان، يقول عبدالرحمن لـ”المجتمع”: إن حكومة السودان استبقت خطوات التحركات والتصعيد الإثيوبي بدفع تعزيزات عسكرية كبيرة على الحدود، بعد أن باءت محاولات التوسط بالفشل مع أبي أحمد؛ لوقف الاشتباك بين الجيش الوطني وجيش حكومة الإقليم.

وأضاف أن القيادة السودانية ينبغي أن تحتوي هذه الحرب قبل أن يصبح الثمن مكلفاً، فالسودان اليوم يعاني من أزمات كبيرة، منها تمزق في الجبهة الداخلية وخاصة في الأطراف القريبة من مثلث الصراع الحالي في تيجراي، ومتوقع امتداد تأثير الحرب على أهم ولايتين: كسلا وبورتسودان في أقصى الشرق؛ الملتهبتين سابقًا بأحداث قبلية ضالعة فيها قوى إقليمية.

وأشار إبراهيم إلى أنه في حال تدخل إريتريا أو دول إقليمية في هذه الحرب سيؤدي إلى نقل المعارك للدول المجاورة، الشيء الذي قد يضر بعلاقات الدول ببعضها، خاصة إريتريا، وهناك خلاف تاريخي بينها وبين جبهة تحرير التيجراي، فهناك من يرى أن إريتريا ستتدخل لصالح الحكومة الإثيوبية، وهناك من يرى أنها إذا تدخلت في الوضع الحالي سيتفاقم المشهد أكثر.

وبحسب أبتدون، فإن تدهور السياسات الداخلية للدول الأفريقية عادة ما يعكس تدخلاً خارجيًا، فإذا لم تتمكن حكومة أبي أحمد من ضبط عقارب الصراع في إقليم تيجراي، سيتدخل العالم تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان أو إنقاذ إثيوبيا من الانهيار، كما حصل في الصومال بداية التسعينيات.

هذا، ويرى ياسين أحمد أن التدخلات الخارجية ممكنة، خاصة بعد فوز جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية؛ ربما تقوم أمريكا بدور وسيط لتهدئة الحرب، وأضاف أن ترمب كانت تصريحاته فيما يتعلق بسد النهضة تدل على انحيازه لمصر، أما الآن الوضع تغير وسيكون لأمريكا دور للوصول لاتفاق سلام.

وتتطور الأحداث، ويشتد النزاع، وينظر العالم إلى إثيوبيا باعتبارها دولة تقود تنمية ونهضة؛ تجعل لها يدًا عُـليا في المنطقة، فهل تنجرف الدولة الواقعة شرق أفريقيا لحربٍ أهلية وفوضى سياسية؟ أم يعود أبي أحمد، الحاصل على “نوبل” للسلام، إلى الحلول الدبلوماسية؟

 

 

_____________________________

(*) صحفية مهتمة بالشأن الأفريقي.

 

 

 

Exit mobile version