– السنجاري: الحكومة العراقية تصمت أمام العمليات العسكرية الإيرانية على الحدود
– الدليمي: أنقرة تعتمد على اتفاقيات تسمح لها بشن عمليات عسكرية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني
تشهد الحدود العراقية الدولية على مدار العام حركة عسكرية دؤوبة من قبل الجار الإيراني في الشرق، والجار التركي في الشمال، حيث تقوم الدولتان بعمليات عسكرية تشمل قصفاً جوياً وضربات مدفعية، إلى جانب عمليات برية بين الحين والآخر، بهدف ملاحقة فصائل حزب العمال الكردستاني، التي تسعى لجمع شتات الأكراد في العراق وايران وتركيا وسورية، وتأسيس دولة كردستان الكبرى.
الحكومة العراقية تتعامل مع خرق سيادة أراضيها بازدواجية مريبة، فالخرق الإيراني يتم السكوت عنه دون أي تصريح أو استنكار أو حتى إصدار بيان من الجهات الحكومية، فيما يتم التعامل بحدة وشدة مع أي تحرك عسكري تركي على الحدود العراقية، مع دخول العامل الدولي في الفترة الأخيرة على خط القضية.
خروقات مسكوت عنها
شهدت قرى حدودية عراقية مع إيران واقعة ضمن حدود إقليم كردستان، الخميس الماضي، قصفاً نفذته طائرات ومدفعية إيرانية على قرى تابعة لبلدة “سيدكان” الحدودية مع إيران، إذ أكد رئيس البلدة إحسان الجلبي أن طائرة إيرانية مسيرة نفذت قصفاً على المناطق الحدودية، وبعد ذلك بقليل قصفت المدفعية الإيرانية هذه المناطق.
وقال، في تصريح صحفي لوسائل إعلام محلية: إن القصف أسفر عن حرائق كبيرة في المراعي وتسبب بنزوح بعض العائلات منها، موضحاً أن الحكومة المحلية لم تتمكن من إحصاء الخسائر بشكل دقيق بسبب كثافة القصف الذي أدى إلى حرائق كبيرة في مراعي القرية.
القصف المتكرر بواسطة المدفعية والطائرات الإيرانية تنفذه طهران تحت ذريعة استهداف مقرات الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة التي تنشط بتلك المناطق، حيث توغلت قوات الحرس الثوري الإيراني العام الماضي داخل قرى حدودية عراقية بعمق يصل إلى 6 كيلومترات، قرب جبل “سورين” الحدودي العراقي الذي يتبع بلدة سيد صادق، ضمن حدود محافظة السليمانية.
كما توغلت قوات الحرس الثوري داخل مناطق جبلية عراقية تتبع ناحية “سوران” بعمق يصل إلى 5 كيلومترات ما أدى إلى عمليات نزوح للقرويين منها، وكذلك لقاطنين على سفوح الجبال الواقعة ضمن المثلث العراقي الإيراني التركي.
الخروقات الإيرانية للحدود العراقية متعددة ومتكررة ومتنوعة، إلا أنها خروقات مسكوت عنها، بحسب الصحفي والباحث العراقي فارس السنجاري.
سنجاري أشار، في حديثه لـ”المجتمع”، إلى أن الحكومة العراقية تصمت أمام العمليات العسكرية الإيرانية على الحدود، لأن مستوى التنسيق الأمني والعسكري بين الجانبين يصل إلى درجة الاندماج، فالعراقيون يعرفون أن المنظومة الأمنية والعسكرية العراقية برمتها مسيطر عليها من قبل طهران عبر وكلائها السياسيين والعسكريين.
وأضاف: هذا هو التفسير الوحيد للصمت المستغرب إزاء الخروقات الإيرانية لسيادة العراق، مستدركاً أن الصمت تجاوز حدود المعقول، فالجهات الرسمية في الحكومة المركزية في بغداد، وحكومة الإقليم في كردستان، لم تكلف نفسها عناء إصدار بيان استنكار على الأقل “لذر الرماد في العيون”، حسب تعبيره.
وأوضح سنجاري أن القصف الإيراني بالمدفعية والطائرات بين الفينة والأخرى يخلف أضراراً جسمية بممتلكات القرويين البسطاء، حيث غالباً ما تحترق مزارعهم وتقتل مواشيهم، وعندما تشن عمليات عسكرية أو يتكثف القصف يضطر غالبيتهم للنزوح عن المناطق الحدودية خشية على حياتهم.
استنكار شديد اللهجة
العمليات العسكرية التي تشنها القوات التركية على فترات متقطعة، لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني التي تتخذ من المناطق الجبلية الوعرة على الحدود العراقية قواعد انطلاق لضرب أهداف في العمق التركي، تواجه باستنكار شديد اللهجة من قبل الحكومة والبرلمان العراقي.
وكانت آخر عملية عسكرية شنها الجيش التركي على الحدود العراقية في يونيو الماضي، وأطلق عليها تسمية “المخلب- النسر” وشملت ثلاث مراحل، أعلن في نهايتها عن قتل أو اعتقال ما مجموعه 417 مسلحاً.
الخارجية العراقية استدعت حينها السفير التركي في بغداد فاتح يلدز، وسلمته مذكرة احتجاج على ما وصفته بـ”انتهاك السيادة العراقية”.
وذكرت، في بيان، أن “العراق يستنكر بأشد عبارات الاستنكار والشجب معاودة القوات التركية يوم 17 يونيو انتهاك حرمة البلاد وسيادتها بقصف ومهاجمة أهداف داخل حدودنا الدولية”.
وأضافت: “فيما نؤكد رفضنا القاطع لهذه الانتهاكات التي تخالف المواثيق والقوانين الدولية، نشدد على ضرورة التزام الجانب التركي بإيقاف القصف، وسحب قواته المعتدية من الأراضي العراقية التي توغلت فيها”.
البرلمان العراقي هو الآخر استنكر الحادثة، واعتبر العمليات التركية “خرقاً واضحاً للسيادة الوطنية، وتهديداً سافر ومتكرراً لأمن المدنيين وممتلكاتهم”.
المحلل السياسي العراقي عادل الدليمي اعتبر أن استنكار ورفض الحكومة العراقية للعمليات العسكرية التي تتجاوز حدودها الدولية أمر طبيعي ولا يدعو للاستغراب.
وأضاف، في حديثه لـ”المجتمع”: ما يدعو للاستغراب هو أن تصمت الحكومة على الانتهاكات الإيرانية، في الوقت الذي تستنكر فيه بشدة الخروقات التركية، رغم أن القوات التركية موجودة في العراق منذ فترة طويلة.
وأوضح أن أنقرة تعتمد في تحركاتها العسكرية على الأراضي العراقية على اتفاقية قديمة وقعت مع نظام صدام عام 1995، واتفاقية مماثلة وقعت عام 1997 مع حكومة إقليم كردستان العراق، تسمح لها بشن عمليات عسكرية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وتسمح لقواتها بالتواجد في قواعد بشمال العراق لمطاردة عناصر الحزب.
وتابع الدليمي: وبموجب هذه الاتفاقات الرسمية أقامت تركيا قواعد عسكرية لها في مناطق متفرقة بإقليم كردستان، إذ تملك قاعدة عسكرية كبيرة في شمال محافظة دهوك في منطقة بامرني، ولها قواعد صغيرة في مناطق شمال ناحية العمادية وزاخو القريبتان من الحدود التركية.
واستدرك بالقول: نحن لا نقول: إن التدخل العسكري التركي مبرر، فهو مرفوض من قبل كل العراقيين رغم أنه يستند إلى اتفاقيات رسمية، إلا أن ما يثير الاستغراب هو التعامل بازدواجية مع الخروقات ما بين إيران وتركيا، نحن نأمل أن نرى سيادة العراق محترمة من قبل كل جيرانه فهذا هو الوضع الطبيعي للعلاقات بين الدول.
يشار إلى أن مسألة خرق السيادة العراقية اتخذت ذريعة من قبل بعض الدول الغربية لوضع تركيا في قفص الاتهام، في إطار مسعى عام لعرقلة التصاعد المستمر لدور أنقرة المتنامي في منطقة الشرق الأوسط.
حيث زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بغداد، في سبتمبر الماضي، والتقى خلال الزيارة برؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان، إضافة إلى رئيس إقليم كردستان، واجتمع مع 4 من قادة الكتل السياسية الكبرى في البلد.
وحمل ماكرون مبادرة حملت عنوان “دعم مسيرة السيادة” بالتعاون مع الأمم المتحدة، حيث قال: إن العراق يواجه تحديين رئيسين؛ هما: “تنظيم الدولة”، والتدخل الأجنبي.
وأضاف، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي، أن العراق مر بفترة مليئة بالتحديات لعدة سنوات، مع الحرب والإرهاب، وعليكم أن تقودوا مرحلة انتقالية، فرنسا ستكون بجانبكم حتى يتمكن المجتمع الدولي من دعمكم.
واعتبر مراقبون أن الخطوة الفرنسية جاءت في إطار سياسة المحاور التي تتشكل في المنطقة منذ فترة طويلة، حيث تشكل مجموعة دول جبهة لمواجهة تركيا في الشرق الأوسط، ولم توجه فرنسا ولا أي من الدول المتحالفة معها أي استنكار بخصوص العمليات الإيرانية على الحدود العراقية.