جذور الخلافات البريطانية الفرنسية.. أبعد من “بريكست”

– بريطانيا لم تؤمن يوماً بالاتحاد

– الخلاف بين بريطانيا وفرنسا يعود إلى تصور كلا الدولتين لما يجب أن يكون عليه الاتحاد

– فرنسا وألمانيا تطمحان إلى إقامة دولة أوروبية اتحادية عظمى تماماً كما حلم بها بونابرت وهتلر

– فرنسا لا تريد أن تحقق بريطانيا أي مكاسب من خروجها حتى لا تصبح مثالاً ملهماً لدول أخرى

 

تبدو جذور الخلافات الفرنسية البريطانية أبعد ما تكون عن الخلاف الدائر بين من كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس (كانت تضم الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وشرق آسيا ولا تزال هذه المناطق على علاقة وثيقة معها)، وفرنسا الراقدة وراء جبال الألب وحدائقها الخلفية الفقيرة في أفريقيا وجيب في كندا (الكيباك).

لكن الخلاف جعلنا ننبش معالمه البارزة والخفية بعد أن أعلن رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون، منذ يومين، وصول المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى طريق مسدود، وأن الحل الوحيد المتبقي هو إعلان فشل المفاوضات وتعامل بريطانيا مع باقي مجموعة دول الاتحاد الأوروبي على أساس قوانين منظمة التجارة العالمية.

اختلاف التصورات

وقال الباحث في الشؤون البريطانية والفرنسية محمد علي حراث، لـ”المجتمع” عبر “ماسنجر”: الخلاف بين بريطانيا وفرنسا حول مشروع الاتحاد الأوروبي ليس خلافاً اقتصادياً كما يظن البعض، وإنما يعود إلى تصور كلا الدولتين لما يجب أن يكون عليه الاتحاد.

وتابع: بريطانيا لم تؤمن يوماً بمشروع الاتحاد بالمنظور الفرنسي الألماني، بل هناك من يقول: إن بريطانيا دخلت الاتحاد لتعطيل قيام اتحاد ما.

وأردف: بريطانيا تريده سوقاً مشتركة فقط تجنب أوروبا الكوارث والحروب، بينما فرنسا وألمانيا تطمحان إلى إقامة دولة أوروبية اتحادية عظمى تماماً كما حلم بها نابليون بونابرت وأدولف هتلر، ففرنسا ليس لها امتدادات جغرافية حضارية خارج حدودها باستثناء جيب في بلجيكا وآخر في سويسرا وحكم ذاتي في الكيباك بكندا، كما أن مستعمراتها السابقة تتشكل من دول في معظمها فقيرة ومتخلفة، أما بريطانيا فلها امتداد عبر المحيط يربطها بالولايات المتحدة وكندا ويمتد إلى المحيط الهادئ ليربطها بأستراليا ونيوزيلندا وهي دول صناعية متقدمة.

أعداء ألداء

وأشار حراث إلى أن الإنجليز والفرنسيين أعداء ألداء منذ القدم، فقد هزمت جيوش نورماندي القادمة من فرنسا بقيادة “William of Normandy” الجيوش الإنجليزية بقيادة “Harold Godwinson” في معركة “Hastings” عام 1066م، وخضعت إنجلترا لسيطرة الفرنسيين، وأصبحت اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية في لندن، ما زال الإنجليز يدرّسون أبناءهم تاريخ هذه المعركة مما يولد شعوراً بالعار والنقمة تجاه المحتلين الفرنسيين.

كما يحتفون ويعلمون أبناءهم معركة “Waterloo” التي دارت رحاها في مملكة هولندا في ذلك الوقت وهي اليوم داخل بلجيكا، عندما هزمت قوات التحالف بين عدة دول بقيادة “Duke of Wellington” جيوش نابليون بونابرت وكانت آخر حروبه، عام 1815.

وقد مات بونابرت في المنفى، ولم يتمكن قبل هزيمته المنكرة من غزو بريطانيا المتحصنة بمياهها حيث شبهت حينها بالقرش، وفرنسا بالأسد.

وعن أسباب التحاق بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، أفاد: عندما أرست فرنسا ومعها ألمانيا وإيطاليا ولكسمبورغ وبلجيكا وهولندا السوق المشتركة للفولاذ، شعرت بريطانيا بالخطر، وأرست السوق الأوروبية الحرة، ولكنها فشلت بعد أن بدا حلفاؤها الأوروبيون يلتحقون بالتحالف الفرنسي الألماني، عندها فكرت بريطانيا بالانضمام، ولكن الجنرال ديجول الذي عرف مكر الإنجليز رفض ذلك، وبمجرد وفاته انضمت بريطانيا للاتحاد، وعندما عجزت عن إيقاف عجلة الاندماج الأوروبي المتجه بوضوح نحو وحدة سياسية لم تجد بريطانيا بداً من الخروج منه والتوجه نحو المحيط الأطلسي.

حسابات الربح والخسارة

وحول “بريكست” وما يثيره من جدل داخل الاتحاد الأوروبي وتصريحات جونسون الأخيرة قال: فرنسا لا تريد أن تحقق بريطانيا أي مكاسب من خروجها حتى لا تصبح مثالاً ملهماً لدول أخرى تود الخروج مثل السويد وهولندا، وفِي ذات الوقت السوق البريطانية مهمة جداً للسلع الأوروبية، فبريطانيا تبيع سلعها في أسواق ما وراء البحار على عكس دول الاتحاد التي لها فائض تجاري مع بريطانيا، ولكن يبدو أن فرنسا غلّبت الأخطار الإستراتيجية على الخسارة التجارية المؤقتة.

وعمّا إذا كانت فرنسا وحلفاؤها سيخوضون حرباً اقتصادية في الفترة القادمة، ذكر حراث أن الحرب الاقتصادية بدأت بالفعل، فعندما أقامت بريطانيا مؤتمر بريطانيا وأفريقيا الذي أرادت منه بريطانيا توسيع تجارتها مع الدول الأفريقية ووعدت بقروض وهبات؛ تدخلت فرنسا وأمرت كل مستعمراتها السابقة بعدم المشاركة.

إذن، المعركة بين أكبر دولتين إمبرياليتين في أوروبا قد بدأت بالفعل، والعاقل من يستفيد من هذا الخلاف ويراعي مصلحة بلاده من زاوية إستراتيجية وطنية لا ذاتية ولا حزبية، ويتعامل مع الطرفين بما يخدم مصلحة بلاده دون انحياز أو تبعية لأي طرف.

Exit mobile version