سلام جوبا.. هل سيؤدي إلى تأزُّم في المشهد السوداني؟

في الثالث من أكتوبر 2020، وسط حضور دولي وإقليمي، وقَّعت الحكومة السودانية على اتفاقية سلام مع مجموعة من الحركات المسلحة التي كانت تقاتل ضد النظام السابق وتحالفت مع قوى “الحرية والتغيير” الحاكمة الآن من أجل إسقاط نظام عمر البشير، وبعد أن سقط النظام دخلت الحكومة الانتقالية في مفاوضات شاقة مع تحالف الحركات المسلحة (الجبهة الثورية السودانية) التي تضم أبرز قادة الحركات المسلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وظلت هذه الأطراف في تفاوض مستمر برعاية من دولة جنوب السودان إلى أن تم التوصل إلى اتفاقية سلام.

ولكن هذا السلام لم يشمل حركتي عبدالواحد محمد نور التي ظلت تقاتل في منطقة جبل مرة بدارفور والحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو التي ظلت تسيطر على مناطق في جبال النوبة بجنوب كردفان، ولكل من قادة هاتين الحركتين موقف عن منبر جوبا الذي استضاف الأطراف المتفاوضة.

العلمانية كخيار أول

رئيس الحركة الشعبية شمال عبدالعزيز الحلو وصف ما يدور في جوبا –قبل التوقيع-  بـ”محاولة لتحقيق سلام جزئي لا يُخاطب جذور المشكلة السُّودانية، ولن يفضي إلى سلام حقيقي يُعيد الأمن والسلم والاستقرار”.

وأشار إلى أن الحركة تتمسك بموقف حل أزمات البلاد من جذورها، إضافة إلى بناء نظام علماني ديمقراطي لا مركزي، يحترم حقوق الجميع.

واتهم الحلو الحكومة الانتقالية بالمراوغة في مناقشة القضايا الجوهرية، بحيث تتلكأ في التفاوض لشراء الوقت، مشيرًا إلى “أن أي اتفاق سلام لا يُخاطب جذور المُشكلة، لن يكون سلاماً شاملاً ولا نهائياً كما عهدنا طوال الستين عاماً الماضية من عمر النزاع”.

وقال: إن أهداف الثورة التي نجحت في الإطاحة بحكم الرئيس عمر البشير، تتمثل في الحرية والسلام والعدالة، وهو ما يعني وطناً يسع الجميع تسوده العدالة والمُساواة والديمقراطية، يرتكز على تنوعُّه التَّاريخي والمعاصر وهوية مُشتركة لا تقصي أي مُكوِّن من مُكوِّنات الشَّعب السُّوداني.

عبدالواحد نور: اتفاق جوبا محاصصة

وقال رئيس حركة وجيش تحرير السودان عبدالواحد محمد نور: إن اتفاق السلام، الذي وقع في جوبا عاصمة جنوب السودان، بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية التي تضم عدداً من الحركات المسلحة، (ليس بينها حركته) سيعمق الأزمة ولن يحلها.

وعده «اتفاق محاصصة» ولم يخاطب جذور الأزمة، وقال: إن حركته ليس لديها شروط للانخراط في العملية السلمية، وتلقت دعوة للمشاركة في المفاوضات، لكنها لن تشارك في مفاوضات تتم بالطريقة نفسها التي كانت متبعة إبان العهد السابق.

وأضاف عبدالواحد، المقيم في العاصمة الفرنسية باريس، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن حركته تحمل مبادرة بديلة ذات أطر جديدة تعتمد على إشراك جميع أطياف الشعب السوداني، في كل أرجائه، وأنه سيعود إلى السودان قريبًا لإطلاقها، مشيراً إلى أنه كان ينوي العودة منذ أشهر، لكن جائحة كورونا أخَّرت ترتيبات العودة.

شرق السودان ينتفض

أغلق محتجون سودانيون، الأحد الماضي، ميناء بورتسودان الجنوبي؛ احتجاجاً على مسار الشرق الذي جرى التوقيع عليه ضمن اتفاق السلام السوداني في عاصمة جنوب السودان.

وقال رئيس نقابة هيئة الموانئ البحرية، عبود الشربيني، في تصريحات لصحيفة “سودان تربيون”: أغلقنا البوابات (16، 17، 18) بالميناء الجنوبي إغلاقاً كاملاً رفضاً لمسار الشرق المضمن في اتفاق السلام في جوبا.

وأوضح أن مسار الشرق لا يمثل أهل شرق السودان، وأنهم ضد الارتهان للأجندة الخارجية، كما أشار إلى الاستمرار في التصعيد إلى حين تحقيق كل مطالبهم، بإلغاء مسار الشرق في الاتفاق، وعدم الارتهان للأجندة الخارجية.

وأضاف: مسار الشرق لا يمثلنا لأنه مدعوم خارجياً، وكل الأجندة الخارجية هدفها الموانئ السودانية، ولن نسمح بذلك.

وبحسب صحيفة “سودان تربيون”، فإن النظارات المستقلة في شرق السودان، بقيادة ناظر قبيلة الهدندوة محمد الأمين ترك، تقود التصعيد في المنطقة احتجاجاً على “مسار الشرق” المضمن في مفاوضات سلام جوبا.

ضمانات التنفيذ

ورغم مظاهر الفرح التي عمت الخرطوم وجوبا بتوقيع اتفاق السلام، فإنه برز سؤال حول ما الضمانات لتنفيذ اتفاق جوبا؟ وهل توجد عقبات تواجه تعديل الوثيقة الدستورية؟ رغم أن كثيراً من الدول تعهدت بدعم اتفاق السلام، لكن هل الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السودان يمكن أن تؤثر على تنفيذ الاتفاق؟

والاتفاق الذي تم التوقيع عليه تضمن 8 بروتوكولات تتعلق بقضايا ملكية الأرض، العدالة الانتقالية، التعويضات، تطوير القطاع الرعوي، تقاسم الثروة والسلطة، عودة اللاجئين والمشردين، البروتوكول الأمني الخاص بدمج مقاتلي حركات الكفاح المسلح بالجيش

قيادات بـ”الحرية والتغيير” أكدت أن فتح الوثيقة الدستورية أمر معقد جداً، وحتى الآن لم تتم مناقشة الأمر في المجلس المركزي للحرية والتغيير، مشيرة إلى أن إنزالها حتى الآن على مستوى التنظير، والأمر يحتاج إلى إفراغها في القوالب القانونية.

بالرغم من الفرحة الكبيرة بتوقيع الاتفاق، لكن بعض مكونات الحرية والتغيير غير راضية عن الاتفاق، والجدل الكبير حول كيف سيتم تعديل الوثيقة الدستورية في ظل غياب حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور والحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو، فالوثيقة الدستورية هي عقد بين المجلس العسكري والحرية والتغيير، والموقعون الآن على السلام بجوبا ليسوا الموقعين علي الوثيقة الدستورية.

وأكد عضو مجلس السيادة الانتقالي الناطق باسم وفد الحكومة المفاوض محمد حسن التعايشي، في تصريحات صحفية، أن تعديلاً سيطرأ على الوثيقة الدستورية خلال أسبوع من تاريخ التوقيع على اتفاقية السلام، وقال: إن لجنة وزارية برئاسة وزير العدل نصر الدين عبدالباري والجهات ذات الصلة ستتولى مهمة إدراج الاتفاقية في الوثيقة، وأضاف: تضمين الاتفاق في الوثيقة يمثل استحقاقاً سياسياً وفق المادة (20) من الوثيقة نفسها التي نصت على ذلك وحال حدث تعارض في المحتوى أو المضمون يزال بتعديل الأخيرة.

ونقلت عن رئيس لجنة فض الاعتصام الخبير القانوني نبيل أديب أن المادة (69) من الوثيقة الدستورية تنص على أن يتم إدراج اتفاقيات السلام الشامل التي تُوقع بين السلطة الانتقالية والحركات المسلحة في هذه الوثيقة الدستورية وفق أحكامها، وقال حسب أحكام الوثيقة: لا يجوز تعديل أو إلغاء هذه الوثيقة الدستورية إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي، وأضاف: الآن المجلس لم يتم تكوينه بالتالي لا يجوز تعديل أحكام الوثيقة الدستورية.

أديب قال: الآن السلطة التشريعية تمارس بواسطة الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، مشيراً إلى أن الفقرة (3) من المادة (24) تنص وهي اختصاصات المجلس التشريعي تنص على “إلى حين تكوين المجلس التشريعي تؤول سلطات المجلس لأعضاء مجلسي السيادة والوزراء يمارسونها في اجتماع مشترك”، وقال ما ورد في الفقرة (7) من المادة (70) اختصاص تأسيسي أي متعلق بالدستور وليس بالقوانين، وشدد على أنه لا يجوز تعديل الوثيقة الدستورية إلا بواسطة المجلس التشريعي وبأغلبية الثلثين.

Exit mobile version