“قره باغ”.. أراضٍ أذربيجانية محتلة أرمينياً تنتظر التحرير

ما زالت أراضي “قره باغ” الأذربيجانية التي احتلتها أرمينيا منذ ما يقرب من 30 عاماً تنتظر التحرير.

ومنذ عام 1992 تحتل أرمينيا نحو 20% من الأراضي الأذربيجانية، التي تضم إقليم “قره باغ” (يتكون من 5 محافظات)، و5 محافظات أخرى غربي البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي “آغدام” و”فضولي”.

وتتواصل اشتباكات على خط الجبهة بين البلدين، منذ الأحد الماضي، إثر إطلاق الجيش الأرميني النار بكثافة على مواقع سكنية في قرى أذربيجانية؛ ما أوقع خسائر بين المدنيين، وألحق دماراً كبيراً بالبنية التحتية المدنية، بحسب وزارة الدفاع الأذربيجانية.

وتتكون “قره باغ” من المنطقة الجبلية التي تقع بين نهري كورا وآراس في أذربيجان، وبحيرة غوكتشه، داخل حدود أرمينيا والسهول المتصلة بها، وكذلك من مقاطعات آغدام، وكلبجر، ولاتشين، وجبرائيل، وفضولي، وقبادلي، وزنغلان.

أما “ناغورني قره باغ” (قره باغ الجبلية) فهي تقع ضمن 4392 كيلومتراً من “قره باغ” أي مساحة ما يقرب من 18 ألف كيلو متر مربع.

وتتكون “ناغورني قره باغ” من مركز خانكندي، ومقاطعات أخرى مثل وشوشا، ومارتاكيرت (آغدره)، وخوجاوند، وخوجالي وغيرهم.

ويوجد في “قره باغ” العديد من الموارد، والثروات المعدنية كالذهب، والفضة، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي، والسياسي الذي يمكنها من السيطرة والتحكم بأرمينيا وإيران.

أصل الصراع

في عام 1923 تمت التوصية بمنح “ناغورني قره باغ” حكماً ذاتيا من الناحية الإدارية بسبب وجود سكان أرمن في المنطقة الذين استقروا فيها وسكنوها أثناء حكم جوزيف ستالين للاتحاد السوفييتي منتصف عشرينيات القرن العشرين.

وهكذا أصبحت “ناغورني قره باغ” مقاطعة مستقلة ترتبط بأذربيجان في فترة الاتحاد السوفييتي (الذي تفكك نهاية عام 1991).

وحافظت المنطقة على استقلالها لسنوات طويلة، وفي الفترة الأخيرة من وجود الاتحاد السوفييتي طُرح وضعها للمناقشة، وأثير الجدل حولها.

وقررت إدارة هذه المنطقة الانفصال عن إدارة أذربيجان بحجة وجود سكان أرمن فيها، الأمر الذي اعتبرته أذربيجان باطلًا.

وأعلنت إدارة الاتحاد السوفييتي أنه لا يمكن تغيير حدود أذربيجان وأرمينيا، ولكن كان رد الأرمن أن زادوا من أنشطتهم لفصل “ناغورني قره باغ” عن أذربيجان.

وتولى مجلس السوفييتي الأعلى إدارة “قره باغ” لفترة، وفي 28 نوفمبر 1989 قرر إنهاء الحكم الذاتي لـ”ناغورني قره باغ”، وإعلان ارتباطها بأذربيجان.

أما أرمينيا، فقد قررت في الأول من ديسمبر 1989 ضم “قره باغ” لأراضيها من جانب واحد.

بداية الاحتلال

وبناءً على هذه القرارات زادت أرمينيا من هجماتها على الأذربيجانيين في خانكندي عاصمة “ناغورني قره باغ”، وبدأت باحتلال “ناغورني قره باغ” وما حولها، مستفيدة من دعم من روسيا لها، وعدم جاهزية أذربيجان للحرب.

وفي عام 1991 أعلن الأرمن انفصالهم عن أذربيجان، ثم أعلنوا قيام “جمهورية ناغورني قره باغ”.

وفي تصاعد لحدة التوتر في المنطقة، قام الأرمن، في 28 ديسمبر 1991، باحتلال خانكاندي وسط “ناغورني قره باغ”، بعد هجمات استمرت لأيام.

مذابح بمساعدة الروس

وبعد ذلك وقعت العديد من المجازر والاحتلال في مدينة خوجالي، التي لا يزال ألمها حاضراً في قلب العالم التركي إلى الآن، في مشهد يوصف كوصمة في تاريخ البشرية جمعاء.

ففي 25 فبراير 1991 كثف الأرمن من هجماتهم التي استمرت لشهور، وقاموا ليلًا بالهجوم على المنطقة من ثلاث جهات، وذلك بمعاونة الفرقة العسكرية “366” مشاة آلية التابعة للجيش الروسي في خانكاندي.

ولم يكتف الأرمن بالاحتلال فقط، وإنما ارتكبوا واحدة من أكثر المجازر دموية في القرن العشرين، بقتل المدنيين، وتعذيب الأسرى بوحشية.

وقُتل في هذا الهجوم 613 فرداً من بينهم 63 طفلًا و106 نساء.

وفي السابع من مايو 1992، وقع كل من رئيس أذربيجان وأرمينيا اتفاقية لحل هذه الأزمة في إيران، ولكن بعد هذا بيوم واحد فقط، احتل الأرمن شوشا، وهي واحدة من أهم النقاط الإستراتيجية في المنطقة.

واستشهد ما يقرب من 200 أذربيجاني تركي، وجُرح 150 آخرون في شوشا، هذه المدينة التي أطلق عليها الزعيم الأذربيجاني الراحل حيدر علييف لقب “مدينة النُصب التذكارية”.

لاتشين المحتلة ذات أهمية إستراتيجية

وقعت لاتشين تحت الاحتلال الأرميني، في 18 مايو 1992، وهي مدينة تنعم بالموارد الطبيعية، وموارد المياه المعدنية الوفيرة.

وتمتلك لاتشين أهمية إستراتيجية بسبب وجودها على الطريق الذي يربط “ناغورني قره باغ” بأرمينيا، ونتيجة للغارات الجوية والاشتباكات المسلحة، انهارت العديد من المنازل، ونُهبت المدينة ومُحيت القرى، ووقع ما لا يقل عن 164 شهيدًا.

وقامت القوات الأرمينية باحتلال خوجاوند في الثاني من أكتوبر 1992، واستشهد 145 تركياً أذربيجانياً من بينهم 13 امرأة و13 طفلًا، ودمر حوالي 1732 منزلاً في هذه الأحداث.

كما قامت القوات الأرمينية باحتلال “كالبجار” المعروفة بمياهها المعدنية العلاجية، في 2 أبريل 1993، وأثناء الاحتلال استشهد 511 تركياً أذربيجانياً.

أما مارتاكيرت، فقد احتلتها القوات الأرمنية، في 7 يوليو 1993، وهي واحدة من أهم المراكز الزراعية في “ناغورني قره باغ”.

6 آلاف شهيد في آغدام

في 23 يوليو 1993، احتلت القوات الأرمنية المسلحة آغدام، واستشهد فيها 5897 تركياً أذربيجانياً جاؤوا من مدن مختلفة للدفاع عن المدينة.

كان نوري باشا، قائد الجيش الإسلامي في القوقاز، قد قام بإنقاذ باكو من العصابات الأرمينية والقوات البلشفية (السوفييتية)، عام 1918، وتوجه إلى آغدام ورفع العلم الأذربيجاني عليها ثم توجه إلى شوشا.

وفي 23 أغسطس 1993، احتلت القوات الأرمينية جبرائيل، واستشهد فيها 362 تركياً أذربيجانياً، وهي معروفة بأنها منطقة مهمة ذات موارد جوفية غنية.

تحرير جزء من فضولي من الاحتلال

احتلت القوات الأرمنية محافظة فضولي أيضًا، في 23 أغسطس 1993، واستشهد أكثر من 1100 تركي أذربيجاني، ولكن بعد احتلالها قام الجيش الأذربيجاني بتحرير جزء منها.

وقام الأرمن، في 31 أغسطس 1993، باحتلال قوبادلي التي تقع بين جبال زانغيزور، و”ناغورني قره باغ”، واستشهد 283 فرداً أثناء الدفاع عن المدينة.

أما عن زنغيلان فهي آخر منطقة احتلتها القوات الأرمنية، في 29 أكتوبر 1993.

وبعد احتلال المناطق المجاورة، اضطر المدنيون هناك لعبور نهر آراس إلى إيران خوفًا من حدوث مجزرة جديدة كما حدث في خوجالي.

20 ألف شهيد

كانت حصيلة احتلال أرمينيا لـ”قره باغ” استشهاد حوالي 20 ألف تركي أذربيجاني، وجرح أكثر من 100 ألف آخرين، ونتيجة للاعتداءات على المدنيين فقد تجاوز عدد اللاجئين والمهاجرين اليوم مليوناً ونصف المليون فرد.

ونتيجة للدمار الذي لحق بالبنية التحتية والمؤسسات التي يستخدمها المدنيون في المنطقة، فقد تضرر ما يقرب من 7 آلاف مكتب حكومي، و750 مدرسة، و680 مركزًا طبيًا، وما يزيد على مليون هكتار من المنطقة الزراعية.

320 مليار دولار تكلفة الاحتلال

وفي إطار سعي الجيش الأرميني إلى القضاء على الوجود الثقافي للأتراك الأذربيجان في الساحة التاريخية، تم تدمير 950 مكتبة، و44 معبدًا، و9 مساجد.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن الخسائر المادية التي أحدثتها أرمينيا في المنطقة تتجاوز 320 مليار دولار، مع استمرارها في الاحتلال متجاهلة كافة القوانين الدولية.

واعتمد مجلس الأمن الدولي 4 قرارات، عام 1993، وهي القرارات (822 و853 و874 و884)، ودعت جميعها أرمينيا إلى سحب قواتها فوراً من “قرة باغ” وبعض الأراضي المتاخمة له لكنها لم تستجب لذلك.

Exit mobile version