الحرباء وشجرة الليمون (قصة قصيرة)

كنت أتكئ عليه؛ لقد ارتحل وتركنا نتدبر أمرنا؛ حين تبلغ الخمسين من عمرك ثم لا تجد أباك بجانبك فأنت يتيم وإن كان لك فتية ناهزوا الحلم؛ على أية حال أخذت ألملم شعث الحديقة؛ تساقط الليمون فغدت الأرض تحت أشجاره صفراء، ما كان هذا ليحدث من قبل؛ يتعهد الشجر ويعرف موعد قطف الثمار، أجدني متعبا من تراكم الأحزان التي أحاطتني في ذلك الزمن، تذرف عيناي دمعا سخينا، أتذكره يوم تلكأت في العمل ابتدرني معاتبا: ربما تبكي رحيلي، ستجد نفسك وحيدا، الأب جسر البيت يحمل الهم ثقيلا، نتكئ عليه ونراه جذرنا الذي يمتد في جوف الأرض، لا نشعر بعد رحيله إلا بأنياب الدهر يغرسها في لحومنا حتى العظم، كل شيء يحزن عليه؛ يتساقط الليمون في غفلة منا، لا نحسن -مثل الأب- تقدير الأمور، وحده يعلم أن الحرابي تسعى تتلون تمشي حذار القوم باحثة عن ملاذ، انتفخت واحدة منها كبرا يتبعها صغيرها أو ذنبها يلتصق بها، هذا الذنب أو الصغير لا يعرف إلا التبعية يعيش ظلا وتابعا ذليلا.

 رأيتني الليلة الفائتة: تناوشتني الذئاب واجتمعت حولي كلاب تنهش لحمي، أبدو عاريا ثوبي تمزق صار أشبه بالغربال.

 أسرح بخاطري، حرباء تلونت بلون الأوراق الذابلة فغدت باهتة؛ تسبقها وليدتها، صغيرة كأنها قطعة منها، تغوص في الرمل وتخرج هازئة بالأخطار؛ ترعاها أم أو أب لا أدري من يهتم بالصغار في ذلك العالم الحرباوي.

أمسكت بالعصا فثمة أقاويل أن الحرباء تتبعها أفعى، أبحث عنهما حول الشجرة فلا أجد شيئا، تذكرت أن الله وهبها قدرة على التلون؛ ربما صارت الواحدة منهما خضراء أو صفراء أو أي لون يماثلها في ذلك العالم المحيط.

تعاودني الذكرى فيمثل لي الذين مروا بحياتي: يجيدون طلاء وجوههم، أحدهم كان ثوريا تنتفخ عروق رقبته ويصخب بصوته؛ أكثر ما يكون هياجا حين يسيل اللعاب طمعا في مغانم يأخذها، ينظر دائما من ثقب الباب؛ يرى سواد الليل ويعمى أن يرى نور القمر!

أو هذا الذي يتلو من كتاب عتيق سفر الألوان؛ يتمتم بآيات النفاق؛ يكثر من الدعاء ويتصنع البكاء وينحني حين يقبل يدا تمن عليه ببضعة جنيهات.

 لقد ملؤوا الأزقة والحواري وباتوا كائنات لزجة.

لا أدري هل بت محاصرا بتلك الحرباء؟

أراها في الممرات وعلى شاشات التلفاز.

يبدو هذا واقعا؛ في حافلة النقل العام واحدة وفي العمل أخرى؛ ترى هل تتناسل أفرادها في زمن الجبن؟

ورثت عصاه التي تساند عليها؛ سأضرب بها الحرباء.

حين تصفحت جريدة الصباح ظهر وجه حرباء يمجد الذي أكل المن والسلوى وحده؛ لا أدري لم حضرت حكايات المنبوذين وهؤلاء الذين يمسحون الجوخ ويزينون لصاحب البيت الكبير -أيا كان: في الديوان حيث تكثر النمائم- أفعاله؛ غدوا أكثر تملقا؛ يركلهم فيسبحون بحمده، يقهرهم فيلعقون حذاءه.

حين عدت إلى المنزل مزقت كل الأوراق التي تربطني بكل حرباء عرفتها ذات يوم.

Exit mobile version