نشرت مجلة “تايم” الأمريكية تقريرا عن خطط المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن للشرق الأوسط في حالة انتخابه. وقالت إنه سيبقي على عمليات القوات الخاصة ولكن هذا لا يعني مواصلة “الحروب التي لا تنتهي”. وفي التقرير الذي أعدته كيمبرلي دوزير قالت فيه إن المرشح الديمقراطي تعلم من أخطاء إدارة باراك أوباما والتي كان نائبا له فيها.
وأشارت تحديدا إلى محاربة تنظيم “الدولة” الذي زحف في صيف 2014، وقتئذ كان الجنرال مايكل ناغا، قائدا لقوات العمليات الخاصة. ووعد الرئيس باراك أوباما ونائبه بايدن أنه سيقوم بتحويل المقاتلين السوريين إلى قوة قادرة على قطع رأس التنظيم واجتثاثه. وقال في حينه “كانت لدي ثقة عالية بأننا سنقوم بتمرير المهارة الضرورية”. وأضاف “سواء كنا سنخلق قوة كبيرة بما فيه الكفاية كان سؤالا مختلفا بالكامل”. وبحلول ربيع 2015 لم يوافق إلا عدد قليل من المقاتلين السوريين على الشروط الأمريكية والانضمام لبرنامج تدريب وتسلح وليس ألاف المقاتلين الذين كان البنتاغون يتطلع لتدريبهم.
وتردد الكثيرون بالتسجيل بعدما اشترط عليهم بعد الدخول في البرنامج عدم استخدام سلاحهم ضد نظام بشار الأسد. وفي أول عملية لهم داخل سوريا واجه الكادر الأخضر مقاتلو تنظيم جبهة النصرة و”مع أنهم انتصروا إلا أنهم خافوا”، كما يقول ناغا الذي يعتبر بعد ستة أعوام أنه مسؤول عن فشل برنامج أنفقت عليه الولايات المتحدة نصف مليار دولار و”اختفوا تدريجيا إلى مناطقهم”، حيث انضموا إلى جماعة أخرى وسلموا أسلحتهم الأمريكية لها. لكنه وجد حليفا آخر للمشاركة معه. ففي الوقت الذي تمت المصادقة على برنامج التدريب في أيلول/ سبتمبر سيطر تنظيم “الدولة” على معظم المدن العراقية وهاجم الأزيديين مما دفع أوباما للأمر بغارات جوية وإرسال مستشارين عسكريين لدعم البشمركة الكردية في شمال العراق على مواجهة التنظيم. وهو ما عبد الطريق لتعاون الأمريكيين مع أكراد سوريا. وأثبت هؤلاء قدرة على صد “الدولة” عندما هاجم بلدة كوباني. ويقول ناغا “فجأة، عثرنا على قوة قتالية ضاربة”.
وبناء على هذا تم تحويل برنامج “درِّب وسلِّح” إلى الأكراد السوريين ولكن بعدد قليل من القوات الأمريكية على الأرض ومساعدة قوة من الانفصاليين الأكراد بوجود عربي سطحي لقيادة الحملة ضد تنظيم “الدولة”. وكان الدرس المكلف والفشل الأولي لحملة أوباما دافعا للمرشح بايدن لتجنب الأخطاء. فمنذ انتخابه لم يفتأ دونالد ترامب عن الحديث لوقف الحروب اللانهائية. وبعد إرساله قوات إلى أفغانستان قام بتخفيضها هناك وكذا في العراق وسوريا وهدد بسحب كامل للقوات منها.
وكمنافس لترامب لا يدعو بايدن للحفاظ على القوات الأمريكية وتركها متورطة في نزاعات طويلة ولكنه عبر عن رغبة بالحفاظ على عدد قليل من القوات، خاصة من قوات العمليات الخاصة في دول غير مستقرة أو تعاني من الإرهاب. وقال بايدن لمجلة “ستارز أند سترايبس” هذا الشهر إنه سيحافظ على الفي جندي أمريكي في مناطق الشرق الأوسط المضطربة، وبتأكيد كبير على قوات العمليات الخاصة. وفي حديث مع سي أن أن قال: “علينا أن نكون في وضع أننا سنرد في حالة الحاجة على النشاطات الإرهابية النابعة من المنطقة والموجهة نحو الولايات المتحدة” و”هذا لا يحتاج إلى قوة كبيرة”. وقال مستشار الأمن القومي السابق لبايدن، كولين كاهل الذي يعمل الآن مستشارا غير رسمي لحملته إن استراتيجية الرئيس العسكري في المنطقة تعني الحفاظ على وجود لقوات العمليات الخاصة في أماكن مثل العراق وأفغانستان وبموافقة حكومتي البلدين. وقال “في أي مكان لدينا فيه مهام مكافحة إرهاب طويلة الأمد فسنحتفظ بقوات فيه”.
وأضاف أن هذا المدخل “غير المباشر” لا يعني العمل مع القوى المحلية ولكنه يسمح بالحفاظ على قوات أمريكية كافية على الأرض للتحرك “كمجسات” قادرة على تقييم استقرار البلد وقدرة جيشه وملء الفراغات في مجال الاستخبارات مع الولايات المتحدة والطائرات بدون طيار وغير ذلك من التكنولوجيا. ولدى بايدن “رؤية متواضعة عما سيحققه من خلال الجيش في عموم الشرق الأوسط” إلا أن لدى المرشح الديمقراطي يعتقد أن “علينا البقاء مركزين مثل الليزر” على الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة والقاعدة “التي تهدد التراب الأمريكي”.
وقارن كاهل الهزيمة التي كبدتها الولايات المتحدة للقاعدة في العراق، أثناء رئاسة جورج دبليو بوش ومرة أخرى ضد التنظيم الذي خرج عباءتها وهو تنظيم “الدولة”. ففي الفترة ما بين 2007- 2008 نشرت إدارة بوش 175 ألف جندي وخسرت ألف جندي أمريكي وأنفقت 275 مليار دولار، إلا أن فشل الحكومة العراقية لاحقا بحماية وخدمة سنة العراق أدى إلى ظهور “الدولة” وقال: “أعتقد أن بايدن ينظر لتلك التجربة ويقول إنها غير قابلة للإستمرار من الناحية العسكرية والسياسية والإقتصادية” و”لم تحقق نتائج مستدامة على الأرض”.
أما المرة الثانية، وبعد المحاولة الفاشلة في تدريب المقاتلين السوريين، أرسلت إدارة أوباما أقل من 15 ألف جندي للعمل مع الأكراد العراقيين والسوريين. وفي فترة أوباما لم يقتل أثناء عملية “العزيمة الصلبة” إلا عدد قليل من الجنود الأمريكيين. ولم تكلف العملية سوى 25 مليار دولار وهو نفس المبلغ الذي أنفقته إدارة بوش على زيادة عدد القوات في شهرين و” لا شك هناك حول اي من النموذجين مستدام، على الأقل من المنظور الأمريكي”.
وتقول المجلة إن تعلم بايدن حول ما يمكن تحقيقه ولا يمكن إنجازه عسكريا متجذر في فشل أوباما وزيادة عدد القوات عام 2009 لتحقيق الاستقرار الدائم في أفغانستان. وقال السفير الأمريكي السابق للناتو دوغلاس لوت إن بايدن كان ضد زيادة القوات لأنه “رآها خطوة نحو بناء الدول لن تنجح، لأن حكومة أفغانستان كان ضعيفة وفاسدة جدا” ولأن طالبان لديها ملاجئ آمنة في باكستان تستطيع الانسحاب إليها وانتظار نهاية زيادة القوات. وقال لوت وهو جنرال متقاعد قدم الاستشارة لكل من جورج دبليو بوش وباراك أوباما حول باكستان وأفغانستان: “كان بايدن يريد التركيز على الجهود الدولية للإرهاب العابر للدول- مثل القاعدة التي ترغب بالهجوم على أمريكا والأهداف الغربية خارج البلد وعدم التورط في حرب طويلة مع طالبان”. وفي النهاية لم تنتصر رؤية بايدن داخل البيت الأبيض. وبعد وصوله الى الحكم قام أوباما بإصدار أمر لنشر 20 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان في الربيع ودفعة أخرى من 30 ألف جندي في الخريف مما زاد عدد القوات الأمريكية في أفغانستان إلى 100 ألف جندي. وكان جهدا آخر من ناحية المال والضحايا ولم ينجح في هزيمة طالبان. ويقول المحلل السابق في سي آي إيه بروس ريدل: “أصاب بايدن عندما قال إن زيادة قوات تقليدية لن يؤدي إلى الانتصار في الحرب”.
وما نجح في النهاية، كما يقول ريدل هي عمليات مكافحة الإرهاب التي زاوجت بين الغارات بالطائرات المسيرة في باكستان وغارات للقوات الخاصة في شرق أفغانستان و”أصبحت بنية القاعدة في باكستان ظلا لما كانت عليه سابقا” وكانت استراتيجية فاعلة لدرجة أن الصحافة الرئيسية في الولايات المتحدة لم تعد تهتم بذكرى هجمات 9/11 ولا البيانات الصادرة عن زعيمها الحالي أيمن الظواهري.
ولكن ريدل يعلق أن بايدن ربما زاد من التقديرات حول ما يمكن أن تفعله قوة صغيرة من القوات الخاصة أو ما يسمح لها بعمله في أفغانستان وسط العودة القوية للقاعدة. وأشار ريدل إلى صعوبة إطلاق الطائرة من الخليج فهي بحاجة إلى قاعدة قريبة من منطقة الهدف. كما أن الفرق التي تحمل الصواريخ في الطائرات المسيرة يجب أن تكون أمريكية مما يعني حاجة إلى قوات لحمايتها. ويقول كاهل إن بايدن يتابع المحادثات التي ترعاها الولايات المتحدة بين الحكومة الأفغانية وطالبان في قطر والتي ستحدد عدد القوات الأمريكية المسموح ببقائها في أفغانستان. وأضاف كاهل “قضينا عقدين ونحن نحاول إعادة بناء أفغانستان، ولم ننجح ولهذا فنحن لا نريد تكرار الأمر” و”عليك الذهاب أيضا إلى نقطة الصفر” فبايدن لا يريد تحويل المهمة في ملاحقة القاعدة لطالبان التي تقول الأمم المتحدة إنهما تحتفظان بعلاقات قوية، رغم تعهد طالبان بقطع علاقاتها معها، وكما جاء في وصف بيان ترامب لاتفاقية السلام في 29 شباط/ فبراير”.
كما أن صعود تنظيم “الدولة” في العراق هو موضوع يلعب دورا في استراتيجية بايدن الأمنية للشرق الأوسط لأنها تقدم عدة دروس. فقد سحبت واشنطن قواتها من العراق عام 2011 بعد الفشل في الاتفاق على وضعية القوات القانونية مع الحكومة في بغداد الموالية لإيران. ولكن الانسحاب كان حاسما بحيث ترك محطة سي آي إيه في العراق والأجهزة الأمنية في حالة من التشوش، ذلك أن الولايات المتحدة نقلت الطائرات بدون طيار ومراكز القيادة المشتركة. مما فتح الباب أمام تنظيم “الدولة” ليجتاح معظم شمال العراق وثاني مدينة فيه، الموصل في حزيران/ يونيو 2014. وبعد عام على هزيمة “الدولة” تحتاج القوات العراقية للدعم الأمريكي، وكذلك مع قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية التي ستجد نفسها حالة انسحاب القوات الأمريكية بقرار من إدارة بايدن أو ترامب أمام خيار الإفراج عن 9 آلاف معتقل من التنظيم بمن فيهم 2000 مقاتل أجنبي.