وفاة أبرز علماء الحديث العلامة د. نور الدين عتر

توفي، اليوم الأربعاء، العلامة المفسّر المحدّث الحافظ الفقيه الأديب أ.د. نور الدين عتر الحسني، عن عمر ناهز 83 عاماً.

قال عنه الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د. علي القرة داغي: الشيخ الجليل والعالم الفقيه المحدّث والمفسّر نور الدين عتر وافته المنية، اليوم الأربعاء، رحمه الله تعالى، كانت تجمعني بالراحل علاقات طيبة وزيارات وإجازات علمية، وقد رأيته رجلاً زاهداً يقوم منهجه على هضم النفس والتواضع، وقد منحه الله الوقار والهيبة التي يختص بها أهل الصدق والاستقامة.

سيرته ومسيرته

ولد أ.د. نور الدين عتر في حلب الشهباء عام 1937م، وكان والده (الحاج محمد عتر) من خواص تلاميذ العلامة الجليل الإمام الشيخ العارف بالله محمد نجيب سراج الدين، رحمه الله ورضي عنه، وكان الحاج محمد رحمه الله عالماً عاملاً مربياً مرشداً، وقد نذر مولوده لخدمة دين الله تعالى، وهيّأ له الأسباب، فأتم الله تعالى ذلك بلطفه وجوده.

درس في الثانوية الشرعية (الخسروية) وتميز بالتفوق والسبق في العلم والعمل من وقتها، حصل على الشَّهادة الثَّانوية الشَّرعية عام 1954م حائزاً الرتبة الأولى، ثم التحق مباشرة بجامعة الأزهر في مصر، حاز الليسانس عام 1958م، وكان الخريج الأوَّل على دفعته، وكان موضع نظر أساتذته الأجلاء من شيوخ الأزهر وعلمائه لما رأوه فيه من مخايل النجابة والجد والتقى، وقد قسم له المولى الإفادة من علماء عاملين ربانيين، منهم: الشيخ مصطفى مجاهد، الشيخ محمد محمد السماحي، والشيخ عبدالوهاب البحيري، والشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد رحمهم الله تعالى وأعلى مقامهم، إلا أن صاحب الأثر الأكبر في تكوينه العلمي والروحاني هو سراج الأمة في عقودها الأخيرة شيخ الإسلام العلامة الشيخ عبدالله سراج الدين الحسيني، الحافظ المفسر، والعارف المحقق، ود. نور الدين ابن أخته وصهره زوج ابنته.

في عام 1964م حاز على الشَّهادة «العالِمية» من درجة أستاذ (الدُّكتوراه)، من شعبة التَّفسير والحديث بتقدير ممتاز مع الشرف، حيث قدَّم أطروحته «طريقة الترمذي في جامعه، والموازنة بينه وبين الصَّحيحين»، التي تعدُّ نموذجاً فريداً من حيث المضمون والمنهج؛ وغدت طريقته في تبويبها نمطاً فريداً اعتمده كثير من الباحثين في مناهج المحدثين.

وبعد تحصيل الدكتوراه عاد لسورية مباشرة، درّس في المرحلة الثانوية لفترة يسيرة، ثم عُيِّن مدرِّساً لمادة الحديث النَّبويِّ في الجامعة الإسلامية منذ عام 1965، إلى عام 1967م، في المدينة المنوَّرة، على ساكنها أفضل الصَّلاة وأتمُّ السَّلام.

وفي عام 1967م عاد إلى دمشق ليعُيِّن مدرِّساً ثم أستاذاً في كلية الشَّريعة بجامعة دمشق فيها، ودرَّس مادتي الحديث والتفسير في كليات الآداب في جامعتي دمشق وحلب، كما درّس في العديد من الجامعات العربية والإسلامية لفترات وجيزة، إضافة إلى العديد من المساجد، وقد تخرج على يده آلاف المدرّسين، منهم نخبة متميزة من العلماء والأساتذة.

كما عمل خبيراً مختصاً لتقويم مناهج الدراسات الجامعية الأولى ومناهج مرحلة الدراسات العليا في جامعات متعدِّدة في العالم الإسلامي.

أشرف على عشرات الأطروحات الجامعية من دكتوراه وماجستير، وهو محكَّم لبحوث الترقية لمدرّسي الجامعات، وعرف بدقته الشديدة في تحكيمه.

تجاوزت مؤلفاته الخمسين ما بين تحقيق وتأليف، أبرزها كتاب “منهج النقد في علوم الحديث” الذي اعتبر مرحلة تاريخية جديدة في علم المصطلح بعد مرحلة شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني.

وكتابه “إعلام الأنام” الذي يعد تحفة فريدة في الحديث التحليلي، أبدع في بيان كيفية استنباط فقهاء الأمة الأحكام المختلفة من النص الواحد، وكتبه عموماً تتسم بالابتكار في التبويب، وتكثيف المعلومات مع وضوحها للمتخصص في آن، وهذا قل ما يجتمع، وأكثر مؤلفاته معتمدة كمقررات جامعية في العديد الجامعات، كجامعة دمشق والأزهر وغيرها.

هو لطلابه أب شفوق ومعلم صارم ومربٍّ مصلح، أثر في حياتهم العلمية والدعوية، وكانت له الأيادي البيضاء في افتتاح الكثير من المعاهد والمدارس الشرعية، ومساعدة عدد من طلاب العلم مادياً في الخفاء.

صفاته

الشيخ العلامة مع كونه من أكبر علماء الحديث الشريف في وقتنا هذا إن لم يكن أكبرهم على الإطلاق، يتميز بالناحية الروحية الواضحة، فتزكية النفس غايته، وإدراك رضا الله ورسوله هدفه، زاهدٌ في المناصب والدنيا، متواضعٌ، سمحٌ، رحيمٌ، نقي الصدر نقاء الثلج، خاشعٌ، رقيق القلب بكاءٌ، ولذلك فإنه رغم ضخامة إنجازاته يختار الخفاء دائماً، والبعد عن الأضواء ما أمكنه.

Exit mobile version