كيف كان سيبدو موقف الاتحاد الأوروبي من شرق المتوسط لو كانت تركيا عضواً فيه؟

عمر أزكيزلك

 

لو كانت تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي لتحولت أوروبا لوسيط محايد ومنتج، ولما كانت خصماً كما هي الآن، لكن الوقت لم يفت بعد ويمكن للكتلة الأوروبية أن تؤدي دورًا إيجابيًا.

فقد أصاب الإحباط جهود الوساطة الألمانية بسبب توقيع اليونان لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع مصر قبل يوم واحد من الإعلان التركي اليوناني المشترك للتفاوض الذي كان من المزمع إطلاقه، ولذلك قررت تركيا مواصلة أنشطة الحفر داخل جرفها القاري.

وواصلت اليونان، بتشجيع من فرنسا، تصعيد خطاب التوتر، وتم تهديد تركيا بعقوبات أوروبية إذا لم توقف أنشطتها، وأدى التصعيد بين الجارتين إلى حوادث طفيفة في البحر وفي المجال الجوي فوق شرق البحر الأبيض المتوسط.

وما يوصف الآن بأنه تصعيد كبير، يمكن حله، ولإيجاد طريق للمضي قدمًا، نطرح ونناقش هذا السؤال: كيف كان يمكن أن يتطور الخلاف لو كانت تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي؟

في السنوات الأولى لحكومة حزب العدالة والتنمية، كانت علاقة أنقرة مع الاتحاد الأوروبي علاقة مزدهرة، لدرجة الوصول إلى نقطة بدت فيها عضوية الاتحاد الأوروبي وكأنها في متناول تركيا.

ومع ذلك، أثبتت القيادة في أوروبا عدم استعدادها لقبول تركيا كدولة عضو، ومنذ ذلك الحين، وقع الشقاق بين الطرفين لكنهما حاولا الحفاظ على علاقة طيبة قدر الإمكان.

ماذا لو أصبحت تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي؟

في مثل هذا السيناريو، كان الاتحاد الأوروبي سيقف على مسافة متساوية من كل الدول الأعضاء فيه، وسينظر إلى موارد النفط والغاز المحتملة على أنها مصلحة مشتركة، لتقليل اعتماد تركيا وجنوب أوروبا على الغاز الروسي، وكانت مناقشة الخلاف حول الحدود البحرية ستتم بطريقة عادلة، وكانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على الأرجح ستجادل على أساس القانون الدولي والإنصاف.

وكانت المطالبات اليونانية بجزيرة ميس (كاستيلوريزو) لن تجد أي دعم حقيقي في الاتحاد الأوروبي، والمشكلة كان يمكن حلها بسهولة من خلال اجتماع غير رسمي للقادة الأوروبيين.

لو كانت تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي لتنافست الشركات الفرنسية والإيطالية والتركية وشركات الطاقة من الدول الأخرى على الفرص المربحة في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، ولحُلت الأزمة بسرعة، من أجل أن يقلل الاتحاد الأوروبي من اعتماده على واردات الطاقة الأجنبية، وباكتشافات الغاز والنفط هذه مع الاتجاه المتزايد للانتقال إلى الطاقة المتجددة، ستتحول سياسة الطاقة في الاتحاد الأوروبي لسياسة أكثر استقلالية من أي وقت مضى.

على الرغم من أن هذا الاتحاد الأوروبي يبدو مسالماً، فإن الواقع غير ذلك، فتضامناً مع اليونان، تضع الدول الأعضاء فيه كل ثقلها خلف نهج أثينا المتطرف.

ففرنسا، التي رفضت هي نفسها ادعاءات مشابهة، في نزاعها مع المملكة المتحدة حول جزر القنال، هي الآن أقوى مؤيد لأثينا، ويؤدي عداء باريس لأنقرة بسبب الخلافات في سورية وليبيا وفكرة التضامن داخل الاتحاد الأوروبي دورًا مدمرًا.

ورغم أن فرنسا هي الأكثر وضوحًا في عدائها، فإن الاتحاد الأوروبي بأكمله يدعم الآن المزاعم اليونانية غير المنطقية ويدين أنشطة التنقيب التركية، هذا على الرغم من حقيقة أن أنشطة الحفر الحالية تجري في منطقة حيث المطالبات اليونانية هي الأضعف.

والآن، يهدد الاتحاد الأوروبي تركيا بفرض عقوبات، يمكن أن يتم الإعلان عنها في القمة الرسمية المقبلة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وقد صرح رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل أن الاتحاد الأوروبي لن يستخدم العصا فقط بل سيستخدم الجزرة أيضًا لإقناع تركيا.

فعلى الرغم من أن النهج الذي يتبعه الاتحاد الأوروبي أفضل من نهج “العصا فقط” الذي تتبعه الولايات المتحدة، وهو النهج الذي لن ينجح، أصبح لدى تركيا الآن أيضًا عصا وجزرة يمكن استخدامها ضد الاتحاد الأوروبي بشكل عام، والدول الأعضاء المحددة داخل الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص.

وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أنه لا توجد الآن عصا طويلة بما يكفي، ولا توجد جزرة كبيرة بما يكفي لمنع أنقرة من العمل على الحصول على استقلال الطاقة، وهو حلم للأتراك منذ تأسيس الجمهورية التركية.

وإدراك تركيا للتهديد يجعلها في حالة تأهب قصوى بسبب الأنشطة اليونانية غير القانونية في بحر إيجة، والاتحاد الأوروبي يتجاهل هذا العامل، وعلى الرغم من العديد من المعاهدات الدولية، فقد عسكر اليونانيون عدة جزر وأعلنوا عزمهم على توسيع المياه الإقليمية لجزرهم من 6 أميال بحرية إلى 12 ميلاً.

إن الكثافة العالية للجزر اليونانية، وزيادة مساحات المياه الإقليمية في بحر إيجة من شأنه أن يقطع خطوط اتصال تركيا من البحر الأسود للبحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر والمحيط الأطلسي والمحيط الهندي، وسيكون هذا بمثابة ضربة قوية لاقتصاد المنطقة.

ومع ذلك وعلى الرغم من التصعيد الحالي، لم يفت الأوان بعد لإيجاد حل شامل، ولكن يتعين على الاتحاد الأوروبي تغيير موقفه والعمل كوسيط وليس كمشعل ومستفز.

ماذا لو كانت تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، كيف كان سيصبح رد فعله مختلفًا؟ الآن، سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إعادة بناء الثقة مع تركيا وإثبات استعداده لتسهيل المفاوضات على قدم المساواة.

ولهذا الغرض، يمكن للاتحاد الأوروبي تنظيم اجتماع غير رسمي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا كما لو كانت تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي.

إن الإدماج الحقيقي للمصالح التركية ووضعها على قدم المساواة في مناقشة غير رسمية بين دول الاتحاد الأوروبي سيساعد في حل الأزمة دون مزيد من التصعيد.

ويمكن أن يكون هذا الاجتماع الرئيس بمثابة إطار عمل لمزيد من المفاوضات التركية اليونانية لحل النزاع وتسوية الخلاف، وللحصول على أي فرصة لهذا الخيار، يمكن لجهات فاعلة أكثر واقعية مثل ألمانيا وإسبانيا وبلغاريا أن تؤدي دورًا أكثر نشاطًا بدلاً من الجهات الفاعلة المنحازة الحالية مثل فرنسا والنمسا.

يمكن لعقد اجتماع غير رسمي مشترك بين قادة ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبي وتركيا أن يغير الأجواء برمتها من مناخ العداء والتصعيد إلى مناخ موجه نحو الحل.

وفي الخطوة الثانية، اعتمادًا على شروط الاتفاق في القمة، يمكن أن تكون المحكمة الدولية أو المفاوضات المباشرة أو وساطة السويسريين كدولة من خارج الاتحاد الأوروبي وسيلة للمضي قدمًا نحو حل مربح للجانبين.

إن التنقيب عن الغاز والنفط في البحر الأبيض المتوسط ​​سيفيد، في نهاية المطاف، الاتحاد الأوروبي وتركيا بينما لن يفيد روسيا وإيران ودول الخليج.

 

_________________________

المصدر: “TRT“.

Exit mobile version