سكوت مدفوع الثمن.. صحفيو مصر ينتقدون صمت نقابتهم على ماراثون التطبيع

فقط أربع سنوات مضت على مشهد شهير لدى المصريين لمجموعة من النشطاء يقومون بإحراق علم الكيان الصهيوني على سلم نقابة الصحفيين بمصر؛ النقابة التي كانت فيما مضى قبلة ومحراباً لكل الساخطين على كيان الاحتلال ومنبراً للتعبير عن رفضه ومنصة الاستنكار لكل ممارساته، فإذا بالنقابة على غير المتوقع -وفي ظل هذه التصعيدات شديدة الخطورة في ملف التطبيع العربي الإسرائيلي- تؤدي الدور المخزي لـ”الساكت عن الحق”، بحسب ما يصف مراقبون.

وعلى غير المتوقع وبعد أن بدأ العرض العلني والمكشوف لماراثون بعض الأنظمة العربية في سباقها نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ كان من اللافت الغياب الكامل لأي تصريح من نقابة الصحفيين المصرية ضد التطبيع، وهي النقابة التي كانت الأسرع في إعلان موقف حاسم وصارم تجاه التطبيع مع الكيان، عقب توقيع معاهدة كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب، حيث أقرت الجمعيات العمومية المتتابعة حظر كل أشكال التطبيع، وهددت أي عضو بها بشطبه من سجلات النقابة حال إقدامه على التطبيع.

وأثار هذا الصمت الرسمي المطبق لمجلس النقابة العديد من علامات الاستفهام، واتهمت تقارير صحفية مجلس النقابة وعشرات من الصحفيين -المعروفين بمواقفهم المناهضة للتطبيع- بأن صمتهم الحالي مدفوع الثمن، يعكس خوفهم على “قطع عيشهم” حيث يعملون في مواقع إخبارية ومؤسسات إعلامية تابعة لدول أقدمت على التطبيع وأعلنت عنه مؤخراً.

بالمقابل أعرب مجلس نقابة الصحفيين برئاسة النقيب ضياء رشوان عن استنكاره -باسم أعضاء النقابة جميعاً- بأقسى العبارات والرفض والإدانة الكاملين، لما نشرته جريدة “الأخبار” اللبنانية مما وصفه بيان المجلس بـ”التطاول والسباب والاتهامات الباطلة لجموع الصحفيين المصريين ونقابتهم العريقة، امتدت إلى عموم المثقفين المصريين”.

وتابع البيان، الذي صدر مساء أمس السبت، أن نقابة الصحفيين المصريين، الأقدم والأكبر في العالم العربي والشرق الأوسط والقارة الأفريقية، ذات التاريخ العريق والحاضر المشرق في الالتزام والدفاع عن المصالح الوطنية المصرية والقضايا العربية، ليست بحاجة لأن تدافع عن نفسها وأبناء مهنتها السامية فيما يخص مواقفها هذه، فهي في ذاتها “نماذج” تقدمها النقابة المصرية لنظيراتها العربيات لكي تحذو حذوها في الالتزامين الوطني والعربي.

وقال البيان: “لقد هال النقابة التطاول والجهل اللذان هيمنا على هذا “الشيء” المنشور بالأخبار اللبنانية، والوصول في التطاول إلى النيل من نزاهة وشرف الصحفيين المصريين -وكذلك عموم مثقفي مصر- فيما يخص مواقفهم من قضايا وطنهم وأمتهم العربية، وخصوصاً القضية الفلسطينية، وهنا يتجلى جهل الكاتب والصحيفة بما قررته الجمعية العمومية للنقابة في دورات انعقادها منذ أربعين عاماً وحتى الانعقاد الأخير في مارس 2019، سابقة فيه كل نظيراتها العربيات، الذي قررت فيه: “التمسك بجميع قرارات الجمعيات العمومية السابقة بشأن حظر كافة أشكال التطبيع المهني والنقابي والشخصي بكافة أشكاله مع الكيان الصهيوني”.

وكان تقرير صحيفة “الأخبار” اللبنانية قد اتهم نقيب الصحفيين ضياء رشوان صراحة بأنه يرفض إصدار بيان للتعليق على قيام بعض الدول بالتطبيع لأنه يعمل بمؤسسات إعلامية تابعة لبعض هذه الدول، وهو التقرير الذي وصفه رشوان في بيانه بأنه يمتلئ بـ”فداحة جهل الكاتب والصحيفة بمقام الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين وإلزام قراراتها باعتبارها السلطة الأعلى بالنقابة الممثلة لإرادة كل أعضاءها، بغض النظر عن أي مبادرات تطوعية للتوقيعات -أياً كان عددها- على أي موضوع سبق للجمعية العمومية أن اتخذت قرارات بشأنه”.

وقرر مجلس النقابة إزاء ما وصفه بالتطاول غير المسبوق والمرفوض كلية من جريدة “الأخبار” اللبنانية مطالبة الجريدة بالاعتذار الصريح الفوري لنقابة الصحفيين وأعضائها ومجلسها ونقيبها وعموم مثقفي مصر، عن كل ما نشرته من تطاول وسباب واتهامات باطلة لهم.

كما قرر الحظر التام على كل أعضاء النقابة من التعاون المهني بصوره كافة أو التصريح لجريدة “الأخبار” اللبنانية، وسيتخذ مجلس النقابة كل الإجراءات المنصوص عليها في قانونها ولائحتها تجاه المخالف لهذا فورياً، وذلك إلى حين قيام الجريدة بنشر الاعتذار المطلوب.

وقرر المجلس مخاطبة اتحاد الصحفيين العرب فورا، لكي يطالب نقابة المحررين اللبنانيين بإجراء تحقيق عاجل فيما نشرته جريدة “الأخبار” اللبنانية، وإخطار الاتحاد بالإجراءات والعقوبات التي تم اتخاذها في هذا الشأن، مع التأكيد على ضرورة إلزام الجريدة بنشر الاعتذار الفوري الصريح المشار إليه سابقاً.

حملة توقيع

من جهتهم دشن عدد من الصحفيين المصريين أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين حملة لجمع التوقيعات على بيان رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ تأكيدًا على التزامهم بقرارات جمعياتهم العمومية المتتالية بحظر التطبيع النقابي والمهني والشخصي مع الكيان الصهيوني، الذي اتخذته النقابة عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978 التي حلت الذكرى 42 على توقيعها الخميس الماضي.

وقال بيان الحملة: إنها تنطلق تأكيدًا على مركزية القضية الفلسطينية كأولوية تتقدم قضايا الأمة العربية، لافتاً إلى أن دعم صمود الشعب الفلسطيني هو الأساس في مواجهة الاحتلال والممارسات اللاإنسانية وغير القانونية التي تهدد الأمن الإنساني والمجتمعي لشعب فلسطين.

وأكد البيان استمرار حملة جمع التوقيعات التي انطلقت قبل شهر من الآن حيث توالت ردود الفعل الإيجابية في مبادرة لفيف من الصحفيين المنتمين لمختلف الأجيال النقابية للانضمام إليها وهي المبادرة التي أثمرت عن التفاف أكثر من 500 صحفي حول مضمون البيان تلاها انضمام 200 صحفي آخرين خلال الأيام التالية لإطلاق الحملة.

ودعا الصحفيون في بيانهم النقابات المهنية والعمالية إلى تجديد قراراتهم بحظر التطبيع، والتشدد في الحظر دفاعًا عن مواقف وقرارات كانت بمثابة الحاضنة الحامية للثقافة والوجدان المصري واتساقًا مع ثوابت الوطنية المصرية والعربية وبديهيات الضمير الإنساني.

كما طالب الصحفيون مجلس نقابتهم بإصدار بيان من شأنه إعادة التأكيد على موقف النقابة وجمعياتها العمومية المتتابعة من هذه القضية وكذا مخاطبة اتحاد الصحفيين العرب بتجديد موقفه وإخطار النقابات والجمعيات والروابط الصحفية العربية بموقف الاتحاد الرافض للتطبيع والملزم لهذه الجهات بمحاسبة أي مخالف من أعضائها لهذا القرار.

ولفت الصحفيون المصريون الموقعون على البيان إلى أن نقابة الصحفيين المصريين كانت من أول النقابات المهنية التي قررت حظر التطبيع.

Exit mobile version